الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إصلاح المنطق كتاب بلا خطبة، وأدب الكاتب خطبة بلا كتاب، لأن خطبته مطولة مودعة فوائد، وعددوا له أيضاً من التصانيف المفيدات غير كثير.
خمس وأربعين ومائتين
وفيها توفي محمد بن هشام بن عوف التميمي السعدي، كان ممدوحاً بالحفظ وحسن الرواية. قال مورج " بكسر الراء المشددة والجيم " أخذ مني كتاباً فحبسه ليلة، ثم جاء به، وحفظه بالحفظ وحسن الرواية. قال محمد بن هشام المذكور: لما قدمت مكة لزمت مجلس ابن عيينة فقال لي يوماً: لا أراك تخطىء بشيء مما تسمع؟. قلت: وكيف ذلك. قال: لا أراك تكتب؟ فقلت: إني أحفظه. فاستعاد مني مجالس، فأعدتها على الوجه.
قال: حدثنا الزهري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: يولد في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء قال: وضرب بيده على جنبي وقال: أراك صاحب سبعين أو قال: من أصحاب السبعين، وقيل لسعدي المذكور: مات الضعفاء في هذا الغد، وسلم الأقوياء فقال: أنا سمعت:
رأيت جلتها في الحدب باقية
…
ينقي الجواسي عنها حين يزدحم
لأن الرياح إذا ما أعصفت قصفت
…
عيدان نجد لم يعبأ بها السلم
وأنشد أيضاً:
وما يواسيك في ما ناب من حدث
…
إلا أخو ثقة فانظر بمن تثق
وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله الخبير أبو الفيض ثوبان، وقيل الفيض بن إبراهيم المصرفي المعروف بذي النون، أحد رجال الطريقة، كان لسان هذا الشأن، وأوحد وقته علماً وورعاً وحالاً وأدباً، وكان أبوه نوبياً، سئل عن سبب توبته فقال: خرجت من مصر إلى بعض القرى، فنمت في الطريق في بعض الصحارى، ففتحت عيني فإذا أنا بقنبرة؟ عمياء سقطت من وكرها، فانشقت الأرض، فخرج منها سكرجتان إحداهما ذهب، والأخرى فضة، وفي إحداهما سم، وفي الأخرى ماء، فجعلت تأكل من هذا، وتشرب من هذا، فقلت: حسبي قد تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلني، وكان قد سعوا به إلى المتوكل، فاستحضره من مصر، فلما دخل عليه وعظه، فبكى المتوكل، ورده مكرماً، وكان المتوكل إذا ذكر أهل الورع بين يديه يبكي ويقول: إذا ذكر أهل الورع حي هلا بذي النون.
ومن ورعه ما ذكروا أنه أهدي إليه طعام، وهو في سجن المتوكل، فأتاه رسول السجان فحمله إليه فامتنع من أكله، فقيل له في ذلك فقال: طعام أتاني على مائدة ظالم فلا آكله، أو كما قال، ويعني بمائدة الظالم كف السجان التي حملت الطعام إليه من باب السجن.
وقال إسحاق بن إبراهيم السرخسي: سمعت ذا النون يقول وفي يده الغل وفي رجله القيد، وهو يساق إلى المطبق، والناس يبكون حوله، وهو يقول: هذا من مواهب الله وعطاياه، وكل عذب حسن طيب، ثم أنشد:
لك من قلبي المكان المصون
…
كل يوم علي فيك يهون
لك عزم بأن أكون قتيلاً
…
فبك الصبر عنك ما لا يكون
ولما أخرج من السجن، وأدخل على المتوكل وعظه حتى بكى وخرج من عنده مكرماً. اجتمع إليه الصوفية في الجامع في بغداد، واستأذنوه في السماع، وحضر، القوال، وأنشد شعراً:
صغير هواك عذبني
…
فكيف به إذا احتنك
وأنت جمعت من قلبي
…
هوى قد كان مشتركاً
فتواجد ذو النون، وسقط فأنشج رأسه. وكان يقطر منه الدم، ولا يقع على الأرض، فقام شاب يتواجد، فقال ذو النون: الذي يراك حين تقوم، فقعد الشاب. قال بعض الشيوخ: كان ذو النون صاحب إشراف، والشاب صاحب إنصاف، يعني لما قيل منه، فقعد إذ لم يكن في قيامه كامل الصدق.
ومن كلام ذي النون: من علامة المحب لله متابعة حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسنته.
وسئل عن التوبة فقال: توبة العوام عن الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة. وله من الحكايات الغريبات والكرامات العجيبات ما يتعذر حصره، ولا يليق بهذا الكتاب.
وقد ذكرت شيئاً من ذلك في الكتب اللائقة ذكره بها، المحبوبة عند أهلها، ولكني أذكر من كراماته التي هي بفضله شاهدة ها هنا كرامة واحدة وهي ما ذكر خلائق من الصالحين، ورواه عنهم كثير من العلماء العاملين أن الشيخ الكبير المشهور أبا الفيض ذا النون المذكور كان مع بعض أصحابه في البراري في وقت القائلة، فقالوا: ما أحسن هذا