الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذان البيتان يحسن استعارتهما لوصف الدنيا، وقيل أنهما لإبن المعتز وقيل: لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر معهما بيت ثالث وهو:
والله لا كلمتها ولو أنها
…
كالبحر أو كالشمس أو كالمكتفي
فأنشدها وزير المكتفي له فقال: لمن هي؟ قال: لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر. فأمر له بألف دينار، فوصل إليه فقال ابن الزنجي: ما أعجب هذه القصة، يعمل ابن السراج أبياتاً تكون سبباً لوصول الرزق لإبن طاهر.
سبع عشرة وثلاث مائة
فيها هجم مؤنس الخادم وأكثر الجيش على دار الخلافة، وأخرج المقتدر وأمه وخالته وحرمه إلى دار مؤنس، وأحضروا محمد بن المعتضد من الحبس وبايعوه، ولقبوه القاهر بالله، وقلدوا لابن مقلة وزارته، ووقع النهب في دار الخلافة ببغداد، وأشهد المقتدر على نفسه بالخلع، وجلس القاهر من الغد، وصار " نازوك " حاجبه، فجاءت إلى ودخلوا، وطلبوا رزق البيعة ورزق سنة، وعظم الصياح، ثم وثب جماعة على نازوك فقتلوه، وقتلوا خادمه، ثم صاحوا فالمقتدر يا منصورة فهرب الوزير والحجاب والقاهر وساروا ووصلوا إلى مؤنس ليرد المقتدر، وسدت المسالك على القاهر وأبي الهيجاء، ثم جاشت نفسه فقال: يا آل ثعلب، فرمي بسهم فيما بين ثدييه وأخرى في نحره ثم جز رأسه وأحضروا المقتدر، وألقي بين يديه الرأس، ثم أسر القاهر، وأتي به إلى المقتدر، فاستدناه وقبل جبينه وقال: أنت لا ذنب لك يا أخي وهو يقول الله الله يا أمير المؤمنين في نفسي فقال: والله لا ينالك مني سوء، فطيف برأس نازوك، ورأس أبي الهيجا، ثم أتى مؤنس والقضاة، وجددوا البيعة للمقتدر، فبذل في الجند أموالاً عظيمة، وباع في بعضها ضياعاً وأمتعة، وماتت القهرمانة التي كانت تجلس للناس بدار العدل.
وحج بالناس منصور الديلمي فدخلوا مكة سالمين، فوافاهم يوم التروية عدو الله تعالى أبو طاهر القرمطي، فقتل الحاج قتلاً ذريعاً في المسجد وفي فجاج مكة، وقتل أمير مكة ابن محارب، وقلع باب الكعبة، واقتلع الحجر الأسود، فأخذه إلى " هجر " ولم يرد إلا في سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة كما سيأتي، وكان معه تسعمائة أنفس، فقتلوا في المسجد ألفاً وسبعمائة نسمة، وقيل ثلاثة عشر ألفاً، وصعد على باب البيت وصاح:
أنا بالله وبالله أنا
…
أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا
وقيل: إن الذين قتلوا بفجاج مكة، فظاهرها ثلاثون ألفاً، وسبي من النساء والصبيان نحو ذلك. وأقام بمكة ستة أيام ولم يحج أحد.
وقال محمود الأصبهاني: دخل القرمطي وهو سكران، فصفر لفرسه، فبال عند البيت. وقتل جماعة،. ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس، فكسر منه، ثم قلعه وبقي الحجر الأسود بهجر نيفاً وعشرين سنة. ولما قلع الحجر الأسود قال شعراً يدل على عظيم زندقته حيث يقول:
فلو كان هذا البيت لله ربنا
…
لصب عليا النار من فوقنا صباً
لأنا حججنا جاهلية
…
محللة لم تبق شرقاً ولا غرباً
وإنا تركنا بين زمزم والصفا
…
جبابر لا نبقي سوى ربها رباً
وشعر هذا الزنديق مشهور في التواريخ، قلت: وقد أوضحت في كتاب المرهم ظهور هؤلاء القرامطة الزنادقة في أي السنين، وفي أي البلاد، ومدة ظهورهم، وإمامهم ودعاته.
وكانت فتنتهم قد عمت كثيراً من الآفاق منها اليمن والشام والعراق، وكان من دعاتهم في اليمن الشيطان الزنديق علي بن فضل، ما زال يدعو إلى مذهبهم سراً مظهراً مذهب الرفض، وفي قلبه الكفر المحض، ويزعم أنه يدعو إلى مذهب أهل البيت وحبهم، إلى أن أفسد خلقاً كثيراً، وملك حصون اليمن شيئاً فشيئاً، ثم ملك مدنها منها عدن وزبيد وصنعاء. فطرد الناصر بن الهادي إمام الزيدية من " صعده "، واستولى على جبال اليمن وتهامة، وقتل خلائق لا يحصون من أهلها، فلما تمهد له الملك، وتمكن في الأرض، أظهر الزندقة والكفر المحض، وأمر جواريه أن يغنين بالدفوف على منبر الجند بشعره الذي تزندق فيه وألحد، وأنكر دين الإسلام وجحد وهو:
خذ الدف يا هذه واضربي
…
وغني هزاريك ثم اطربي
توفي نبي بني هاشم
…
وهذا نبي بني يعرب
فقد حط عنا فروض الصلا
…
ة وحط الزكاة ولم يتعب
إذا الناس صلوا فلا تنهضي
…
وإن صوموا فكلي واشربي
ولا تطلبي السعي عند الصفا
…
ولا زورة القبر في يثرب
وشعر طويل وكله في إباحة محارم الله تعالى والتحليل، وجحد الفروض التي جاء بها محكم التنزيل، محرضاً اللعين على نبذ دين الإسلام والتضليل ثم قتل اللعين الشيطان
الرجيم، وذهب لا رده الله إلا إلى النار الجحيم، قتله بعض قبائل اليمن:
وكان ظهوره في الإبتداء في جبل " مسور " بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وفي آخره راء جبل في حراز في بلاد اليمن مشهور، وحواليه الإسماعيلية الآن متمسكون بمذهب الضلال والغرور، ويشعلون نار الحرب والشرور، ويشتغلون للقرامطة في البلدان ذكره يطول، ولم يزالوا متظاهرين بمذهب الزندقة والضلال، إلى أن ذهب مذهبهم الخبيث وزال، وبقيت الإسماعيلية الباطنية بإعتقاد مذهبهم الخبيث، يتظاهرون عندنا بالتمسك بأحكام الشرع، وعلى تعطيلها في الباطن واستباحة ما حرم الله تعالى يصرون. وكان ظهور مذهب القرامطة إحدى فتنتين عظيمتين في اليمن.
والفتنة الثانية: أن الشريف الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، لما قام في " صعدة " ومخاليف صنعاء دعا الناس إلى التشيع عند استقراره في صنعاء، وهذه الفتنة أهون من الأولى، وكل أهل اليمن صنفان: إما مفتون بهم، وإما مخالف لهم متمسك بأحكام الشريعة.
وفي السنة المذكورة قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين شيخ الحنفية ببغداد، وقد ناظره مرة داود الظاهري، فقطع داود، ولكنه معتزلي الإعتقاد.
وفيها توفي الحافظ الشهيد أبو الفضل محمد بن أبي الحسين الهروي، قتل بباب الكعبة.
وفيها توفي المنجم المشهور الحاسب صاحب الزيج والأعمال العجيبة والأرصاد المتقنة محمد بن جابر الرقي البتاني " بفتح الموحدة وتشديد المثناة من فوق، وقيل ياء النسبة نون "، وأحد عصره في وقته. توفي في موضع يقال له الحضر، " بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وبعدها راء "، وهي مدينة بالقرب من الموصل، وكان صاحبها الساطرون " بالسين والطاء والراء المهملات "، فحاصرها أزدشير أول ملوك الفرس، وأخذ البلد وقتله، وقيل إن الذي قتله سابور " بالسين المهملة والباء الموحدة " ذو الأكتاف، وهو الذي ذكره ابن هشام في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: والأول أصح، وكان إقامة أزدشير على حصاره أربع سنين، ولم يقدر حتى فتحت له ابنة الملك
الساطرون، " بكسر الطاء " وسبب ذلك أنها كانت عادتهم إذا حاضت المرأة أنزلوها إلى الربض وحاضت ابنة الملك المذكور، وكانت في غاية الجمال، فأنزلوها إلى الربض، فأشرفت ذات يوم فأبصرت أزدشير من أجمل الرجال، فهوته، وأرسلت إليه أن يتزوجها وتفتح له الحصن، واشترطت عليه. فألزم لها ما طلبت، ثم اختلفوا في السبب الذي دلته عليه حتى فتح الحصن، فالذي قاله الطبري أنها دلته على طلسم في الحصن، وكان في علمهم أنه لا يفتح حتى تؤخذ حمامة زرقاء، ثم يرسل الحمامة فتنزل على سور الحصن، فيقع الطلسم، فيفتح الحصن، ففعل أزدشير ذلك، واستباح الحصن حينئذ، وخربه وأباد أهله. وسار ببنت الملك، وتزوجها. فبينا هي نائمة على فراشها ليلاً إذ جعلت تتململ لا يأخذها النوم، فقال لها زوجها: أراك لا تنامين؟ قالت: ما نمت على فراش أحسن من هذا الفراش، وأنا أحس شيئاً يؤذيني. فأمر بالفراش فأبدل، فلم تنم أيضاً حتى أصبحت وهي تشتكي جنبها، فنظر إليها فإذا ورقة آس قد لصقت ببعض عكتها، وقد عذبتها، فعجب من ذلك وقال: أهذا الذي أسهرك. قالت: نعم، قال: فما كان أبوك يصنع لك. قالت: كان يفرش لي الديباج، ويلبسني الحرير، ويطعمني المخ والزبد والشهد من أبكار النحل، ويسقيني الخمر الصافي. قال: فكان جزاء أبيك ما صنعت به؟ أنت إلي بذلك أسرع. ثم أمر بها فشدت دوائبها إلى فرسين جامحين، ثم أرسلا فقطعاها. قال بعض المؤرخين: وإنما ذكرت هذه الحكاية لكونها غريبة.
وفيها توفي مضر بن أحمد الخبزارزي. كان أمياً، وكان يخبز خبز الأرز وينشد الأشعار المقصودة على الغزل، والناس يزدحمون عليه، ويتطرفون باستماع شعره، ويتعجبون من حاله وأمره، وذكره جماعة من كبار المؤرخين، وأوردوا له عدة مقاطع من شعره، فمن ذلك قوله:
خليلي هل أبصرتما أوسمعتما
…
بكرم من مولى يمشي إلى عبد
أتي زائراً من غير وعد وقال لي
…
أجلك عن تعليق قلبك بالوعد
فما زال نجم الوصل بيني وبينه
…
تدور بأفلاك السعادة والسعد
وحكى الخالد بأن الشاعر المشهور في كتاب الهدايا والتحف الخبزارزي المذكور، أهدى إلى والي البصرة فصاً وكتب معه:
أهديت ما لو أن أضعافه
…
مطرح عندك ما بانا
كمثل بلقيس التي لم يبن
…
إهداؤها عند سليمانا
هذا امتحان لك إن ترضه
…
بان لنا أنك ترضانا