الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي الحافظ أبر بكر ابن السني الدينوري، صاحب كتاب عمل اليوم والليلة، رحل وكتب الكثير، وروى عن النسائي وأبي حنيفة وطبقتهما، وبينما هو يكتب، وضع القلم، ورفع يديه يدعو الله تعالى، فمات.
وفيها توفي المطيع لله الفضل بن المقتدر: جعفر بن المعتضد العباسي. والأمير جعفر بن علي بن أحمد بن حمدان الأندلسي، كان شيخاً كثير العطاء مؤثراً لأهل العلم، وفيه يقول الشاعر محمد بن هانىء الأندلسي:
المدنقان من البرية كلها
…
جسمي وطرف بابلي أجور
والمشرقات النيرات ثلاثة
…
الشمس والقمر المنير جعفر
قلت وقوله هذا استقي من منهل الشاعر، ويستدل بنجوم نظمه الزواهر في قوله:
هو في آفاق الأسهار سائر
…
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها
شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
خمس وستين وثلاث مائة
فيها توفي الشيخ الكبير إسماعيل بن نجيد الإمام النيسابوري، شيخ الصوفية بخراسان، أنفق أمواله على الزهاد والعلماء، وصحب الجنيد وأبا علي عثمان الحيري، وسمع إبراهيم بن محمد البوشنجي، وأبا مسلم الكجي وطبقتهما، وكان صاحب أحوال ومناقب.
وفيها توفي الحافظ أحد أركان الحديث أبو علي الماسرجسي، رحل إلى العراق ومصر والشام. قال الحاكم: هو سفينة عصره في كثير الكتاب، صنف المسند الكبير مذهباً معللاً، جمع حديث الزهري جمعاً لم يسبق إليه، وكان يحفظه مثل الماء. وصنف كتاباً على البخاري وآخر على مسلم.
وفيها توفي الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن محمد بن القطان الجرجاني، مصنف الكامل في الجرح.
وفيها توفي الحاكم أبو عبيد الله وفي ست وستين عند السمعاني، وفي ست وثلاثين عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي.
وفيها توفي الإمام النحرير الفاضل الشهير المعروف بالقفال الكبير، الشاشي، الفقيه الشافعي، إمام عصره بلا منازع، وفريد دهره بلا مدافع، صاحب المصنفات المفيدة والطريقة الحميدة. كان فقيهاً محدثاً أصولياً لغوياً شاعراً، لم يكن بما وراء النهر للشافعيين مثله في وقته، رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام والثغور، وأخذ الفقه عن ابن سريج، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء، وله كتاب في أصول الفقه، وله شرح الرسالة، وعنه انتشر مذهب الشافعي في بلاده روى عن أكابر من العلماء. منهم: الإمامان الكبيران محمد بن جرير الطبري، وإمام الأئمة محمد بن خزيمة وأقرانهما، وروى عنه جماعة من الكبار، منهم: الحاكم، وأبو عبد الله بن منذر، وأبو عبد الرحمن السلمي وغيرهم.
قلت وهذا القفال الشاشي المذكور، قد يثبه على بعض الناس بقفال وشاشي آخرين، وها أنا ذا أوضح ذلك أيضاً بالغاً مما أوضحت ذلك في نظيره في الثلاثة النحويين المسمين بالأخفش.
اعلم أنهم ثلاثة قفال شاشي: وهو هذا، وقد ذكرنا عن من أخذ ومن أخذ عنه، وهو والد القاسم صاحب كتاب " التقريب "، وقيل إنه صاحب " كتاب التقريب " لا ولده، وللشك في ذلك يقال: قال صاحب التقريب، وأبو حامد الغزالي قال في كتاب الرهن: لما ذكر صاحب التقريب قال: أبو القاسم، فغلطوه في ذلك وقالوا: صوابه القاسم، والتقريب المذكور قليل الوجود في أيدي الناس، وهناك تقريب آخر يكثر وجوده في أيدي الناس، وهو لسليم، وبه تخرج فقهاء خراسان. والشاشي بشينين معجمتين بينهما ألف نسبة إلى الشاش مدينة وراء النهر سيحون - خرج منها جماعة من العلماء.
وإذا علم أن القفال هو الشاشي، فاعلم أن هناك قفالاً آخر شاشي وشاشياً، غير قفال. وثلاثتهم يكنون بأبي بكر، ويشترك اثنان منهم في اسمهما دون اسم أبيهما، واثنان في اسم أبيهما. فالقفال غير الشاشي هو القفال المروزي، وهو عبد الله بن أحمد، وعنه أخذ القاضي حسين والشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين. وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في سنة سبع عشرة وأربع مائة.
والشاشي غير القفال هو فخر الإسلام محمد بن أحمد، مصنف المستظهري شيخ الشافعية في زمانه. تفقه على محمد بن بنان الكازروني، ثم لزم الشيخ أبا إسحاق وابن الصباغ ببغداد، وصنف وأفتى، وولي تدريس النظامية، ودفن عند الشيخ أبي إسحاق، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في سنة سبع وخمسمائة التي توفي فيها. فهذا الكلام فيهم قد أوضحته جداً حتى عن حد البيان تعدى. والقفال الشاشي المذكور في سنة خمس وستين وثلاثمائة، المذكور صاحب وجه في المذهب، وممن نبه على الخلاف في أن كتاب التقريب له أو لولده الإمام العجلي، وشرح مشكلات الوجيز والوسيط، ذكر ذلك في " كتاب التيمم ".
قلت: وإنما بسطت الكلام في هذا، وخرجت إلى الإسهاب الخارج عن مقصود الكتاب، لاحتمال أنه اتفق عليه من يحتاج إليه من الفقهاء. ونسأل الله تعالى التوفيق وسلوك الطريق الصواب.
وقال الحليمي: كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصره، وفي وفاته اختلاف.
وفيها توفي المعز لدين الله: أبو تميم معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بن المهدي العبيدي، صاحب المغرب والديار المصرية. ولما افتتح مولاه جوهر سجلماسة مع فاس، وسعه إلى البحر المحيط، وخطب له في بلاد المغرب، وبلغه موت كافور الاخشيذي صاحب مصر، جهز جوهر المذكور الجيوش والأموال، قيل خمسمائة ألف دينار، أنفقها على جميع قبائل المغرب حتى البربر، فأخذ الديار المصرية، وبنى مدينة القاهرة المغربية، وكان مستظهراً للتشيع، معظماً لحرمة الإسلام، حليماً كريماً، وقوراً حازماً سرياً، يرجع إلى إنصاف مجرى الأمور على أحسن أحكامها. ولما كان منتصف شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة، وصلت البشارة بفتح الديار المصرية، ودخول عساكره إليها، وانتظام الحال بمصر والشام والحجاز، وإقامة الدعوة له بهذه المواضع، فسر بذلك سروراً عظيماً، واستخلف على إفريقية، وخرج متوجهاً إلى ديار مصر بأموال جليلة المقدار، ورجاء عظيمة الأخطار، فدخل الإسكندرية لست بقين من شعبان من سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وركب فيها ودخل الحمام. وقدم عليه قاضي مصر أبو طاهر، وأعيان أهل البلاد، وسلموا عليه، وجلس لهم عند المنارة، وخاطبهم بخطاب طويل يخبرهم أنه لم يرد فيه بدخول مصر لزيادة مملكته وللمال، وإنما أراد إقامة الحج والجهاد، وأن يختم عمره بالأعمال الصالحة،