الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقه والحديث كثير التصانيف، خرج مرة من الرباط فشيعه نحو خمسين من بغداد إلى سامراء.
وفيها توفي الإمام الكبير الحافظ سليمان بن الأشعث، أبو داود السجستانى الأزدي، أحد أئمة الحديث وحفاظه ومعرفة علمه وعلله، وكان في الدرجة العاليه من النسك والصلاح، طوف البلاد وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين والحجازيين والحرميين، وجمع كتاب السنن، قديماً، فربما عرضه. على الإمام أحمد بن حنبل فاستجازه واستحسنه. وعده الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء، من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل. وقال إبراهيم الحربي: لما صنف أبو داود كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد. وكان يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني السنن، جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأعمال بالنيات "، والثاني قوله:" ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، والثالث قوله:" لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه "، والرابع قوله:" الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات ". الحديث بكماله، وجاءه الشيخ الكبير الوالي الشهير العارف بالله الخبير سهل بن عبد الله التستري، فقيل له: يا أبا داود، هذا شهل عبد الله، قد جاءك زائراً. قال فرحب به وأجلسه فقال: يا داود، لي إليك حاجة، قال: هي؟ قال: تقول قضيتها، قال: قضيتها مع الإمكان. قال: اخرج لسانك الذي حدثت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أقبله، فأخرج لسانه فقبله، توفي رضي الله تعالى عنه يوم الجمعة منتصف شوال من السنة المذكورة. وكان رأساً في الحديث، رأساً الفقه، ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع، حتى كان يشبه شيخه أحمد بن حنبل، رحمة الله عليهم.
ست وسبعين ومائتين
فيها توفي الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد الأندلسي، أحد الأعلام سمع يحيى بن يحيى، ويحيى بن بكير، وأحمد بن حنبل وطبقتهم، وصنف التفسير الكبير والمسند الكبير. قال ابن حزم أقطع. إنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره. وكان بقي بن
مخلد علامة فقيهاً مجتهداً صواماً قواماً متبتلاً عديم المثل.
وفيها توفي الإمام الحافظ أحد العباد أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي البصري إنه كان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة، ويقال إنه روى من حفظه ستين ألف حديث.
وفيها توفي محدث الأندلس قاسم بن محمد بن قاسم الأموي مولاهم الفقيه، تفقه على الحارث بن مسكين وابن عبد الحكم، وكان مجتهداً لا يقلد. قال رفيقه بقي بن مخلد: هو أعلم من ابن عبد الحكم. وقال ابن عبد الحكم: لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من قاسم.
وفيها توفي محدث مكة أبو جعفر محمد بن إسماعيل الصائغ. ومحدث دمشق أبو القاسم يزيد بن محمد بن عبد الصمد. ومحدث الكوفة أبو عمرو ومحمد بن حازم الغفاري الحافظ.
وفيها توفي أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل المروزي الإمام صاحب " كتاب المعارف "، و " أدب الكاتب " كان فاضلاً ثقة، سكن بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهويه وأبي إسحاق إبراهيم بن سفيان الزيادي وأبي حاتم السجستاني وتلك الطبقة. وروى عنه ابنه أحمد وابن درستويه الفارسي، وله تصانيف كلها مفيدة، منها ما تقدم ومنها " غريب القرآن الكريم "، و " غريب الحديث "، و " عيون الأخبار "، و " مشكل القرآن "، و " مشكل الحديث "، و " طبقات الشعراء "، و " الأشربة "، و " إصلاح الغلط "، و " كتاب النفقة "، و " كتاب الخيل، و " كتاب إعراب القرآن "، و " كتاب الأنوار "، و " كتاب المسائل والجوابات "، و " كتاب الميسر والقداح " وغير ذلك. توفي في أول ليلة من رجب وقيل منتصف رجب من السنة المذكورة، وقيل سنة إحدى وسبعين، وقيل بل سنة سبعين، وكان موته فجأة، صاح صيحة سمعت من بعد، ثم أغمي عليه ومات، وقيل: أكل هريسة فأصابته حرارة، فصاح صيحة شديده ثم أغمي عليه إلى وقت الظهر، ثم اضطرب ساعة ثم هدأ، فما زال يتشهد إلى وقت السحر ثم مات. قلت: وقد تقدم ما قيل أن أكثر أهل العلم يقولون: " أدب الكاتب " خطبة بلا كتاب و " إصلاح المنطق "، كتاب بلا خطبة. قال ابن خلكان: وهذا فيه نوع تعصب عليه، فإن " أدب الكاتب " قد حوى على كل شيء، وهو مفنن، وما أظنهم حملهم على هذا القول، إلا أن خطبته طويلة، والإصلاح فيه قصير الخطبة، واسم كتابه المذكور " الاقتضاب في شرح أدب الكتاب ".