الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اثنتين وعشرين ومائتين
فيها التقى الأفشين والخرمية، فهزمهم ونجا بابك، فلم يزل الأفشين يتحيل عليه حتى أسره، وقد عاث هذا الشيطان وأفسد البلاد والعباد، وامتدت أيامه نيفاً وعشرين سنة، وأراد أن يقيم ملة المجوس، واستولي على كثير من البلدان.
وفي أيامه ظهر المازيار القائم بملة المجوس بطبرستان وبعث المعتصم إلى الأفشين بثلاثين ألف ألف درهم ليتقوى بها، وافتتحت مدينة بابك في رمضان بعد حصار شديد فاختفى بابك في غيضة وأسر جميع خواصة وأولاده، وبعث إليه المعتصم الأمان، فخرق به وسبه، وكان قوي النفس شديد البطش صعب المراس، فطلع من تلك الغيضة في طريق يعرفها في الجبل، وانفلت ووصل إلى جبال أرمينية، فنزل عند " البطريق سهل " فأغلق عليه، وبعث ليعرف الأفشين، فجاء الأفشينية فتسلموه، وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حياً ألفي ألف درهم، ولمن جاء برأسه ألف ألف درهم، وكان يوم دخل ببغداد يوماً مشهوداً.
وفيها توفي أبو اليمان الحكم بن نافع اليماني الحمصي الحافظ " وأبو عمرو " مسلم بن إبراهيم الفراهيدي مولاهم الحافظ محدث البصرة، سمع من ثمانية شيوخ بالبصرة، وكان يقول: ما أتيت حراماً ولا حلالاً قط.
ثلاث وعشرين ومائتين
فيها أتي المعتصم ببابك، فأمر بقطع رأسه وبصلبه.
وفيها توفي خالد بن خداش المهلبي البصري المحدث، وعبد الله بن صالح الجهني المصري الحافظ، وأبو بكر بن أبي الأسود قاضي همدان، وكان حافظاً مفتياً، وموسى بن إسماعيل البصري الحافظ أحد أركان الحديث رحمة الله عليهم.
أربع وعشرين ومائتين
فيها ظهر مازيار " بالزاي ثم الياء المثناة من تحت وفي آخره راء " بطبرستان، فسار لحربه عبد الله بن طاهر، وجرت له حروب وأمور، ثم اختلف عليه جنده، وكان قد ظلم وأسف وصادر وخرب أسوار بلدان منها: الري وجرجان وغير ذلك، وسيأتي ذكر قتله.
وفيها توفي الأمير إبراهيم بن المهدي العباسي، وكان فصيحاً أديباً شاعراً رأساً في معرفة الغناء وأبوابه، ولي أمرة دمشق لأخيه الرشيد، وبويع بالخلافة ببغداد، ولقب بالمبارك
عندما جعل المأمون ولي عهده علي بن موسى الرضى، وحورب فانكسر مرة بعد أخرى، واختفى، وبقي مختفياً سبع سنين، ثم ظفروا به، فعفا عنه المأمون.
وفيها توفي قاضي مكة أبو أيوب سليمان بن حرب الأزدي الواشجي البصري الحافظ، حضر مجلسه المأمون من وراء ستر. وأبو الحسن علي بن محمد المدائني البصري الأخباري صاحب التصانيف والمغازي والأنساب، وكان يسرد الصوم.
وفيها توفي العلامة العالم أبو عبيد القاسم بن سلام " بتشديد اللام " البغدادي صاحب التصانيف، سمع شريكاً وابن المبارك وطبقتهما، وقال إسحاق بن راهويه الحق يحدث الله: أبو عبيد أفقه مني وأعلم. وقال أحمد: أبو عبيد أستاذ، ووصفه غيره بالدين والسيرة الجميلة وحسن المذهب والفضل البارع، وكان أبوه عبداً رومياً لرجل من أهل هراة، اشتغل أبو عبيد بالحديث والفقه والأدب.
وقال القاضي أحمد بن كامل: أبو عبيد فاضل في دينه وعلمه، متفنن في أصناف علوم الإسلام من القرآن والفقه والعربية والأخبار وحسن الرواية، صحيح النقل، لا أعلم أحداً من الناس ظفر عليه في شيء من أمر دينه.
وقال إبراهيم الحربي: كان أبو عبيد كأنه جبل نفخ فيه الروح، يحسن كل شيء، ولي القضاء بمدينة طرسوس ثماني عشرة سنة، وروى عن أبي زيد الأنصاري والأصمعي وأبي عبيدة وابن الأعرابي والكسائي والفراء وجماعة كثيرة وغيرهم. وروى الناس من كتبه المصنفة نيفاً وعشرين كتاباً في القرآن الكريم والحديث وغريبه والفقه، وله مصنف " في الغريب " و " كتاب الأمثال "، و " معاني الشعر والمقصور والممدود "، و " القراءات والمذكر والمؤنث "، و " كتاب النسب "، و " كتاب الأحداث "، و " أدب القاضي "، و " عدداي القرآن "، و " الأيمان والنذور "، و " كتاب الأموال "، وغير ذلك من الكتب النافعة، ويقال أنه أول من صنف في غريب الحديث، ولما وضع كتاب الغريب عرضه على عبد الله بن طاهر، فاستحسنه وقال: إن عاقلاً بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب حقيق أن لا يخرج إلى طلب المعاش، وأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر.
وقال محمد بن وهب المسعودي: سمعت أبا عبيد يقول: كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائده من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من
الكتاب، فأبيت ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني، فيقيم أربعة أو خمسة أشهر، فيقول قد أقمت كثيراً.
وقال الهلال بن العلاء الرقي: من الله تعالى على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: " بالشافعي " تفقه في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، " وبالإمام أحمد " ثبت في المحنة، ولولا ذلك لكفر الناس أو قال ابتدعوا، " ويحيى بن معين " نفى الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبأبي عبيد القاسم بن سلام، فسر غريب الحديث، ولولا ذلك لإقتحم الناس الخطأ.
وقال أبو بكر الأنباري: كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثاً: فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويضع الكتاب ثلثه.
وقال أبو الحسن إسحاق بن راهويه: أبو عبيد أوسعنا علماً، وأكثرنا جمعاً، إنا نحتاج إلى أبي عبيد، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا. وقال ثعلب: لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل لكان عجباً، وكان يخضب بالحناء، أحمر الرأس واللحية، ذا وقار وهيبة، قدم بغداد فسمع الناس منه كتبه، ثم حج بمكة سنة اثنتين أو ثلاثاً وعشرين ومائتين، وقال البخاري: في سنة أربع وعشرين.
وذكر الإمام ابن الجوزي أنه لما قضى حجته، وعزم على الإنصراف، اكترى إلى العراق، فرأى في الليلة التي عزم على الخروج في صبيحتها في منامه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو جالس وعلى رأسه قوم يحجبونه، وأناس يدخلون، ويسلمون عليه ويصافحونه. قال: فكلما دنوت لأدخل منعت، فقلت: لم لا تخفون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقالوا: والله، لا تدخل إليه، ولا تسلم عليه، وأنت خارج غداً إلى العراق، فقلت لهم: إني لا أخرج إذن، فأخذوا عهدي، ثم خلوا بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدخلت وسلمت عليه، وصافحني، وأصبحت ففسخت الكري، وسكنت بمكة، قال: ولم يزل بها إلى أن توفي رحمة الله عليه.
قال أبو عبيد: كنت مستلقياً في المسجد الحرام، فجاءتني عائشة المكية، وكانت من العارفات، فقالت لي: يا أبا عبيدة يقال أنك من أهل العلم، اسمع مني ما أقوله لك: لا تجالسه إلا بالأدب وإلا محاك من ديوان العلماء، أو قالت: من ديوان الصالحين، أو كما قالت رضي الله تعالى عنها.