الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منازل الحب في قلبي معظمة
…
وإن خلا من نعيم الوصل منزلها
فكيف أتركها، والقلب يتبعها
…
حباً لمن كان قبل اليوم ينزلها
قال: فتركتها ومضيت، وقد وقع شعرها من قلبي موقعاً، وأزاد قلبي تولعاً.
قلت: ومن العبر العظيمات مما يناسب هذه الحكاية في سرعة الممات أنها قرئت علي هذه الترجمة لأبي القاسم الجنيد في منزلي، في بعض الليالي، وأنا حينئذ في المدينة الشريفة، وكانت زوجتي زينب بنت القاضي نجم الدين الطبري تسمع قراءتها، فذكرت في تلك الليلة شيئاً من هذه الحكاية، مما كان على ذهني منها. ثم أردت أن أكتبها، وألحقها بالترجمة المذكورة لنسمعها في ليلة أخرى زوجتي المشار إليها، فما تيسرت كتابتها إلا اليوم الثالث من موتها، ولا قرأنا شيئاً من هذا التاريخ في بيتها سوى ليلة، وقد نزل مرض الموت بها رحمها الله تعالى وأنزلها. داراً خيراً من دارها.
وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير العارف بالله تعالى الشهير أبو عثمان الحيري " بكسر الحاء المهملة والراء وسكون الياء المثناة من تحت بينهما " سعيد بن إسماعيل، شيخ نيسابور في زمانه، وواعظها وكبير الصوفية بها. صحب الشيخ الكبير الجليل أبا حفص النيسابوري، وكان كبير الشأن مجاب الدعوة.
تسع وتسعين ومائتين
فيها توفي شيخ نيسابور، أبو عمرو الخفاف، أحمد بن نصر الحافظ الزاهد. سمع إسحاق بن راهويه. وقال ابن خزيمة يوم وفاته: لم يكن بخراسان أحفظ للحديث منه.
وفيها توفي أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي، صاحب التصانيف في القراءة والجريب والنحو. وكان أبو بكر بن مجاهد يعظمه ويطريه ويقول: هو أنحى من الشيخين. يعني ثعلباً والمبرد.
ثلاث مائة
فيها توفي صاحب الأندلس: أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية الأموي. وكانت دولته خمساً وعشرين سنة. ولي بعد أخيه المنذر، وكان ذا صلاح وعبادة وعدل وجهاد، يلتزم الصلوات في الجامع، وله غزوات كبار، أشهرها غزوة ابن حفصون، وكان ابن حفصون في ثلاثين ألفاً، وهو في أربعة
عشر ألفاً، فالتقيا فانكسر ابن حفصون، وتبعه عبد الله يأسر ويقتل حتى لم ينج منهم أحد. وكان ابن حفصون من الخوارج.
وفيها توفي أبو الحسن علي بن سعيد العسكري، أحد أركان الحديث. وأبو الحسين مسدد بن قطن النيسابوري. قال الحاكم: كان مربي عصره، والمقدم في الزهد والورع.
وفيها توفي أبو أحمد يحيى بن علي المعروف بابن المنجم. كان أول أمره نديم الموفق طلحة بن المتوكل على الله، وكان الموفق نائباً عن أخيه المعتمد على الله، ولم يل الخلافة، ثم نادم يحيى المذكور الخلفاء بعد الموفق، واختص بمنادمة المكتفي بالله، وعلت رتبته عنده، وتقدم على خواصه وجلسائه. وكان متكلماً معتزلي الإعتقاد، وله في ذلك كتب كثيرة. وكان له مجلس يحضره جماعة من المتكلمين بحضره المكتفي، وله مع المعتضد وقائع ونوادر. من ذلك أنه قال: كنت يوماً بين يدي المعتضد، وهو مغضب، فأقبل بدر مولاه وهو شديد الغرام به، فلما رآه من بعيد ضحك وقال: يا يحيى، من الذي يقول من الشعراء:
في وجهه شافع يمحو إساءته
…
من القلوب، وجيه حيث ما شفعا
فقلت: يقوله الحكم بن عمر والشاري. فقال: لله دره، أنشدني هذا الشعر، فأنشدته:
ويلي على من أطار النوم فامتنعا
…
وزاد قلبي على أوداجه وجعا
كأنما الشمس في أعطافه لمعت
…
حسناً أو البدر من أزراره طلعا
مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت
…
منه الذنوب، ومعذور متى صنعا
في وجهه شافع يمحو إساءته
…
من القلوب، وجيه حيث ما شفعا
وفي حدود الثلاث مائة توفي أحمد بن يحيى الراوندي الملحد. وكان يلازم الرافضة والزنادقة، قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه العظائم حتى رأيت في كتبه ما يخطر على قلب أن يقوله عاقل، فمن كتبه:" كتاب نعت الحكمة "، و " كتاب قضب الذهب "، و " كتاب الزمرد "، وقال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل، وقد صنف " الدامغ " يدمغ به على القرآن، و " الزمردة " يزري به عيب النبوات.