الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الغواني لو رأينك طاوياً
…
برد الشباب طوين عنك وصالا
وإذا دعونك عمهن فإنه
…
نسجت يزيدك عندهن خيالا
والقرطبي نسبة إلى قرطبة، وهي مدينة كبيرة من بلاد الأندلس، وهي دار مملكتها.
تسع وعشرين وثلاث مائة
فيها: استخلف المتقي لله، وتوفي الراضي بالله أبو إسحاق محمد. وقيل: أحمد المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي. وكانت أمه جارية رومية، وهو آخر خليفة له شعر مدون وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش، وآخر خليفة خطب يوم الجمعة إلى خلافة الحاكم العباسي، فإنه خطب أيضاً مرتين، وآخر خليفة جالس الندماء، ولكنه كان مقهوراً مع أمرته، وكان سمحاً كريماً محباً للعلماء والأدباء، سمع الحديث من البغوي وعمره إحدى وثلاثون سنة.
وفيها توفي يوسف بن يعقوب بن إسحاق التنوخي الأنباري الأزرق الكاتب، وله نيف وتسعون سنة. وأبو نصر محمد بن حمدويه المروزي.
ثلاثين وثلاث مائة
فيها حدث الغلاء المفرط والوباء ببغداد، وبلغ الكر مائتين وعشرة دنانير، أكلوا الجيف. وفيها وصلت الروم، فأغارت على أعمال حلب، وبدعوا، وسبوا عشرة آلاف نسمة. وفيها أقبل أبو الحسين علي بن محمد بن البريدي بالجيوش، فالتقاه المتقي وابن رائق إلى الموصل، واختفى وزيره أبو إسحاق القراريطي، ووقع النهب في بغداد، واشتد القحط حتى بلغ الكر ثلاثمائة وستة عشر ديناراً، وهذا شيء لم يعهد بالعراق. ثم عم البلاء بزيادة دجلة، فبلغت عشرين ذراعاً، فغرق الخلق.
وأما ناصر الدولة ابن حمدان فإنه جاءه محمد بن رائق، فوضع رجله في الركاب، إذ وثب به الفرس، فوقع فصاح ابن حمدان: لا يفوتنكم، فقتلوه، ثم دفن، وعفى قبر وجاء ابن حمدان إلى المتقي، فقلده المتقي مكان ابن رائق، ولقبه ناصر الدولة، ولقب
أخاه علياً سيف الدولة. وعاد وهما معه، وهرب البريدي من بغداد، وكان مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوماً، ثم نهب البريدي وعاد، فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن، ودام القتال يومين، وكان الهزيمة على ابن حمدان والأتراك، ثم كانت على البريدي، وقتل جماعة من أمراء الديلم، وأسر آخرون، وهرب البريدي إلى واسط بأسوأ حال، وساق وراءه سيف الدولة، ففر إلى البصرة.
وفي رجب من السنة المذكورة توفي الفقيه الكبير الإمام الشهير أبو بكر الصيرفي الشافعي، صاحب المصنفات في المذهب، وصاحب وجه فيه. كان من جلة الفقهاء، أخذ الفقه عن أبي العباس بن سريج، واشتهر بالحذق في النظرة والقياس وعلم الأصول، وله في أصول الفقه كتاب لم يسبق إليه. قال أبو بكر القفال: كان أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي، وهو أول من انتدب من أصحابنا للشروع في علم الشروط، وصنف فيه كتاباً، أحسن فيه كل إحسان. والصيرفي نسبة مشهورة لمن يصرف الدنانير والدراهم.
وفيها توفي الشيخ الكبير أبو يعقوب النهرجوري، شيخ الصوفية. صحب الجنيد وغيره، وجاور مكة، وكان من كبار العارفين رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الإمام الكبير القاضي أبو عبد الله المحاملي الشهير، الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي. عاش خمساً وتسعين سنة. قال أبو بكر الداؤدي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل.
وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله، محمد بن عبد الملك القرطبي. ألف كتاباً على سنن أبي داود، وكان بصيراً بمذهب مالك.
وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف الهروي، من أعيان الشافعية والراحلين في طلب الحديث، عاش مائة سنة.
وفيها توفي الزاهد العابد، صاحب المسجد المشهور بظاهر باب شرقي، يقال اسمه مفلح، وكان من الصوفية العارفين.
وفيها وقيل بعدها على ما حكاه ابن الهمداني في ذيل تاريخ الطبري توفي
ببغداد وقيل بل في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة الشيخ الإمام ناصر السنة، وناصح الأمه، إمام أئمة الحق، ومدحض حجج المبدعين المارقين، حامل راية منهج الحق ذي النور الساطع والبرهان القاطع، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سلام بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى، عبد الله بن قيس الأشعري الصحابي رضي الله عنه. قلت هذا، ذكر اسمه ونسبه، وذكر الإمام السمعاني الأشعري نسبه إلى أشعر، أحد أجداده، وهو ثبت بن داود بن يشجب. قال: وإنما قيل له أشعر لأن أمه ولدته والشعر على يديه. انتهى.
قلت: نسبته المعروفة المتفق عليها إلى أبي موسى الأشعري الصحابي، وهو من الأشاعر: قبيلة من اليمن، ونسلهم إلى الآن باق،، وهم عرب يسكنون قريباً من زبيد، مشهورون بالنسب المذكور.
وأما ذكر مناقبه، وما ورد في السنة من الأحاديث الدالة على شرف أصله وكبر مجلسه، وما أمره به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه، من النظر في سنته واتباعه لها ونصرته لمذهب الحق، وما شهد له به العلماء من الفضيلة والسيرة الجميلة، وما عرف به من العلم والعمل والعبادة والتقلل من الدنيا والزهادة، وعقوبة من أساء الظن به، واعتقد بطلان مذهبه وفساده، وبيان صحة إعتقاده وإعتداله وسداده، وما رئي له في المنام، مما يدل على أنه لمذهب الحق والهدى إمام، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباعه واتباع أصحابه للمسائل التي سأله في منامه، وما ورد عليه من الأمر بإقتدائهم في جوابه، وما مدحه به العلماء الأحبار من الفضائل بالنثر والأشعار، وغير ذلك مما لا يدخل تحت قيد الإنحصار، فإنه يحتاج في تدوين الجملة إلى تصانيف مفردة مستقلة كبار.
وقد صنف في ذلك كتاباً نفيساً الإمام الحافظ المحقق المسند الماهر، صاحب تاريخ الشام في ثمانين مجلداً، وأبو القاسم المعروف بابن عساكر صنفه في مجلد، وقد اختصرته في كتاب سميته " الشاش المعلم شاووش، كتاب المرهم المعلم بشرت المفاخر العلية في مناقب الأئمة الأشعرية "، ذكرت فيه نبذة من مناقبهم الجليلة، ومحاسنهم الجميلة، وسيرهم الحميدة، وعقائدهم السديدة التي وافقوا فيها عقيدة إمام الأئمة. أبي الحسن الأشعري المذكور، ناصر الحق البارع القامع للبدع المشكور. وحذفت ما ذكر ابن العساكر من الروايات والأسانيد في تآليفه وجمعه، رغباً في الإختصار، وهرباً من الملل في الإكثار، فجاء كتابي من كتابه قدر ربعه.
قلت: ومما يدل على جلالة قدره وإرتفاعه وكثرة مصنفاته، فقد روى الحافظ أبو القاسم بسنده أنها عدت تراجمهم، ففاقت على ثلاثمائة وثمانين مصنفاً، منها " كتاب الفضول " في الرد على المحدثين والخارجين عن الملة، كالفلاسفة والتابعين والدهريين وأهل التشبيه والقائلين بقدم الدهر، على اختلاف مقالاتهم وأنواع مذاهبهم، ورد فيه على البراهمة واليهود والنصارى والمجوس. وهو كتاب مشتمل على اثني عشر كتاباً.
وكذلك " كتاب الموجز " يشتمل على اثني عشر كتاباً، على حسب تنوع مقالات المخالفين من الخارجين عن الملة، كالفلاسفة والداخلين، ورد على سائر أنواع المبتدعين في كتبه، تعميماً وتخصيصاً.
ومما يدل على ذلك أيضاً خطبة كتابه الذي صنفه في تفسير القرآن والرد على من خالف البيان من أهل الإفك والبهتان. قال: أما بعد، فإن أهل الزيغ والبدع والتضليل تأولوا القرآن على رأيهم، وفسروه على أهوالهم تفسيراً، لم يزل الله تعالى به سلطاناً، ولا أوضح به برهاناً، ولا رووه عن رسول رب العالمين، ولا عن أهل بيته الطيبين، ولا عن السلف المتقدمين من الصحابة والتابعين، افتراء على الله، قد ضلوا وما كانوا مهتدين، ثم قال في أثناء كلامه: وشيوخهم الذين قلدوهم، فأضلوهم وما هدوهم. قال: ورأيت الجبائي قد ألف كتاباً في تفسير القرآن، أوله على خلاف ما أنزله الله عز وجل لغة أهل قرية المعروفة بجبا، وليس من أهل اللسان الذي نزل به القرآن، وما روى في كتابه حرفاً واحداً عن المفسرين. وإنما اعتمد على ما وسوس به صدره وشيطانه، ولولا أنه استغوى بكتابه كثيراً من العوام، واستنزل به عن الحق كثيراً من العظام، لم يكن للتشاغل به وجه.
ثم ذكر المواضع التي أخطأ فيها الجبائي في تفسيره، وبين ما أخطأ فيه من تأويله من القرآن بعون الله تعالى وتيسيره، وكل ذلك مما يدل على جلة وكثرة علمه، وظهور فضله، جزاه الله تعالى عن جهاده في دينه بلسانه الحسنى، وأحله بإحسانه في مستقر جنانه. المحل الأسنى. واسم كتابه الذي ألفه في تفسير القرآن " المتحفون ".
قال الإمام الماهر في الفقه: محمد بن موسى بن عمار، فيما روى عنه الثقات الأخيار والعلماء الأحبار. ذكر لي بعض أصحابنا أنه رأى من تفسيره المذكور طرفاً وكان بلغ فيه سورة الكهف وقد أنهى مائة كتاب، ولم يترك آية يتعلق بها يدعي، إلا بطل تعلقه بها، وجعلها حجة لأهل السنة، وبين المجمل، وشرح المشكل، أو قال: المستشكل. قال: ومن وقف على تآليفه رأى أن الله تعالى قد أمده بإمداد توفيقه، وأقامه لنصرة الحق والذب عن طريقه.
وكل من تعلق اليوم بمذهب السنة، وتفقه في معرفة أصول عن سائر المذاهب، نسب إلى أبي الحسن الأشعري، لكثرة تآليفه، وكثرة قراءة الناس لها، ولم يكن أول متكلم بلسان أهل السنة، إنما يجري على سنن غيره، وعلى نصرة مذهب معروف، فزاد المذهب حجة وبياناً، ولم يبتدع مقالة اخترعها، ولا مذهباً انفرد به.
ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه؟ ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله، وكان كثير الإتباع، إلا أنه زاد المذهب بياناً وبسطاً وحجة وشرحاً وألف كتابه الموطأ.
وأما ما أخذ عنه من الأسمعة والفتاوى، فنسب إليه لكثرة بسطه وكلامه فيه، وكذلك الإمام أبو الحسن الأشعري، لا فرق، فليس له في المذهب كثر من بسطه وشرحه وتأليفه في نصرته، فنجب في تلاميذه خلق كثير من المشرق. وكانت شوكة المعتزلة بالعراق شديدة، وأعظم ما كانت المحنة زمن المأمون والمعتصم، فتورع عن مجادلتهم أحمد بن حنبل، فموهوا بذلك على الملوك وقالوا: إنهم يعنون أهل السنة، يفرون من المناظرة لما يعلمون من ضعفهم على نصرة الباطل، وأنه لا حجة بأيديهم، وشنعوا بذلك عليهم، حتى امتحن في زمانهم أحمد بن حنبل وغيره، حتى أخذ الناس حينئذ بالقول بخلق القرآن، حتى ما كان تقبل شهادة شاهد، ولا يستقضي قاض، ولا يفتي مفت إلا يقول بخلق القرآن.
قال: وكان في ذلك الوقت جماعة من المتكلمين، كعبد العزيز المكي، والحارث المحاسبي، وعبد الله بن كلاب، وجماعة غيرهم، وكانوا أولي زهد، لم ير واحد منهم أن يطأ لأهل البدع بساطاً، ولا أن يداخلهم. وكانوا يردون عليهم، ويؤلفون الكتب في إدحاض حججهم، إلى أن أنشأ بعدهم، وعاصر بعضهم ابن أبي بشر الأشعري، يعني الشيخ أبا الحسن المذكور، فصنف في هذا العلم لأهل السنة التصانيف، وألف لهم التآليف، حتى أدحض الله تعالى حجج المعتزلة، وكسر شوكتهم. وكان يقصدهم بنفسه. ويناظرهم، فكلم في ذلك وقيل له: كيف تخالط أهل البدع، وتقصدهم بنفسك، وقد أمرت بهجرهم؟. فقال: هم أهل رئاسة، منهم الوالي والقاضي. ولرئاستهم لا ينزلون إلي، فإذا كانوا لا ينزلون إلى، ولا أسير أنا إليهم، فكيف يظهر الحق، ويعلمون أن للسنة ناصراً بالحجة؟.
قال: وكان أكثر مناظراته مع الجبائي المعتزلي، وله معه في الظهور عليه مجالس كثيرة، فلما كثرت تآليفه، ونصر مذهب أهل السنة وبسطه، تعلق بها أهل السنة من المالكية والشافعية وبعض الحنفية. فأهل السنة بالمشرق والمغرب بلسانه يتكلمون، وبحجته يحتجون.
وأما أتباعه، فقد ذكر الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في كتابه، من أعيانهم، قريباً من ثمانين إماماً، ثم أردفتهم من جلة الأئمة ما صار للمائة تماماً. فمن اقتدى به، وتبعه في الإعتقاد من المحققين النظار النقاد، ممن جمع بين العلم والدين، وأقام قواطع الحجج والبراهين، كالإمام أبي بكر الباقلاني، والأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني، والإمام ابن فورك، والشيخ الإمام أبي إسحاق الشيرازي، وأبي المعالي إمام الحرمين الجويني، والإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، والإمام فخر الدين الرازي، والإمام عز الدين بن عبد السلام، والشيخ الإمام محيي الدين النواوي، والإمام تقي الدين بن دقيق العبد، وغير هؤلاء العشرة من ذوي المناقب الشهيرة.
وكذلك جماعة من أكابر المشايخ الجلة العارفين السالكين الربانيين المربين، كالشيخ أبي عبد الله القرشي، والأستاذ أبي القاسم القشيري، والشيخ شهاب الدين السهروردي، والشيخ أبي الحسن الشاذلي، وغيرهم من منابع الأسرار ومطالع الأنوار. وكان حامل رأيه من ماله من المناقب، وناصر مذهبه دون المذاهب، الإمام المحقق الحبر البارع ذو البرهان القاطع، والعلم الواسع، البحر الطامي، القاضي أبو بكر الباقلاني. وهو الذي رجح غير واحد من العلماء، أنه هو الذي كان على رأس المائة الرابعة لاحتياج الناس في قمع المبتدعين إلى علم أصول الدين.
قالوا: وكان على رأس " المائة الأولى " من الذين أشار صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث: " إن الله يحدث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة، من يجدد لها أمر دينها "، عمر بن عبد العزيز، وعلى رأس " المائة الثانية " محمد بن إدريس الشافعي، وعلى رأس " المائة الثالثة " أبو الحسن الأشعري، وعلى رأس " المائة الرابعة " القاضي أبو بكر الباقلاني، وعلى رأس " المائة الخامسة " أبو حامد الغزالي. كل هؤلاء المذكورين نص عليهم الإمام الحافظ ابن عساكر وغيره من الأئمة، ونص على الأولين الإمام أحمد بن حنبل، ولم ينص على المائتين الأخريين، لأنه لم يدركها، وقد قيل أنه كان على رأس " المائة السادسة " فخر الدين الرازي، وعلى رأس " المائة السابعة " تقي الدين بن دقيق العبد. والله أعلم.
وكان الشيخ أبو الحسن المذكور شافعياً، يجلس في أيام الجمع في بدايته، في حلقة الفقيه الإمام أبي إسحاق المروزي الشافعي، في جامع المنصور.
قال الحافظ أبو نعيم: أخبرنا الأستاذ الإمام أبو منصور عبد القاهر البغدادي. وقال: سمعت عبد الله بن محمد بن طاهر الصوفي يقول: رأيت أبا الحسن الأشعري في مسجد البصرة، وقد أبهت المعتزلة في المناظرة، فقال له بعض الحاضرين: قد عرفنا تبحرك في
علم الأصول، وأريد أن أسألك عن مسألة في الفقه، قال: اسأل عما شئت، فقال له: ما تقول في الصلاة بغير الفاتحة: قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا عبد الجبار قال حدثنا سفيان، قال: حدثني الزهري عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ".
وحدثنا زكريا قال: حدثنا بندار قال: حدثني يحيى بن سعيد بن جعفر بن ميمون قال حدثني أبو عثمان عن أبي هريرة قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنادي بالمدينة أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. قال: فسكت القائل، ولم يقل شيئاً.
قال الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وفي هذه الحكاية دلالة ظاهرة على أن أبا الحسن كان يذهب مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه قال: كذلك ذكر أبو بكر بن فورك، يعني الإمام المشهور في كتاب طبقات المتكلمين، وذكر غيره عن أئمتنا وشيوخنا الماضين.
وروى الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر المذكور، بسنده إلى الإمام الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني قال: كنت في جنب الشيخ أبي الحسن الباهلي كقطرة في البحر وسمعت الشيخ أبا الحسن الباهلي يقول: كنت في جنب الشيخ أبي الحسن الأشعري كقطر في البحر.
قلت: يعني بالباهلي المذكور شيخه، وشيخ الإمام ابن فورك، وتلميذ الشيخ أبي الحسن الأشعري. كما روى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، بسنده إلى القاضي أبي بكر الباقلاني قال: كنت أنا والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني، والأستاذ ابن فورك معاً في درس الشيخ أبي الحسن الباهلي، تلميذ الشيخ أبي الحسن الأشعري، قال: وكان من شدة اشتغاله بالله تعالى مثل واله أو مجنون، وكان يدرس لنا في كل جمعة مرة واحده، وكان منا في حجاب، يرخي الستر بيننا وبينه كي لا نراه. انتهى. قلت: وإنما لم أترجم لهذا السب المذكور يعني أبا الحسن الباهلي لأني لم أقف على تاريخ موته.
وفيه مثل ما ذكر عنه في تدريسه في الجمعة مرة، سمعت من بعض أهل الخير والصلاح أنه كان يقيم في جبل " عدن " رجل مشتغل بالله تعالى، وله معرفة بالغة في النحو وكان ينزل إلى عدن يوماً في الجمعة، يشتغل الناس عليه في النحو.
والمشتغلون بالله والعلم على ثلاثة أقسام: منهم من لا يشتغل بالخلق بالكلية، لا بعلم ولا بعمل. ومنهم من يشتغل بالعلم وبالعمل معاً دائماً. ومنهم من يشتغل بهما أو بأحدهما في نادر من الأوقات كهذين السيدين المذكورين.
ومن القسم الأول: الفقيه الإمام أحد الأولياء الكرام العالي المقام، صاحب الكرامات العظام، الشيني سفيان اليمني الحضرمي، ترك الإشتغال لما قيل له: إذا أردتنا فاترك القولين والوجهين.
ومن القسم الثاني: الفقيهان الإمامان الكبيران السيدان الوليان الشهيران، صاحبا المقامات العلية والكرامات الرضية، والمناقب العديدة والمحاسن الحميدة، زين الزمن وبركة اليمن: أبو الذبيح إسماعيل بن محمد الحضرمي، وأبو العباس أحمد بن موسى المعروف بابن عجيل. رضي الله عنهما.
رجعنا إلى ما كنا نحن بصدده، قال إمام المحدثين عمدة المسندين الحافظ الكبير السيد الشهير، قدوة الأئمة أكابر أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله فكفى أبا الحسن فضلاً أن يشهد بفضله مثل هؤلاء الأئمة، وحسبه فخراً أن يثني عليه الأماثل من علماء الأمة، ولا يضر قدح من قدح فيه لقصور الفهم وعناءة الهمة، ولم يبرهن على ما يدعيه في حقه، إلا بنفس الدعوى ومجرد التهمة.
وقاد الإمام الحافظ الحبر المحقق الماهر، والبحر الخضم الطامي الزاخر، المشتمل على نفيس الدرر وعوالي الجواهر، الجامع بين المعقول والمنقول، والفروع والأصول. الصافي من سائر البدع، النقي أحمد بن الحسين، المكنى بأبي بكر البيهقي في أثناء رسالته:" الحسناء البالغة المرضية في مكاتبة العميد واستعطافه لنصرة الأشعرية ". ثم إنه أعز الله تعالى نصره صرف كلمته العالية إلى نصرة دين الله تعالى، وقمع أعداء الله عز وجل، بعدما تقرر للكافة حسن اعتقاده بتقرير خطباء أهل مملكته، على لعن من استوجب اللعن من أهل البدع ببدعته. فألقوا في سمعه ما فيه مساءة أهل السنة والجماعة كافة، ومصيبتهم عامة، من الحنفية والمالكية والشافعية، الذين لا يذهبون في التعطيل مذهب المعتزلة، ولا يسلكون في التشبيه طرق المجسمة من مشارق الأرض ومغاربها، ليتسلوه بالأسوة معهم في هذه المسماة، بما يسوءهم من اللعن والقمع في هذه الدولة المنصورة، يثبتها الله تعالى إن شاء، ونحن نرجوا عثوره عن قريب، على ما قصدوا وقوعه على ما أرادوا، ليستدرك بتوفيق الله عز وجل ما يدر منه فيما ألقي إليه، ويأمر بعزل من زور عليه، وقيح صورة الأئمة بين يدين، وكأنه خفي عليه أدام الله تعالى عزه حال شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى ورضوانه وما يرجع إليه من شرف الأصل وكبر المحل في العلم والفضل، وكثرة الأصحاب من الحنفية والمالكية والشافعية الذين رغبوا في علم الأصول، وأحبوا معرفة أوائل العقول. وفضائل الشيخ أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن حصرها في هذه الرسالة، لما في الإطالة من خشية الملالة.
قلت: فهذا ما اقتصرت على ذكره من رسالته المليحة البالغة في الذب والنصرة والنصيحة، وكذلك الرسالة الأخرى في ذلك، البالغة في البلاغة والملاحه والبيان والفصاحة، للإمام الأستاذ العارف بالله، السالك بحر العلوم، وعلم العلماء الأعلام شيخ الشيوخ، أدلاء الطريقة وجمال الشريعة والحقيقة، زين الإسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، قدس الله روحه، وبل ثراه بماء الرحمة، ونور ضريحه.
ومن جملة كلامه فيها قوله: ظهر ببلد نيسابور من قضايا التقدير، في مفتتح سنة خمس وأربعين وأربعمائة من الهجرة، ما دعا أهل الدين إلى شق طراز خيرهم، وكشف قناع سرهم، بل طلب الملة الحنيفية يشكو عليلها، ويبدي عويلها، وينصب أعرابي رحمة الله عليه على من يسمع شكواها، ويصغي ملائكة السماء حين تبدت شجواها، ذلك مما أحدث من لعن إمام اللين، وسراح في اليقين، ومحي السنة وقامع البدعة، وناصر الحق وناصح الخلق، الزكي الرضي أبي الحسن الأشعري، قدس الله روحه، وسقي بماء الرحمة ضريحه، وهو الذي ذب عن الدين بأوضح حجج، وسلك في قمع المبتدعة وسائر أنواع المبتدعة أبين نهج، واستبذل وسعه في التصفح عن الحق، وأورث المسلمين بعد وفاته. كتبه الشاهدة بالصدق.
قلت: وهذا ما اقتصرت على ما ذكره أيضاً من رسالة الأستاذ المذكور في الذب عن الشيخ أبي الحسن الإمام المشكور، ونصرة مذهبه الظاهر الزاهر بالشرف والعز المنصور الذي قلت في معالي شرفه المشهور:
له منهج من نوره الكون باهج
…
مضى لهدى الأشعرية مشعر
له بيض رايات العلى مع أئمة
…
عزيز بحمد الله ما زال ينصر
عقيدة حق قد ذهب بجمالها
…
عن السنة الغزاء، والحق يسفر
ومن كلام الأستاذ المذكور في الذب عن الإمام شيخ السنة الناصر، ما ذكر الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر قال: دفع إلي عبد الواحد بن عبد الأحد بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الصوفي النيسابوري بدمشق مكتوباً بخط جده الإمام أبي القاسم القشيري، وأنا أعرف الخط، فوجدت فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كان إماماً من أئمة أصحاب الحديث، مذهبه ومذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات وعلى طريقة أهل السنة، ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سيفاً مسلولاً، ومن طعن فيه أو قدح فيه أو لعنه أو سبه، فقد