الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشعري، وليس بابن مجاهد المقرىء. وعنه أخذ القاضي أبو بكر الباقلاني، وكان ديناً صيناً خيراً ذا تقوى.
إحدى وسبعين وثلاثمائة
فيها توفي الإمام الجامع الخبر النافع ذو التصانيف الكبار في الفقه والأخبار: أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني، الحافظ الفقيه الشافعي المعروف بالجرجاني، وكان حجة، كثير العلم، حسن الدين.
وفيها توفي شيخ المالكية بالمغرب: أبو محمد عبد الله بن إسحاق القيرواني. قال القاضي عياض: ضربت إليه آباط الإبل من الأمصار، وكان حافظاً فصيحاً بعيداً عن التصنع والرياء.
وفيها توفي الإمام الكبير الفقيه الشهيد الزاهد: أبو زيد محمد بن أحمد المروزي الشافعي، كان من الأئمة الأجلاء، حسن النظر، مشهورا بالزهد، حافظاً للمذهب، وله فيه وجوه غريبة روى الصحيح عن الفربري، وحدث بالعراق ودمشق ومكة، وسمع منه الحافظ أبو الحسن الدارقطني، ومحمد بن أحمد المحاملي، قال أبو بكر البزار: عاد الفقيه أبو زيد من نيسابور إلى مكة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه يعني خطبته وكان في أول أمره فقيراً، ثم أقبلت عليه الدنيا في آخر عمره، وقد تساقطت أسنانه، وبطلت حاسة الجماع، فيقول مخاطباً للنعمة: لا بارك الله فيك، ولا أهلاً بك، ولا سهلاً، أقبلت حيث لا ناب ولا نصاب. ومات بمرو في رجب وله تسعون سنة.
قال الحاكم: كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظراً، وأزهدهم في الدنيا. وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: هو صاحب أبي إسحاق المروزي، أخذ عنه أبو بكر القفال المروزي وفقهاء مرو.
وفيها توفي الشيخ الكبير العارف أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي، شيخ إقليم فارس، صاحب الأحوال والمقامات. قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي: هو اليوم شيخ المشايخ، تاريخ الزمان، لم يبق للقوم أقدم منه سناً، ولا أتم حالاً، متمسك بالكتاب والسنة، فقيه على مذهب الشافعي. كان من أولاد الأمراء، وتزهد. توفي ثالث رمضان، وله خمس وتسعون سنة، وقيل عاش مائة وأربع سنين.
اثنتين وسبعين وثلاثمائة
فيها توفي عضد الدولة ابن الملك ركن الدولة، وهو أول من خوطب ب " شاهنشاه "
في الإسلام، وأول من خطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة، وكان أديباً فاضلاً محباً للفضلاء، مشاركاً في فنون من العلم، وله صنف أبو علي الفارسي " الإيضاح "، و " التكملة " في النحو، وقصده الشعراء من البلاد كالمتنبي وأبي الحسن السلامي، ومدحوه بالمدائح الحسنة. وكان شيعياً غالياً شهماً، مطاعاً، حازماً ذكياً، متيقظاً مهيباً سفاكاً للدماء، له عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية، وليس في بني عمه مثله، وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام، فإذا هو ثلاثمائة ألف ألف وعشرون ألف درهم، وجدد مكوساً ومظالم. ولما نزل به الموت كان يقول: ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه. وله أشعار ومنها قوله في قصيدة هذه الأبيات التي لم يفلح بعدها:
ليس شرب الروح إلا في المطر
…
وغناء من جوار في السحر
غانيات سالبات للنهى
…
ناغمات في تضاعيف الوتر
مبرزات الكأس من مطلعها
…
ساقيات الراح من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها
…
ملك الأملاك غلاب القدر
نعوذ بالله من غضب الله ومن مثل هذا القول.
وممن حكى هذه الأبيات عنه أبو منصور الثعالبي في كتاب " يتيمة الدهر "، وإليه ينسب المارستان العضدي ببغداد، غرم عليه مالاً عظيماً، قيل وليس في الدنيا مثل تزيينه، وهو الذي أظهر قبر علي رضي الله تعالى عنه بزعمه بالكوفة، وبنى عليه المشهد، ودفن فيه. وللناس في هذا القبر اختلاف كثير، وأصخ ما قيل فيه أنه مدفون بقصر الإمارة بالكوفة كرم الله وجهه ومما يمدح الشعراء عضد الدولة قول المتنبي في قصيدة له:
أروح وقد ختمت على فؤادي
…
بحبك أن يحل به سواكا
ومنها:
فلو أني استطعت غضضت طرفي
…
فلم أنظر به حتى أراكا
وقول السلامي:
وبشرت آمالي بملك هو الورى
…
ودار في الدنيا ويوم هو الدهر
وقد أخذ هذا المعنى القاضي الأرجاني في قوله:
لو زرته فرأيت الناس في رجل
…
والدهر في ساعة والأرض في دار
ولكن أين الثرى من الثريا؟ وكذلك هذا المعنى موجود في قول المتنبي:
هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى
…
ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق
لكنه ما استوفاه، فإنه ما تعرض لذكر اليوم الذي جعله السلامي وهو الدهر ومع هذا فليس له طلاوة بيت السلامي الذي هو السحر الحلال.
في السنة المذكورة أو في غيرها من عشر الثمانين توفي الإمام الكبير الفقيه الشافعي الشهير إمام مرو، ومقدم الفقهاء الشافعية في زمانه ومكانه، أبو عبد الله محمد بن أحمد الفارسي المروزي الخضري " بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمتين وبالراء " وكان من أعيان تلامذة أبي بكر القفال المروزي، أقام بمرو ناشراً فقه الشافعي، وكان يضرب به المثل في قوة الحفظ، وقلة النسيان، وله في المذهب وجوه غريبة، نقلها الخراسانيون عنه. وروي عن الشافعي رضي الله. تعالى عنه صحيح لدلالة الصبي على القبلة، وقال معناه: أن يدل على قبلة تشاهد في الجامع، فأما موضع الاجتهاد فلا يقبل.
وذكر الإمام أبو الفتوح العجلي في كتاب شرح " مشكلات الوجيز والوسيط " إن الإمام أبا عبد الله الخضري المذكور سئل عن قلامة ظفر المرأة، هل يجوز للرجل الأجنبي النظر إليها. فأطرق طويلاً ساكتاً، وكانت تحته ابنه الشيخ أبي علي " الشبوي " بفتح الشين المعجمة والموحدة، فقالت له: لم تفكر؟ قد سمعت أبي يقول في جواب هذه المسألة: إن كانت من قلامة أظفار اليدين جاز النظر إليها، وإن كانت من أظفار الرجلين لم يجز، لأنها عورة. ففرح الخضري وقال: لو لم أستفد من اتصالي بأهل العلم إلا هذه المسألة لكانت كافية. انتهى كلام أبي الفتوح العجلي.
وقال أبو العباس ابن خلكان: هذا التفصيل بين اليدين والرجلين فيه نظر، فإن أصحابنا قالوا: اليدان ليستا بعورة في الصلاة، فأما بالنسبة إلى نظر الأجنبي فما نعرف بينهما فرقاً. انتهى كلام ابن خلكان.
قلت: كلام ابن خلكان المذكور ليس بصواب من وجهين: أحدهما قوله: قالوا اليدان ليستا بعورة، ولم يقل: الكفان. والثاني، قوله: ما يعرف بينهما فرقاً فإنه وإن كان لم يطلع على الفرق، وما في ذلك من الخلاف، فإنه قال ذلك على وجه الاعتراض، وكان حقه أن لا يقول مثل هذا إلا بعد اطلاعه على كلام الأصحاب، فالمسألة منصوص عليها.
قال الإمام الرافعي: النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها، إن خاف الناظر، فيه حرام، وإن