الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه لم يقتل، ولكن ألقي شبهه على عدو من أعداء الله. وشرح هذه القصة يطول، وفيما ذكرناه كفاية وعبرة لأولي العقول.
قلت وقد اقتصرت مع ما ذكرت عن المشايخ في هذه القضية على نقل ابن خلكان وهو أهون وكلامه في الصوفية أقرب وأنسب لما ذكرناه من تأويل أكابر المشايخ عنه. على المحامل التي تقدم ذكرها.
وأما ما نقل الذهبي، فذكر فيه أشياء فظيعة، وكثر التشنيع عليه، وبالغ مبالغة لا يناسب ما قدمنا عن المشايخ، بل يناسب اعتقاد الطاعنين عليه في شطحيات الصوفية، وما يصدر " عنهم من الأحوال مشتبهاً بمضمون العقيدة التفاشية، وما يناسبه من عقائد الحشوية في السادات من أولي الأحوال السيئة.
وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبو العباس بن عطاء، وكان من أجلاء المشايخ أكابر الجامعين بين علمي الباطن والظاهر.
عشر وثلاث مائة
فيها ببغداد توفي الحبر البحر الإمام أحد العلماء الأعلام صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير والمصنفات العديدة والأوصاف الحميدة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، كان مجتهداً لا يقلد أحداً.
قال إمام الأئمة المعروف بابن خزيمة: ما أعلم على وجه الأرض أفضل من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة.
وقال الفقيه الإمام مفتي الأنام أبو حامد الأسفراييني: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً.
قلت: وناهيك بهذا الثناء العظيم والمدح الكريم من هذين الإمامين الجليلين البارعين النبيلين. ومولده بطبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين، ركان ذا زهد وقناعة.
توفي في أواخر شوال من السنة المذكورة، وكان إماماً في فنون كثيرة، منها التفسير
والحديث والفقه والتاريخ وغير ذلك، وله مصنفات مليحة في فنون عديدة، يدل على سعة علمه وغزارة فضله، وكان ثقة في نقله وتاريخه. قيل: تاريخه أصح التواريخ وأثبتها، وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء من جملة المجتهدين.
وفيها أو في التي قبلها توفي الفقيه الكبير الإمام الشهير محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، كان فقيهاً مطلعاً، ذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء ومال: صنف في اختلاف العلماء كتباً لم يصنف أحد مثلها، واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف، ومن كتبه المشهورة قي اختلاف العلماء " كتاب الأشراف "، وهو كتاب كبير يدل على كثرة وقوفه على مذاهب الأثمة، وهو من أحسن الكتب وأنفعها.
وفيها: وقيل في إحدى عشرة، وقيل في ست عشرة وثلاث مائة، توفي أبو إسحاق الزجاج إبراهيم بن محمد النحوي، كان من أهل العلم بالأدب والدين المتين، وله من التصانيف في معاني القرآن وعلوم الأدب والعربية والنوادر وغير ذلك بضع عشرة مصنفاً. أخذ الأدب عن المبرد وثعلب، وكان يخرط الزجاج، ثم تركه واشتغل بالأدب ونسب إليه، وعنه أخذ أبو علي الفارسي النحوي، وإليه ينسب أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي، صاحب كتاب الجمل في النحو.
وفيها توفي الإمام النحوي محمد بن العباس اليزيدي، كان إماماً في النحو والأدب ونقل النوادر وكلام العرب.
ومما رواه أن أعرابياً هوى أعرابية، فأهوى إليها ثلاثين شاة وزقاً من خمر مع عبد له أسود، فأخذ العبد شاة في الطريق، فذبحها وأكل منها، وشرب بعض الزق. فلما جاءها بالباقي عرفت أنه خانها في الهدية، فلما عزم على الإنصراف سألها: هل لك حاجة. فأرادت إعلام سيده بما فعله فقالت له: اقرأ عليه السلام وقل له: إن المرثوم كان عندنا محاقاً، وإن شحيماً راعي غنمنا جاء مرثوماً. فلم يدر العبد ما أرادت بهذه الكتابة. فلما بلغ سيده ذلك فطن لما أرادت، فدعا له بالهراوة وقال: لتصدقني وإلا ضربتك بهذه ضرباً، فأخبره الخبر فعفا عنه، وهذه من لطيف الكنايات وظريف الإشارات. والمرثوم بفتح الميم وسكون الراء وضم المثلثة: الملطخ بالدم، وهو في الزق مستعمل على وجه الإستعارة. والمحاق بكسر الميم: ثلاث ليالي من آخر الشهر.
وفيها توفي الطبيب الماهر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي المشهور، ألف في الطب كتباً كثيرة، وكان إمام وقته في علم الطب، والمشار إليه في ذلك العصر، متقناً لهذه الصناعة، يشد إليه الرحال في أخذها عنه.