الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثله رحمه الله.
وفيها توفي أبو طاهر ابن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي.
والفقيه الإمام أبو عبد الله ابن بطة الحنبلي.
ثمان وثمانين وثلاثمائة
فيها توفي الحافظ أبو بكر، أحمد بن عبدان الشيرازي الصيرفي، كان من كبار المحدثين.
وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله: حسيين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي الصيرفي. كان عجباً في حفظ الحديث وسرده.
وفيها توفي الإمام الكبير الخير الشهير أبو سليمان الخطابي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي الشافعي. كان فقيهاً أديباً محدثاً، وله التصانيف البديعة، منها " أعلام السنن " في شرح البخاري، و " معالم السنن " في شرح سنن أبي داود، و " غريب الحديث "، و " كتاب إصلاح غلط المحدثين "، و " كتاب الشرح "، و " كتاب بيان الدعاء " وغير ذلك، سمع بالعراق أبا علي الصفار، وأبا جعفر الرزاز وغيرهما.
وروى عنه الحاكم أبو عبد الله بن البيع النيسابوري، وعبد الغفار بن محمد الفارسي، وأبو القاسم عبد الوهاب بن أبي سهل الخطابي، وذكر صاحب يتيمة الدهر، وأنشد له:
وما غمة الإنسان في شقة النوى
…
ولكنها والله في عدم الشكلي
وإلى غريب بين بست وأهلها
…
وإن كان فيها أسرتي وبها أصلي
قلت يعني بالشكلي: المشاركة في أوصافه، وأسرة الرجل بالضم رهطه والغمة بالضم الكربة. وأنشد له أيضاً:
فسامح ولا تستوف حقك كله
…
وأبق فلم يستوف قط كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد
…
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
قلت هكذا يحفظ ذميم، وفي الأصل الذي وقفت عليه من نقل ابن خلكان سليم، ومعناه غير صحيح، فإن الطرفين إما إفراط، وإما تفريط. قالوا: وكان يشبه في عصره بأبي عبيد القاسم بن سلام علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريساً وتأليفاً. والبستي بضم الموحدة، وسكون السين المهملة، والمثناة من فوق نسبة إلى بست: مدينة من بلاد كابل، بين هراة وغزنة، كثيرة الأشجار والأنهار..
قال الحاكم أبو عبد الله: سألت أبا القاسم المظفر بن طاهر عن اسم أبي سليمان الخطابي: أحمد أو حمد؟ فقال: سمعته يقول اسمي الذي سميت به حمد، ولكن الناس كتبوا أحمد، فتركته عليه.
وقال أبو القاسم المذكور: أنشدنا أبو سليمان لنفسه:
ما دمت حياً فدار الناس كلهم
…
فإنما أنت في دار المداراة
من يدر دارى، ومن لم يدر سوف يرى
…
عما قليل نديماً للندامات
قلت داري قوله هذا: مأخوذ من القول السائر في ألسنة الناس، متضمناً للجناس:" دارهم ما دمت في دارهم " قلت: وهذا الإطلاق الذي أطلقه وأجمله، أرى فيه تقييداً وتفصيلاً، وقد خطر لي وقت وقوفي على هذين البيتين معارضتهما ببيتين، فقلت:
إن كنت بالناس مشغولاً فدارهم
…
أو كنت بالله ذا شغل وهمات
فلا تعلق سوى بالله ذائقة
…
إن المهيمن كافيك المهمات
وفيها توفي الحاتمي محمد بن الحسن بن المظفر الكاتب اللغوي البغدادي، أحد الأعلام المشاهير المطلعين المكثرين. أخذ الأدب عن أبي عمرو الزاهد المعروف بالمطرز غلام ثعلب. روى عنه وعن غيره أيضاً، وأخذ عنه جماعة من النبلاء، منهم القاضي أبو قاسم التنوخي، وله الرسالة الحاتمية التي شرح فيها ما جرى بينه وبين المتنبي من إظهار سرقاته وإبانة عيوب شعره، ولقد دلت رسالته على غزارة مادته وتوقر إطلاعه، وسماها
الموضحة، وهي كثيرة في اثنتي عشرة كراسة، شهدت لصاحبها بالفضل الباهر، مع سرعة الاستحضار، وإقامة الشاهد، وله " كتاب حلية المحاضرة " يدخل في مجلدين و " الحاتمي " نسبة إلى بعض أجداد له اسمه حاتم.
حكى في أول رسالته المذكورة السبب الحامل له على إنشائها، فقال: لما ورد أحمد بن الحسين المتنبي مدينه السلام منصرفاً عن مصر ومتعرضاً للوزير أبي محمد المهلبي بالتخيم عليه، والمقام لديه، التحف رداء الكبر، وأرسل ذيول التيه، ونأى بجانبه استكباراً وثنى عطفه وازدراءاً. وكان لا يلاقي أحداً إلا أعرض عنه بها، وزخرف عليه القول تمويهاً، تخيل عجباً إليه أن الأدب مقصور عليه، وأن الشعر بحر لم يرد به غيره، وروض لم ير نواره سواه، فهو يجني جناه، ويقطف قطوفه دون من تعاطاه، وكل مجرى في الخلاء يستر، ولكل نبأ مستقر، فغير جار على هذه الوتيرة مديدة، أحرز به رسن البغي فيها، فظل يموج في تيهه حتى إذ تخيل لأنه السابق الذي لا يجارى في مضمار، ولا يساوى عذاره بعذار، وأنه رب الكلام ومفضض عذارى الألفاظ، ومالك رق الفصاحة. نثراً ونظماً، وقريع دهره الذي لا يقارع فضلاً وعلماً، وثقلت وطأته على كثير ممن وسم نفسه بميسم الأدب، وأنيط من مائه أعذب مشرب، فطأطأ بعض رأسه، وخفض بعض جناحيه، وظاهر من أعلى التسليم له طرفة. وساء معز الدولة أحمد بن بويه، وقد صورت حاله أن يرد حضرته - وهي دار الخلافة ومستقر العز، بيضة الملك - رجل صدر عن حضرته سيف الدولة ابن حمدان، وكان عدواً مبايناً لمعز الدولة، فلا يلقى أحداً بمملكته يساويه في صناعته، وهو ذو النفس الأبية والعزيمة الكسروية، والهمة التي لو هممت بالدهر لما قصرته بالإحراز صروفه، ولا دارت عليهم دوائره وحنوقه، وتخيل الوزير المهلبي رجماً بالغيب أن أحداً لا يستطيع مساجلته، ولا يرى نفسه كفوءاً له، ولا يصلح بأعيانه فضلاً عن التعلق بشيء من معانيه، ولم يكن هناك مزية يتميز أبو الطيب بها تميز الهجين الجذع من أبناء الأدب، فضلاً عن العتيق القارح إلا الشعر، ولعمري إن افتاته كانت فيه ريطبة ومجانبة عذبة له منيعاً عواره، معلماً أظفاره، ومذيعاً أسراره، وناشراً مطاويه، ومنقذاً من نظمه ما تسمح فيه، ومتوخياً أن يجمعنا دار يشار إلى ربها، فأجري أنا وهو في مضمار، ويعرف فيه السابق من المسبوق، واللاحق من المقصر عن اللحوق، وكنت إذ ذاك ذا سحاب مدرار، وزند في كل فضيلة ودار، وفظيع يناسب صفو العقار، إذا وصبت بالحباب ووسبت به سرائر الأكواب، والخيل تجري يوم الرهان بإقبال أربابها لا بعروقها ونصابها، ولكل امرىء حظ من مواتاة زمانه،
يقضى في ظله أرب، وبذلك مطلب، ويتوسع مراد ومذهب، حتى إذا عدت عن اجتماعنا عواراً من الأنام قصدت مستقره، وتحتي بغلة سفوا تنظر عن عيني بارويتشوف بمثل قادمتي نسر، كأنني كوكب وقاد، من تحته عمامة، يقتادها زمام الجنوب، ومن بين يدي عدة من الغلمان الورقة مماليك وأحرار، يتهافتون تهافت فريد الدر عن أسلاكه، ولم أذكر هذا تبجحاً ولا تكبراً بل لأن أبا الطيب شاهد جميعه ولم يرعه روعته، ولا استنطفه زبرجه، ولا زادته تلك الحالة الجميلة التي ملأت طرفه وقلبه إلا عجباً بنفسه وإعراضاً عني بوجهه، فألفيت هناك فتية تأخذ عنه شيئاً من شعره، فحين أوذن بحضوري، واستؤذن عليه لدخولي، نهض عن مجلسه مسرعاً، ووارى شخصه مستخفياً، فأعجلته نازلاً عن البغلة - وهو يراني - ودخلت، فأعظمت الجماعة قدري، وأجلستني في مجلسه، وإذا تحته أحلاق عناقد الحب عليها الحوادث فهي رسوم دائرة، وأسلاك متناثرة، فلم يكن إلا ريثما جلست، فنهضت، ووفيته حق السلام، غير مشاح له في القيام، لأنه إنما اعتمد نهوضه عن الموضع لئلا ينهض إلي، والغرض في لقائه غير ذلك، وحين لقيته تمثلت بقول الشاعر:
وفي الممشى إليك علي عار
…
ولكن الهوى منع القرارا
فتمثل بقول الآخر:
يسقى رجال، ويسقى آخرون بهم
…
ويسعد الله أقواماً بأقوام
وليس رزق الفتى من فضل حليته
…
لكن جدود وأرزاق بأقسام
كذلك الصيد بحرمة الرامي المجيد وقد
…
يرمي فيحرزه من ليس بالرامي
وإذا به لابس سبعة أقبية، كل قباء منها لون، وكنا في وغرة القيظ وجمرة الصيف، وفي يوم تكاد ودائع الهامات تسيل فيه، فجلست مستوفزاً، وجلس محتقراً، وأعرض عني لاهياً، وأعرضت عنه ساهياً، أؤنب نفسي في قصده، وأستخف رأيها في تكفف ملاقاته بعز هيئته، ثانياً عطفه، لا يعيرني طرفه، وأقبل على تلك الرغفة التي بين يديه، وكل يومىء إليه، ويرجي بلحظه، ويشير إلى مكاني بيده، ويوقظه من سنته وجهله، ويأتي الازدراء نفاراً وعتواً واستكباراً، ثم أيان يثني جانبه إلي، ويقبل بعض الإقبال علي، فأقسمت بالوفاء والكرم فإنهما من محاسن القسم أنه لم يزد علي أن قال: ايش خبرك. فقلت: بخير، ولا ما جنيت على نفسي من قصدك، ووسمت به قدري من ميسم الذل بزيارتك، وتجشمت رأيي من السعي إلى مثلك، ممن لم تهذبه تجربة، ولا أدبته بصرة، ثم تحدرت عليه تحدر لسيل إلى قوارة الوادي، وقلت له: أبن لي مم تيهك وخيلاؤك وعجبك وكبرياؤك؟ وما الذي يوجب ما أنت عليه من الذهاب بنفسك. والرمي بهمتك إلى حيث يقصر عنه باعك، لا يطول اليك ذراعك؟ هل هاهنا نسب تنتسب إلى المحدثة، أو شرف علقت بأذياله، أو