الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المكان لو كان فيه رطب، فقال رضي الله تعالى عنه: لعلكم تشهون الرطب، فقالوا: نعم، فقام إلى شجرة، وقال: أقسمت عليك بالذي خلقك، وابتدأك شجرة إلا ما نثرت علينا رطباً جنياً، فنثرت عليهم رطباً جنياً، فأكلوا ثم ناموا، فلما استيقظوا حركوا فنثرت عليهم شوكاً.
ست وأربعين ومائتين
فيها توفي موسى بن عبد الملك الأصفهاني صاحب ديوان الخراج. كان من جملة الرؤساء وفضلاء الكتاب، وله ديوان رسائل، وله شعر رقيق، وخدم جماعة من الخلفاء ومن شعره:
لما وردت الفارسية
…
جئت مجتمع الدقاق
وشممت من أرض الحجاز
…
نسيم أنفاس العراق
أيقنت لي ولمن أحب
…
بجمع شمل واتفاق
وضحكت من فرح اللقاء
…
كما بكيت من الفراق
ولهذه الأبيات حكاية مستظرفة ذكرها الحافظ أبو عبد الله الحميدي وغيره من مؤرخي المغاربة، وهي أن أبا علي الحسن بن الأسكري " بضم الهمزة والكاف وسكون السين المهملة بينهما وكسر الراء " المصري قال: كنت من جلساء الأمير تميم بن أبي تميم، فأرسل إلى بغداد، فاشترى له جارية رائقة فائقة الغناء، فلما وصلت إليه دعا جلساءه قال: وكنت فيهم، ثم مدت الستارة وأمرها بالغناء فغنت:
وبدا له بعدما اندمل الهوى
…
بريق تألق موهناً لمعانه
الأبيات المعروفة، وأحسنت الجارية الغناء، فطرب الأمير تميم ومن حضر، ثم غنت:
ستسليك عما فات دولة مفضل
…
أوأيله محمودة وأواخره
ثنى الله عطفيه وألف شخصه
…
على البر مذ شذت إليه الموازره
قال فطرب تميم ومن حضر طرباً شديداً، ثم غنت بيتاً من قصيدة محمد بن رزق الكاتب البغدادي.
أستودع الله في بغداد لي قمراً
…
بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
فاشتد طرب الأمير المذكور، وأفرط جداً ثم قال لها: تمني ما شئت، فقالت: أتمنى عافية الأمير وسلامته، فقال: لا والله، لا بد أن تتمني. فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما
أتمنى؟ فقال: نعم، فقالت: أتمنى أن أغني ببغداد قال: فامتقع لون تميم وتغير وجهه، وتكدر المجلس وقام، وقمنا، ثم أرسل إلي فرجعت فوجدته جالساً ينتظرني، فسلمت عليه، وقمت بين يديه فقال: ويحك، أرأيت ما امتحنا به؟. فقلت: نعم أيها الأمير. فقال: لا بد من الوفاء، ولا أثق في هذا بغيرك، فتأهب للسير معها إلى بغداد، فإذا غنت هناك فاصرفها، فقلت: سمعاً وطاعة، ثم قمت وتأهبت، وأمرها بالتأهب، وأصحبها جارية له سوداء، تعادلها وتخدمها، وأمر بناقة ومحمل، فأدخلت فيه، فسرنا إلى مكة مع القافلة، فقضينا حجنا، ثم دخلنا في خلنا في قافلة العراق وسرنا، فلما وردنا القادسية اتتني السوداء فقالت: تقول لك سيدتي أين نحن. فقلت لها: نزول بالقادسية. فأخبرتها فسمعت صوتها قد ارتفع بالغناء بالأبيات المذكورة، فتصايح الناس: أعيدي بالله، أعيدي بالله، فما سمع لها كلمة. ثم نزلنا " الياسرية " بالياء المثناة من تحت وكسر السين المهملة والراء وبعدها ياء النسبة. وبينها وبين بغداد خمسة أميال في بساتين متصلة ينزل الناس بها ثم يبكرون الدخول إلى بغداد، فلما كان وقت الصباح، إذا بالسوداء قد أتتني مذعورة فقلت: مالك. قالت: إن سيدتي ليست بحاضرة، فقلت: ويلك، وأين هي؟ فقالت: والله ما أدري. قال: فلم أحس لها أثراً بعد ذلك، ودخلت بغداد وقضيت حوائجي بها، ثم انصرفت إلى تميم فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه واغتم لها غماً شديداً، ثم ما زال ذاكراً لها. وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير العارف بالله الإمام أحمد بن أبي الحواري، ريحانة الشام. سمع أبا معاوية وطبقته، وكان من كبار المحدثين وأجلاء الصوفية العارفين، صحب الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبا سليمان الداراني رحمهما الله تعالى.
ومن كلامه رضي الله تعالى عنه: من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب، أخرج الله نور
اليقين والزهد من قلبه، ومن عمل بلا اتباع السنة، فعمله باطل وأفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته، على غير الموافقة، وقال: ما ابتلى الله بشيء أشد من القسوة والغفلة.
وكان سيد الطائفة أبو القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه يقول: أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام. وكانت زوجته رائفة الشامية تقول له: أحبك حب الإخوان لا حب الأزواج. وكانت تطعمه الطيب وتطيبه وتقول: اذهب بنشاطك إلى أزواجك، وتقول عند تقريب الطعام إليه: كل فما نضج إلا بالتسبيح، وتقول إذا قامت من الليل:
قام المحب إلى الموصل قومة
…
كاد الفؤاد من السرور يطير
وفيها توفي العباس بن عبد العظيم البصري الحافظ، أحد علماء السنة.