الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قريش مروءة وعلماً وشرفاً وديناً وقدراً وجاهاً، وكان نسابة قريش.
وفيها توفي وزير المأمون الحسن بن سهل، وقد تقدم دخول المأمون بابنته بوران، الكلفة التي احتملها والدها، وكان أخوه الفضل وزيراً قبله، وكان الحسن عالي الهمة كثير فعطاء للشعراء وغيرهم، قصده بعض الشعراء وأنشده:
تقول خليلي لما رأيتني
…
أشد مطيتي من حلل
أبو الفضل أين ترتحل المطايا
…
فقلت نعم إلى الحسن بن سهل
قلت: لقد تناسب لفظ هذا البيت ومعناه، أعني، لفظ سهل، مع سهولة النظم سلاسته، وسهولة الخلق المذكور في نيل المقصود منه، مناسبة هذه السهولة لفظ اسمه، اجتمعت السهولة في ثلاث: في المدح واسم الممدوح وخلقه، فأعطى قائلها المذكور عطاء جزيلاً، وخرج يوماً مع المأمون يشيعه، فلما عزم على مفارقته قال له المأمون: يا أبا محمد ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، تحفظه علي من قلبك ما لا أستطيع حفظه إلا بك.
وقال بعضهم: حضرت مجلس الحسن بن سهل، وقد كتب لرجل شفاعة، فجعل رجل يشكر، فقال الحسن: يا هذا علام تشكرنا. إنا نريد الشفاعات زكوة مروءتنا، بلغني أن الرجل يسأل في القيامة عن فضل جاهه، كما يسأل عن فضل ماله، ولم يزل على وزارة مأمون إلى أن ثارت عليه المرأة السوداء، لكثرة خدمة أخيه الفضل لما قيل، كما تقدم في ترجمته سنة اثنتين ومائتين.
وفي سنة ست وثلاثين أيضاً توفي هدبة " بالموحدة " ابن خالد العبسي البصري حافظ، قال عبدان: كنا لا نصلي خلف هدبة مما يطول، كان يسبح في الركوع والسجود نيفاً وثلاثين تسبيحة.
سبع وثلاثين ومائتين
فيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي دؤاد القاضي وأهله، وصادرهم وأخذ منهم ستة عشر ألف درهم.
وفيها توفي الشيخ الجليل المكرم العارف بالله حاتم الأصم الناطق بالمعارف المواعظ والحكم، المكنى والملقب حين انفجرت فيه ينابيع الحكمة بأبي عبد الرحمن لقمان هذه الأمة. قلت: وقضته في الوعظ مع قاضي الري محمد بن مقاتل مشهورة،
واستحسان الإمام أحمد كلامه، ومدحه له. وإنما سمي الأصم، ولم يكن به صمم، لأن امرأة جاءت تكلمه في شيء، فسمع منها صوتاً، فخجلت، فقال: أسمعيني ما تقولين، فإني أصم، فذهب عنها ما بها نزل من شدة الخجل.
وفيها توفي وثيمة " بفتح الواو وكسر المثلثة وسكون المثناة من تحت وفتح الميم في أخره هاء " ابن موسى الوشاء الفارسي. كان يتخير في الوشي، وصنف كتاباً في أخبار الرقة وذكر فيه القبائل التي ارتدت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والسرايا التي سيرها أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وصورة مقاتلتهم، وما جرى بينهم وبين المسلمين في ذلك، ومن عاد منهم إلى الإسلام، وقتال مانعي الزكاة، وما جرى لخالد بن الوليد المخزومي مع مالك بن نويرة اليربوعي أخي متمم بن نويرة الشاعر صاحب المراثي المشهورة في أخيه مالك، وصورة قتله، وما قاله متمم وغيره من الشعر في ذلك، وهو كتاب جيد يشتمل على فوائد كثيرة. وذكر الواقدي أنه صنف كتاباً في الردة أيضاً، أجاده في ذكر جماعة من أجلاء المؤرخين، وقالوا: كان يتخير في الوشي، وهو نوع من الثياب المعموله من الإبريسم، وبه عرف جماعة منها وثيمة المذكور، وإذا قد ذكرنا مالكاً وأخاه متمماً، فلنذكر نبذة مشتملة من خبرهما.
كان مالك المذكور رجلاً ثرثاً نبيلاً يردف الملوك والإرداف إردافان فإن ردف يركب بعدهم على مركوبهم، وردف بخلفهم في الحكم إذا قاموا من مجالسهم. ومالك المذكور هو الذي يضرب به المثل، فيقال: مرعى ولا كالسعدان، وماء ولا كصداء، وفتى ولا كمالك. كان فارساً شاعراً مطاعاً في قومه، وكان فيه خيلاء وتقدم ذاملة كبيرة، وكان يقال له الحفول، قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوم من العرب، وأسلم فولاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقة قومه.
ولما ارتدت العرب بعد موته عليه السلام بمنع الزكاة، كان مالك المذكور في جملتهم، ولما خرج خالد بن الوليد لقتالهم في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، نزل على مالك وهو يقدم قومه بني يربوع وقد أخذ مركوبهم، وتصرف فيها، فكلمه خالد في فقال: أنا آتي الصلاة دون الزكاة، فقال له خالد: أما علمت: الصلاة والزكاة معاً، لا يلب واحد دون أخرى؟. فقال مالك: قد كان صاحبك يقول ذلك، قال خالد: وما تراه لا صاحباً، والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تحاولا في الكلام طويلاً، فقال له خالد إني قاتلك، قال أو بذلك أمرك صاحبك. قال: وهذه بعد تلك، والله لأقتلنك.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وأبو قتادة الأنصاري حاضرين، فكلما خالداً في أمره، فكره كلامهما، فقال مالك: يا خالداً بعثنا إلى أبي بكر، فيكون هو الذي يحكم فينا، فقد بعث إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا، فقال خالد: لا أقالني الله إن لم أقتلك. وتقدم إلى ضرار بن الأزور الأسدي بضرب عنقه، فالتفت مالك إلى زوجته أم متمم، وقال لخالد: هذه التي قتلتني وكانت في غاية الجمال فقال له خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فمال مالك: أنا على الإسلام، فقال خالد: لا ضرار اضرب عنقه، فضرب عنقه، وجعل رأسه أثفية لقدر، وكان من أكثر الناس شعراً، وكان القدر على رأسه تطبخ الطعام، وما خلصت النار إلى سواه من كثرة شعره. هكذا قيل، وقبض خالد إمرأته، وقيل إنه اشتراها من الفيء وتزوجها، وقيل: إنها اعتدت بثلاث حيضات، ثم خطبها إلى نفسها فأجابته.
وقال لإبن عمر وأبي قتادة: تحضران النكاح، فأبيا وقال له ابن عمر: تكتب إلى أبي بكر، وتذكر له أمرها، فأبى وتزوجها، فقال في ذلك أبو زهير السعدي أبياتاً، نسب فيها خالداً إلى البغي.
قلت: ومنصب الصحابة منزه عن ذلك، يلتمس لهم أحسن المخارج كما ذكر العلماء في قتال بعضهم بعضاً، وكما سيأتي من إعتذار أبي بكر رضي الله تعالى عنه لخالد في القضية، على ما ذكر بعض المؤرخين. ومن أبيات أبي زهير المذكور:
ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك
…
تطاول هذا الليل من بعد مالك
قضى خالد بغياً عليه لفرسه
…
وكان له فيما هو قبل ذلك
فأمضى خالد غير عاطف
…
عنان الهوى عنها ولا متمالك
وأصبح ذا أهل وأصبح مالك
…
إلى غير شيء هالك في الهوالك
فمن لليتامى والأرامل بعده
…
ومن للرجال المعدمين الصعالك
أصيبت تميم عنها وسميتها
…
بفارسها المرجو سحت الحوارك
قلت: قوله: " وكان له في ما هو قبل ذلك ": هكذا هو في الأصل المنقول فيه، والصواب فيك، التفاتا إلى المرأة، لمصبح كسر الكاف من ذلك. والحوارك تطلق على كواهل الخيل.
قالوا: ولما بلغ الخبر أبا بكر وعمر، قال عمر: إن خالداً قد زنى فارجمته قال: ما كنت لأرجمه، فإنه تأول فأخطأ، قال: فإنه قتل مسلماً فاقتله، قال: ما كنت لأقتله به، إنه فأخطأ، قال: فاعز له، قال: ما كنت لأشيم سيفاً سله الله عليهم أبداً. يعني ما كنت