المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تسع وثلاث مائة - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ٢

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌اثنتين ومائتين

- ‌ثلاث ومائتين

- ‌أربع ومائتين

- ‌خمس ومائتين

- ‌ست ومائتين

- ‌سبع ومائتين

- ‌ثمان ومائتين

- ‌تسع ومائتين

- ‌عشرة ومائتين

- ‌إحدى عشرة ومائتين

- ‌اثنتي عشرة ومائتين

- ‌ثلاث عشرة ومائتين

- ‌أربع عشرة ومائتين

- ‌خمس عشرة ومائتين

- ‌سبع عشرة ومائتين

- ‌ثمان عشرة ومائتين

- ‌تسع عشرة ومائتين

- ‌عشرين ومائتين

- ‌إحدى وعشرين ومائتين

- ‌اثنتين وعشرين ومائتين

- ‌ثلاث وعشرين ومائتين

- ‌أربع وعشرين ومائتين

- ‌خمس وعشرين ومائتين

- ‌ست وعشرين مائتين

- ‌سبع وعشرين ومائتين

- ‌ثمان وعشرين ومائتين

- ‌تسع وعشرين ومائتين

- ‌ثلاثين ومائتين

- ‌إحدى وثلاثين ومائتين

- ‌اثنتين وثلاثين ومائتين

- ‌ثلاث وثلاثين ومائتين

- ‌أربع وثلاثين ومائتين

- ‌خمس وثلاثين ومائتين

- ‌ست وثلاثين ومائتين

- ‌سبع وثلاثين ومائتين

- ‌ثمان وثلاثين ومائتين

- ‌تسع وثلاثين ومائتين

- ‌أربعين ومائتين

- ‌إحدى وأربعين ومائتين

- ‌اثنتين وأربعين ومائتين

- ‌ثلاث وأربعين ومائتين

- ‌أربع وأربعين ومائتين

- ‌خمس وأربعين ومائتين

- ‌ست وأربعين ومائتين

- ‌سبع وأربعين ومائتين

- ‌ثمان وأربعين ومائتين

- ‌تسع وأربعين ومائتين

- ‌خمسين ومائتين

- ‌إحدى وخمسين ومائتين

- ‌اثنتين خمسين ومائتين

- ‌ثلاث وخمسين ومائتين

- ‌أربع وخمسين ومائتين

- ‌خمس وخمسين ومائتين

- ‌ست وخمسين ومائتين

- ‌سبع وخمسين ومائتين

- ‌ثمان وخمسين ومائتين

- ‌تسع وخمسين ومائتين

- ‌ستين ومائتين

- ‌إحدى وستين ومائتين

- ‌اثنتين وستين ومائتين

- ‌ثلاث وستين ومائتين

- ‌أربع وستين ومائتين

- ‌خمس وستين ومائتين

- ‌ست وستين ومائتين

- ‌سبع وستين ومائتين

- ‌ثمان وستين ومائتين

- ‌تسع وستين ومائتين

- ‌سبعين ومائتين

- ‌إحدى وسبعين ومائتين

- ‌اثنتين وسبعين ومائتين

- ‌ثلاث وسبعين ومائتين

- ‌أربع وسبعين ومائتين

- ‌خمس وسبعين ومائتين

- ‌ست وسبعين ومائتين

- ‌سبع وسبعين ومائتين

- ‌ثمان وسبعين ومائتين

- ‌تسع وسبعين ومائتين

- ‌ثمانين ومائتين

- ‌إحدى وثمانين ومائتين

- ‌اثنتين وثمانين ومائتين

- ‌ثلاث وثمانين ومائتين

- ‌أربع وثمانين ومائتين

- ‌خمس وثمانين ومائتين

- ‌ست وثمانين ومائتين

- ‌سبع وثمانين ومائتين

- ‌ثمان وثمانين ومائتين

- ‌تسع وثمانين ومائتين

- ‌تسعين ومائتين

- ‌إحدى وتسعين ومائتين

- ‌اثنتين وتسعين ومائتين

- ‌ثلاث وتسعين ومائتين

- ‌أربع وتسعين ومائتين

- ‌خمس وتسعين ومائتين

- ‌ست وتسعين ومائتين

- ‌سبع وتسعين ومائتين

- ‌ثمان وتسعين ومائتين

- ‌تسع وتسعين ومائتين

- ‌ثلاث مائة

- ‌إحدى وثلاث مائة

- ‌أثنتين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وثلاث مائة

- ‌خمس وثلاث مائة

- ‌ست وثلاث مائة

- ‌سبع وثلاث مائة

- ‌ثمان وثلاث مائة

- ‌تسع وثلاث مائة

- ‌عشر وثلاث مائة

- ‌إحدى عشرة وثلاث مائة

- ‌اثنتي عشرة وثلاث مائة

- ‌ثلاث عشرة وثلاث مائة

- ‌أربع عشرة وثلاث مائة

- ‌خمس عشرة وثلاث مائة

- ‌ست عشرة وثلاث مائة

- ‌سبع عشرة وثلاث مائة

- ‌ثمان عشرة وثلاث مائة

- ‌تسع عشرة وثلاث مائة

- ‌عشرين وثلاث مائة

- ‌إحدى وعشرين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وعشرين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وعشرين وثلاث مائة

- ‌أربع وعشرين وثلاث مائة

- ‌خمس وعشرين وثلاث مائة

- ‌ست وعشرين وثلاث مائة

- ‌سبع وعشرين وثلاث مائة

- ‌ثمان وعشرين وثلاث مائة

- ‌تسع وعشرين وثلاث مائة

- ‌ثلاثين وثلاث مائة

- ‌إحدى وثلاثين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وثلاثين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وثلاثين وثلاث مائة

- ‌أربع وثلاثين وثلاث مائة

- ‌خمس وثلاثين وثلاث مائة

- ‌ست وثلاثين وثلاث مائة

- ‌سبع وثلاثين وثلاث مائة

- ‌ثمان وثلاثين وثلاث مائة

- ‌تسع وثلاثين وثلاث مائة

- ‌أربعين وثلاث مائة

- ‌إحدى وأربعين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وأربعين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وأربعين وثلاث مائة

- ‌أربع وأربعين وثلاث مائة

- ‌خمس وأربعين وثلاث مائة

- ‌ست وأربعين وثلاث مائة

- ‌سبع وأربعين وثلاث مائة

- ‌ثمان وأربعين وثلاث مائة

- ‌تسع وأربعين وثلاث مائة

- ‌خمسين وثلاث مائة

- ‌إحدى وخمسين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وخمس وثلاث مائة

- ‌ثلاث وخمسين وثلاث مائة

- ‌أربع وخمسين وثلاث مائة

- ‌خمس وخمسين وثلاث مائة

- ‌ست وخمسين وثلاث مائة

- ‌سبع وخمسين وثلاث مائة

- ‌ثمان وخمسين وثلاث مائة

- ‌تسع وخمسين وثلاثين ومائة

- ‌ستين وثلاث مائة

- ‌إحدى وستين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وستين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وستين وثلاث مائة

- ‌أربع وستين وثلاث مائة

- ‌خمس وستين وثلاث مائة

- ‌ست وستين وثلاثمائة

- ‌سبع وستين وثلاثمائة

- ‌ثمان وستين وثلاثمائة

- ‌تسع وستين وثلاثمائة

- ‌إحدى وسبعين وثلاثمائة

- ‌اثنتين وسبعين وثلاثمائة

- ‌ثلاث وسبعين وثلاثمائة

- ‌أربع وسبعين وثلاثمائة

- ‌خمس وسبعين وثلاثمائة

- ‌ست وسبعين وثلائمائة

- ‌سبع وسبعين وثلاثمائة

- ‌ثمان وسبعين وثلائمائة

- ‌تسع وسبعين وثلاثمائة

- ‌ثمانين وثلاثمائة

- ‌إحدى وثمانين وثلاثمائة

- ‌اثنتين وثمانين وثلاثمائة

- ‌ثلاث وثمانين وثلاثمائة

- ‌أربع وثمانين وثلاثمائة

- ‌خمس وثمانين وثلاثمائة

- ‌ست وثمانين وثلاثمائة

- ‌ثمان وثمانين وثلاثمائة

- ‌تسع وثمانين وثلاثمائة

- ‌تسعين وثلاثمائة

- ‌إحدى وتسعين وثلاثمائة

- ‌اثنتين وتسعين وثلاثمائة

- ‌ثلاث وتسعين وثلاثمائة

- ‌أربع وتسعين وثلاثمائة

- ‌خمس وتسعين وثلاثمائة

- ‌ست وتسعين وثلاثمائة

- ‌سبع وتسعين وثلاثمائة

- ‌ثمان وتسعين وثلاثمائة

- ‌تسع وتسعين وثلاثمائة

- ‌أربع مائة

الفصل: ‌تسع وثلاث مائة

القائد أبو الفتوح فضل بن صالح الذي تنسب إليه " منية؟ لا القائد " وهي بليدة من أعمال الجزيرة من الديار المصرية، وكانت هيبته عظيمة، وجوده وافراً. وأكثر الشعراء من مدائحه وكان له طيور سابقة، وللعزيز كذلك طيور سابقة، فسابقه يوماً ببعض طيوره بعض طيور العزيز، فسبق طائر الوزير، فعز ذلك على العزيز فقيل له: إنه قد اختار من كل شيء أجوده لنفسه وأعلاه، ولم يبق منه إلا أدناه حتى الحمام. وقصدوا بذلك الإغراء به حسداً منهم لعله يتغير عليه، فاتصل ذلك بالوزير، فكتب إلى العزيز:

قل لأمير المؤمنين الذي

له العلا والنسب الثاقب

طائرك السابق لكنه

جاء وفي خدمته حاجب

فأعجبه ذلك منه، وسرى عنه ما كان وجده عليه.

ذكر بعضهم أن هذين البيتين له، وذكر بعضهم أنهما لولي الدولة المعروف بابن خيران. ولما مرض عاده العزيز. وقال له: لو كنت تشترى اشتريتك بملكي، وفديتك بولدي، هل من حاجة توصي بها؟ فبكى وقبل يده وقال: أما فيما تحضني فأنت أرعى لحقي من أن أسترعيك إياه، وأرأف علي من أن أوصيك به، ولكني أنصح لك مما يتعلق بدولتك سالم الروم ما سالموك، واقنع من الحمداني بالدعوة والسكة، ولا تبق على مفرح بن دغفل إن عرضت لك فيه فرصة، ومات، فأمر العزيز أن يدفن في داره، وهي المعروفة بدار الوزارة بالقاهرة داخل باب النصر في قبة كان بناها، وصلى عليه العزيز وألحده بيده في قبره وانصرف حزيناً لفقده، وأمر بغلق الدواوين أياماً بعده. وكان إقطاعه من العزيز في كل سنة مائة ألف دينار، وذكر بعضهم أنه كفن خمسين ثوباً، ويقال أنه كفن وحنط بما مبلغه عشر آلاف دينار.

‌تسع وثلاث مائة

فيها أخذت الإسكندرية، واستردت إلى نواب الخليفة، ورجع العبيدي إلى المغرب.

وفيها قضية الحسين بن منصور الحلاج، وهو من أهل " البيضاء " بلدة بفارس ونشأ بواسط والعراق، وصحب سهل بن عبد الله، ثم صحب أبا الحسين النوري وأبا القاسم الجنيد وغيرهم، والناس مختلفون فيه، فمنهم من يبالغ في تعظيمه، ومنهم من يبالغ في

ص: 189

تكفيره، ومنهم من يتوقف فيه. والمحققون اعتذروا عنه، وأجابوا عما صدر عنه بتأويلات، ومنهم القطب أستاذ العارفين الأكابر الذي خضعت لقدمه رقاب كل ولي من باد وحاضر، الشيخ الشريف الحسيب النسيب محي الدين عبد القادر الجيلي، والشيخ الكبير العارف بالله الشهير إمام الطريقة ولسان الحقيقة الشيخ شهاب الدين السهروردي، والإمام رفيع المقام حجة الإسلام أبو حامد محمد الغزالي وغيرهم ممن يطول ذكرهم، بل يتعذر حصرهم.

وممن قال به وقبله وصحح حاله وجعله أحد المحققين ولم يخرجه عن أئمة الصوفية العارفين السالكين المرشدين الشيوخ الجلة العارفين بالله الأئمة، الشيخ أبو العباس بن عطا، والشيخ أبو القاسم النصر أبادي، والشيخ أبو عبد الله بن خفيف المذكور بالحسين بن منصور، عالم رباني.

فمن كلام الشيخ عبد القادر رحمه الله فيه مما روى الشيخ أبو القاسم عمر البزار بالإسناد في مناقبه قال: سمعت سيدي الشيخ محمد الدين عبد القادر الجيلي رضي الله تعالى عنه يقول: عثر الحسين الحلآج، فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده، ولو كنت في زمنه لأخذت بيده، وأنا لكل من عثر مركوبه من أصحابي ومريدي ومحبي إلى يوم القيامة آخذ: ومن كلامه فيه أيضاً قوله: فمن مناقبه المروية عنه: طار طائر عقل بعض العارفين عن وكره، سحره صورته، وعلا إلى السماء خارقاً صفوف الملائكة. كان بازياً من بزاة الملك، مخيط العينين بخيط وخلق الإنسان ضعيفا فلم يجد في السماء ما يحاول من الصيد، فلما لاحت له فريسة رأيت ربي زاد تحيره في قول مطلوبه:" أينما تولوا فثم وجه الله "" البقرة: 115، "، عادها بطاً إلى حظيرة خطة الأرض، طلب ما هو أعز من وجود النار في قعر البحار، تلفت بعين عقله فما شاهد سوى الآثار، فكر فلم يجد في الدارين مطلوباً سوى محبوبه، فطرب فقال بلسان شكر قلبه: أنا الحق، ترنم بلحن غير معهود من البشر، صغر في روضة الوجود صغراً لا يليق ببني آدم، لحن بصوته لحناً عرضه فخفقه، نودي في سره يا حلاج، اعتقدت أن قوتك بك؟ قال: لأن نيابته عن جميع العارفين حسب الواحد إفراد الواحد. قل يا محمد، أنت سلطان الحقيقة، أنت إنسان عين الوجود، على عتبة باب معرفتك تخضع أعناق العارفين، في حمى جلالتك توضع جباه الخلائق أجمعين.

ومن كلام الشيخ عبد القادر أيضاً في الحلاج مسطوراً عنده في مناقبه المروية بالأسانيد قال رضي الله تعالى عنه: طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة أنا الحق رأى روض الأبدية خالياً عن الحسيس والأنيس، صفر بغير لغة تعريضاً لخيفة، ظهر عليه عقاب الملك من مكمن أن الله لغني عن العالمين، أنشب في إهابه مخلاب كل نفس ذائقة الموت. قال له: شرع سليمان الزمان، لم تكلمت بغير لغتك، ثم ترنمت بلحن غير معهود من مثلك؟.

ص: 190

ادخل الآن إلى قفص وجودك، ارجع من طريق غيرة القدم إلى مضيق ذلة الحديث، قل بلسان اعترافك ليسمعك أرباب الدعاوى: حسب الواحد إفراد الواحد، مناط خفض الطريق، إقامة وظائف خدمة الشرع.

ومن كلام الشيخ شهاب الدين السهروردي ما روينا عنه في كتابه " عوارف المعارف " بإسنادنا العالي أنه قال: وما يحكى عن أبي يزيد رحمه الله قوله: سبحاني، حاشا أن يعتقد في أبي يزيد أنه يقول ذلك إلا على معنى الحكاية عن الله تعالى. قال: وهكذا ينبغي أن يعتقد في الحلآج رحمه الله قوله: أنا الحق.

وأما كلام الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي فقد ذكر في " كتاب مشكاة الأنوار "، فصلاً طويلاً في الإعتذار عن الألفاظ التي كانت تصدر عن الحلاج، مثل قوله: أنا الحق، وقوله: ما في الجبة إلا الله. وأمثال هذه الإطلاقات التي تنئو السمع عنها وعن ذكرها. قال ابن خلكان: وحملها كلها على محامل حسنة، وأولها قال: وقال هذا من فرط المحبة وشدة الوجد. قال: وجعل هذا مثل قول القائل:

أنا من أهوى، ومن أهوى أنا

نحن روحان قد حللنا بدنا

فإذا أبصرته أبصرتني

وإذا أبصرتني أبصرتنا

قلت: وهكذا اعتذر عنه وعن ما يصدر من الصوفية من الألفاظ الموهمة للحلول والإتحاد، في كتابه " المنقذ من الضلال ".

قلت: وأكثر المحققين حملوا على ما يقع منهم مخالفاً لظواهر الشرع من الأقوال على صدوره في حال سكرهم بواردات الأحوال. وإلى ذلك أشرت بالقصيدة المسماة بالدر المنضد في جيد الملاح، في بيان الإعتذار عن ما يصدر من المشايخ أرباب الأحوال الملاح.

وقتل الحلاج وما منه في ظاهر الشرع يستباح، وكونه شهيداً عند المشايخ لأن الغائب بالحال ما عليه جناح:

وبعض عن الأكوان فإن بعضهم

به جاوز الإسكار حداً فعربدا

فسل عليه الشرع سيفاً حمى به

حدوداً فرى الحلاج ماض محددا

فمات شهيداً عندكم من محقق

وكم عندهم يخرج من النهج ملحدا

ولكن فتى بسطام رفقاً بحاله

حمى عن عنايات عزيزاً ممجدا

ص: 191

أشرت في هذا إلى أن الحلاج ظفر به سلطان الشرع الظاهر، وأبو يزيد تحصن بدرع حال الذي هو عن سلاح تسلط السلطان ساتر.

قلت: وما أحسن ما أشار بعض أرباب الأحوال في وقوع الحلاج دون أبي يزيد حيث قال: الحلاج خرج من بحر الحقيقة إلى الساحل، وظفر به فأسر، وأقيم عليه الحد. وأما أبو يزيد فإنه لم يخرج من بحر الحقيقة والتحقيق، فلم يكن لهم إلى الظفر به طريق، هذا معنى كلامه والإشارة، وإن اختلف منا العبارة.

ومن كلام الشيخ العارف بالله تعالى السيد الجليل أبي الشموس أبي الغيث ابن جميل قدس الله روحه فيما نحن بصدده من السكر لمحبة الله تعالى والفناء عما سوى الله تعالى، لإشارة إلى من صدر منه مثل المقال في سكر وواردات الأحوال، قوله: هداك الله إلى شراب ماء عين، من حسا منها حسوة واحدة عدم عقله، فإن أكثر مما ذكرناه ادعى الربوبية، ودل على ضعفه لأن من كان قبلنا كان بهذا الوصف، لكن لباس ثوب العبودية لنا أكمل وأجمل، وذلك أقصى ما نروم ونطلب. فقد صرح في كلامه هذا بأن مثل هذا إنما يقع عمن سكر بالمشرب المذكور، وضعف عن احتمال تجلي الجمال والنور.

قلت: ومما يختشى من مثل هذا الضعف ما يروى عن غير واحد منهم أنهم كانوا يدافعون الأحوال الواردة عليهم، لئلا يقعوا في مثل هذا.

وكان بعضهم إذا ورد عليه الحال يدخل السوق، ويسمع كلام الناس، وما هو فيه من اللفظ. وبعضهم كان يأتي زوجته عن ذلك، وبعضهم كان يركب الفرس ويركض ويلهو به، وغير ذلك من اللهو في الأفعال التي تنافي الأحوال. رجعنا إلى ذكر الحلاج: قيل أنه سئل عن التصوف، وهو مصلوب فقال: هي نفسك إن لم تشغلها شغلتك. قلت: في لا بد لها من أن تشغل، فإن لم تشغلها بالطاعات ووظائف العبادات شغلتك بالخواطر المذمومات الموقعات في الهوى والآفات. ومن الشعر المنسوب إليه على اصطلاحهم:

سكوت ثم صمت ثم خرس

وعلم ثم وجد ثم رمس

فطين ثم نور ثم نار

وبرد ثم ظل ثم شمس

وحزن ثم سهل ثم قفر

ونهر ثم بحر ثم يبس

وسكر ثم صحو ثم شوق

وقرب ثم وصل ثم أنس

وقبض ثم بسط ثم محو

وفرق ثم جمع ثم طمس

وأخذ ثم رد ثم جذب

ووصف ثم كسف ثم لبس

عبارات لأقوام تساوت

لديهم هذه الدنيا وقلس

ص: 192

وأصوات وراء الباب لكن

عبارات الورى في القرب همس

وآخر ما يؤول إليه عبد

إذا بلغ المداحيض نفس

لأن الخلق خدام الأماني

وحق الحق في التحقيق قدس

ومما نظمه أيضاً على اصطلاحهم وإشاراتهم قوله:

لا كنت إن كنت أدري كيف كنت ولا

لا كنت إن كنت أدري كيف لم أكن

أرسلت تسأل عني كيف بت وما

لاقيت بعدك من هم ومن حزن

وقوله أيضاً:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له

إياك إياك أن تبتل بالماء

وقوله أيضاً في كتابه إلى أبي العباس بن عطاء:

كتبت ولم أكتب إليك وإنما

كتبت إلى نفسي بغير كتاب

وذاك لأن الروح لا فرق بينها

وبين محبيها بفصل خطاب

وكل كتاب صادر منك وارد

إليك فلا يحتاج رد جواب

وغير ذلك مما يجري هذا المجرى: ومن كلام الحلاج: المدبر وهو الخارج عن أسباب الدارين. وقال: من أسكرته أنوار التوحيد حجبت عن عبادة التجريد بل من أسكرته حقائق التجريد نطق عن حقائق التجريد. لأن السكران هو الذي ينطق لكل مكتوم، وقال بعضهم: لقيت الحلاج يوماً في حال رثة، فقلت له: كيف حالك؟. فأنشأ يقول:

لئن أمسيت في ثوب عديم

لقد بلي على حر كريم

فلا يحزنك أن أبصرت حالاً

يغيرني عن الحال القديم

فلي نفس ستتلف أو سترقى

لعمر الله في أمر جسيم

قال بعضهم: سمعت الحسين بن منصور وهو على الخشبة يقول:

طلبت المستقر بكل أرض

فلم أر لي بأرض مستقراً

أطعت مطامعي فاستعبدتني

فلو أتي قنعت لكنت حراً

قلت: وله كلام فائق، وشعر رائق، فيهما الكثير من الناس في مسألك المؤاخذة، مضائق، وإيراد كل ذلك في هذا المختصر غير لائق، وحاصل الأمر أنه أفتى كثر علماء عصره بإباحة دمه.

ص: 193

ويقال: أن العباس بن سريج كان إذا سئل عنه يقول: هذا رجل خفي عليه حاله، وما أقول فيه شيئاً. قلت: هكذا قيل مع ابن سريج، توفي قبل قتل الحلاج بثلاث سنين. ويحتمل أن يكون قال ذلك في حياته لما سئل عنه قبل أن يقتل بمدة طويلة.

وكذلك ما قيل أن الجنيد وابن داود الظاهري من جملة من أفتى بقتله لا يصح، لأن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين، قبل قتل الحلاج بإحدى عشرة سنة. ومحمد بن داود توفي قبل قصة الحلاج باثنتي عشرة سنة.

رجعنا إلى ذكر الحلاج. قالوا: وكان قد جرى منه كلام في مجلس حامد بن العباس وزير المقتدر بحضرة القاضي أبي عمر، فأفتى بحل دمه، وكتب خطه بذلك، وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء. وقال لهم الحلاج: ظهري حمى، ودمي حرام، وما يحل لك أن تناولوا علي بما يبيده، وأنا اعتقادي الإسلام، ومذهبي السنة وتفضيل الأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة، ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين، فالله الله في دمي. ولم يزل يردد هذا القول، وهم يكتبون خطوطهم، إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه. وانفضوا من المجلس، وحمل الحلاج إلى السجن. وكتب الوزير إلى المقتدر بخبره بما جرى في المجلس، وسير الفتوى، فعاد جواب المقتدر بأن القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله فليسلم إلى صاحب الشرطة، وليتقدم فليضربه ألف سوط، فإن مات وإلا اضربه ألف سوط أخرى، ثم يضرب عنقه، فسلمه الوزير إلى الشرطي، وقال له ما رسم به المقتدر، وقال له: إن لم يتلف بالضرب فبقطع يدى ثم رجله، ثم تجز رقبته، وتحرق جثته. وإن خدعك وقال لك: أنا أجري لك الفرات ودجلة ذهباً وفضة فلا تقبل ذلك منه، ولا ترفع العقبربة عنه، فتسلمه الشرطي ليلاً وأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من السنة المذكورة، فأخرجه إلى عند " باب الطاق "، وهو يتبختر في قيوده.

واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم، وضربه الجلاد ألف سوط، ولم يتأوه، بل قال للشرطي لما بلغ الستمائة: ادع لي عندك، فإن لك عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية. فقال له: قد قيل لي عنك أنك تقول هذا وكثر منه، وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل. ولما فرغ من ضربه قطع أطرافه الأربعة. ثم جز رأسه، ثم أحرقت جثته. ولما صار رماداً ألقاه في الدجلة، ونصب الرأس ببغداد على الجسر.

وقيل: أن أصحابه جعلوا يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوماً. واتفق أن دجلة زاد تلك السنة زيادة وافرة، فادعى أصحابه أن ذلك سبب إلقاء رماده فيها، وادعى بعض أصحابه

ص: 194