الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، محدث نيسابور، صنف المسند الكبير، وصنف على الصحيحين. ومع براعته في الحديث والعلل والرجال، لم يرحل من نيسابور.
وفيها توفي الحافظ الأديب المفسر أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري النيسابوري.
خمس وأربعين وثلاث مائة
فيها غلبت الروم على طرسوس، وقتلوا وسبوا وأحرقوا قراها.
وفيها توفي الفقيه الإمام شيخ الشافعية في عصره، أبو علي الحسن بن الحسين بن أبي هريرة الفقيه الشافعي. أخذ عن أبي العباس بن سريج، وأبي إسحاق المروزي. وشرح مختصر المزني، وعلق عنه الشرح أبو علي الطبري، وله مسائل في الفروع، ووجه في المذهب، درس ببغداد، وتخرج عليه خلق كثير، وانتهت إليه إمامة العراقين، وكان معظمتاً عند السلاطين والرعايا، إلى أن توفي في رجب من السنة المذكورة.
وفيها توفي الحافظ العلامة أبو الحسن القزويني القطان. سرد الصوم ثلاثين سنة، وكان يفطر على الخبز والملح، ورحل إلى العراق واليمن، وروى عن أبي حاتم الرازي وطبقته.
وفيها توفي الإمام اللغوي الزاهد صاحب ثعلب، أبو عمرو محمد بن عبد الواحد البغدادي المعروف بالمطرز. قيل: أنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه، وكان آية في الحفظ والذكاء. استدرك على كتاب الفصيح كتاب شيخه ثعلب جزءاً لطيفاً سماه " فايت الفصيح "، وشرحه أيضاً في جزء آخر، وله " كتاب اليواقيت "، و " كتاب النوادر " و " كتاب التفاحة "، و " كتاب فايت العين "، و " كتاب فايت الجمهرة "، و " كتاب تفسير أسماء الشعراء "، و " كتاب القبائل "، وكتب أخرى تنيف الجميع على عشرين كتاباً. وكان لسعة روايته وغزارة حفظه يكذبه أدباء زمانه في أكثر نقل اللغة، ويقولون: لو طار طائر لقال: حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي، ويذكر في معنى ذلك شيئاً. وأما روايته الحديث، فإن المحدثين يصدقونه ويوثقونه. وكان أكثر ما يمليه من التصانيف يلقنه بلسانه من غير صحيفة يراجعها، وكان يسأل عن شيء قد تواطأت الجماعة على وضعه، فيجيب عنه، ثم يترك
سنة، ويسأل عنه فيجيب بذلك الجواب بعينه.
ومما جرى له في ذلك أنهم سألوه: ما البيطرة عند العرب. فقال: كذا وكذا، فتضاحكوا سراً، وتركوه شهراً، ثم أمروا شخصاً سأله عن اللفظة بعينها فقال: أليس سألت عن هذه المسألة مدة كذا وكذا، وأجبت عنها بكذا وكذا؟ فتعجبوا من فطنته واستحضاره للمسألة والوقت.
وكان لمعز الدولة غلام اسمه خواجا، وكان المطرز المذكور قد بلغ من إملاء " كتاب اليواقيت " إلى ذكر الخبر، فقال: اكتبوا ياقوتة، وخواجا، " الخواج في أصل لغة العرب الجوع " ثم فرع على هذا باباً وأملاه، فعد الناس ذلك كذباً عظيماً، ثم تتبعوه في كتب اللغة، فوجدوا عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الخواج، الجوع.
وكان المطرز المذكور يؤدب ولد القاضي محمد بن يوسف، فأملا يوماً على الغلام مسائل في اللغة، وذكر غريبها، وختمها ببيتين من الشعر، وحضر ابن دريد وابن الأنباري، وابن مقسم عند القاضي المذكور، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا شيئاً، وأنكروا الشعر، فقال لهم القاضي: ما تقولون فيها؟ فقال ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن، ولست أقول شيئاً. وقال ابن مقسم مثل ذلك، واحتج باشتغاله بالقراءآت. وقال ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات المطرز لا أصل لشيء منها في اللغة. ثم انصرفوا، فبلغ المطرز ذلك، فاجتمع بالقاضي، وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عينهم، ففتح القاضي خزائنه، وأخرج له تلك الدواوين، فلم يزل المطرز يعمد إلى كل مسألة، ويخرج لها شاهداً من بعض تلك الدواوين، ويعرضه على القاضي، حتى استوفى جميعها، ثم قال: هذان البيتان أنشدناهما ثعلب بحضرة القاضي، وكتبهما القاضي بخطه على ظهر الكتاب الفلاني، فأحضر القاضي الكتاب، فوجد البيتين على ظهره بخطه، كما ذكر بلفظه.
وقال رئيس الرؤساء: وقد رأيت أشياء كثيرة مما أنكر عليه، ونسب فيه إلى الكذب، فوجدتها مدونة في كتب أهل اللغة، وخاصة في غريب أبي عيد، وقال عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي، لم يتكلم في علم اللغة أحد من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمرو الزاهد يعني المطرز وله " كتاب غريب الحديث " صنفه على مسند الإمام أحمد بن حنبل، وكان ابن برهان المذكور يستحسنه جداً، وله شعر رائق.
وفيها توفي الوزير محمد بن علي البغدادي الكاتب، وكان من الصلحاء واليه المنتهى في المعروف. قيل: إنه أعتق في عمره ألف رقبة، وأنفق في حجة حجها مائة ألف دينار، وبلغ ارتفاع مداخله بمصر من أملاكه في العام أربع مائة ألف دينار.