الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحدى وعشرين وثلاث مائة
فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام، فتحيل حتى قبض على مؤنس الخادم وجماعة، ثم أمر بذبحهم، ثم طيف برؤوسهم ببغداد، فاستقامت له بغداد، وأطلقت أرزاق الجند وعظمت هيبة القاهر في النفوس، ثم أمر بتحريم القينات والخمر، وقبض على المغنن ونفى المخنثين، وكسر آلات الطرب، إلا أنه قيل: كان لا يكاد يصبر من السكر، ويسمع القينات.
وفيها توفي أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الأزدي الفقيه الحنفي المصري. برع في الفقه والحديث، وصنف التصانيف المفيدة. قال الشيخ أبو إسحاق: انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، وقال غيره: كان شافعي المذهب، يقرأ على المزني، فقال له يوماً: والله لا جاء منك شيء، فغضب أبو جعفر من ذلك. وانتقل إلى جعفر بن عمران الحنفي، واشتغل عليه، فلما صنف مختصره قال: رحم الله أبا إبراهيم يعني المزني لو كان حياً لكفر عن يمينه.
وذكر أبو علي الخليلي في كتاب الإرشاد في ترجمة المزني: إن الطحاوي المذكور كان ابن أخت المزني، وأن محمد بن أحمد الشروطي قال: قلت للطحاوي: لم خالفت خالك، واخترت مذهب أبي حنيفة. فقال: لأني كنت أرى خالي يديم النظر في كتب أبي حنيفة، فلذلك انتقلت إليه. وصنف كتباً مفيدة، منها:" أحكام القرآن "، و " اختلا العلماء "، و " معاني الآثار "، و " الشروط " وله " تاريخ " كبير، وغير ذلك. ونسبته إلى " طحا " وهي قرية بصعيد مصر، وإلى الأزد وهي قبيلة كبيرة مشهورة من قبائل اليمن.
وفيها توفي أبو هاشم الجبائي شيخ المعتزلة، وابن شيخهم، وكان له ولد عامي لا يعرف شيئاً،، فدخل يوماً على الصاحب بن عباد، فظنه عالماً، فكرمه ورفع مرتبته، سأله عن مسألة فقال: لا أدري نصف العلم، فقال الصاحب: صدقت يا ولدي، لأن أباك تقدم بالنصف الآخر. " والجبائي " بضم الجيم وتشديد الموحدة، نسبة إلى جبا، قرية من
قرى البصرة، وقيل كورة ذات قراء.
وفيها توفي الإمام الحافظ اللغوي العلامة أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري، صاحب التصانيف، عاش ثمانياً وتسعين سنة. قال بعضهم: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ما رأيته قرىء عليه ديوان إلا وهو يسابق في قراءته. وقال الدارقطني: تكلموا فيه، وتصانيفه بضع عشرة منها:" كتاب الجمهرة "، وهو من الكتب المعتبرة في اللغة. و " كتاب غريب القرآن " ولم يكمله، و " كتاب الوشاح " صغير مفيد، وله نظم رائق جداً. وقد قال بعضهم: ابن دريد أعلم بالشعر، وأشعر العلماء. ومن مليح شعره قوله:
عن الوجلت الخدور شعاعها
…
للشمس عند طلوعها لم تشرق
غصن على دعص تأود فوقه
…
قمر تألف تحت ليل مطبق
لو قيل للحسن احتكم لم يعدها
…
أو قيل خاطب غيرها لم ينطق
فكأننا من فرعها في مغرب
…
وكأننا من وجهها في مشرق
تبدو فتهف بالعيون ضياؤها
…
الويل حل بمقلة لم تطبق
أخذ عن أبي حاتم السجستاني والرياشي وعبد الرحمن بن عبد الله ابن أخي الأصمعي، وأبي عثمان سعيد بن هارون وغيرهم، وتنقل في البلدان، فسكن البصرة وعمان ونواحي فارس وصحب ابني ميكائيل وكانا يومئذ على عمالة فارس وعمل لهما " كتاب الجمهرة "، وقلداه ديوان فارس، وكانت تصدر كتب فارس عن رأيه، ولا ينفذ الأمر إلا بعد توقيعه، فأفاد منها أموالاً عظيمة.
وكان مبيداً لا يمسك درهماً شحاً وكرهاً. ومدحهما بقصيدته المقصورة، فوصلاه بعشرة آلاف درهم، وهكذا، قال ابن خلكان: ابني ميكائيل.
وقال في موضع آخر من تاريخه في مدح عبد الله بن محمد بن ميكائيل وولده ويقال أنه أحاط فيها بأكثر المقصورة أولها:
إما تري رأسي حاكى لونه
…
طرة صبح تحت أذيال الدجى
واشتعل المبيض في مسودة
…
مثل اشتعال النار في جزل الفضا
ثم انتقل ابن دريد من فارس إلى بغداد سنة ثمان وثلاثمائة بعد عزل ابني ميكائيل وانفصالهما إلى خراسان، فأمر المقتدر أن يجرى عليه كل شهر خمسون ديناراً، ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته. وكان واسع الرواية، وعرض له في رأس تسعين من عمر، فالج،