الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى أبي، وكان على مذهب مالك، فقالوا:. يا أبا محمد، إن محمداً ينقطع إلى هذا الرجل، ويتردد إليه الناس، إن هذا رغبة عن مذهب أصحابنا، فجعل أبي يلاطفهم ويقول: هو حدث، ويحب النظر في اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك، ويقول: لي في السر: يا بني، الزم هذا الرجل، فإنك لو جاوزت هذا البلد فتكلمت في مسائل، فقلت فيها: قال أشهب، لقيل لك من أشهب. قال: فلزمت الشافعي، فلما قدمت بغد، قلت في مسألة: قال أشهب عن مالك، فقال القاضي بحضرة جلسائه كالمنكر: ما أعرف أشهب قال: ابن خزيمة، ما رأيت أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين منه. وقال غيره: له مصنفات كثيرة.
تسع وستين ومائتين
توفي إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري صاحب ابن وهب وتوفي الأمير عيسى بن شيخ الذهلي، وكان قد ولي دمشق، فأظهر الخلاف، وأخذ الخزائن، وغلب على دمشق، فجاء عسكر المعتمد، فالتقاهم ابنه ووزيره، فهزموا، فقتل ابنه، وصلب وزيره، وهزم عيسى، ثم استولي على آمل وديار بكر مدة.
سبعين ومائتين
فيها التقى المسلمون وقائد الزنج الخبيث، واجتمع مع الموفق نحو ثلاث ألف مقاتل، فالتقى الخبيث إلى جبل، ثم تراجع هو وأصحابه إلى مدينتهم، فحاربهم المسلمون فانهزم الخبيث وأصحابه، وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون، ثم استقبل هو وفرسانه، وحملوا على الناس فأزالوهم، فحمل عليه الموفق والتحم القتال، فإذا بفارس قد أقبل ورأس الخبيث في يده، فلم يصدقه الموفق، فعرفه جماعة من الناس، فحينئذ ترتجل الموفق وابنه المعتضد والأمراء، فخروا سجداً لله، وكبروا، وسار الموفق فدخل بالرأس بغداد، وعملت القباب " بالموحدة أو قال القنان بالنون " وكان يوماً مشهوداً، وشرعوا يتراجعون الأمصار التي أخذها الخبيث. وكانت أيامه خمس عشرة سنة، قال بعض المؤرخين: قتل من المسلمين ألف ألف وخمس مائة ألف، وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف، وكان الخبيث خارجياً يسب عثمان وعلياً ومعاوية وعائشة، رضي الله تعالى عنهم، وقيل كان زنديقاً يتستر بمذهب الخوارج.
وفي السنة المذكورة توفي أمير الديار المصرية والشامية: أبو العباس أحمد بن طولون، وكان له أربعة عشر ألف مملوك، وكان كريماً جواداً شجاعاً مهيباً حازماً لبيباً، كان المعتز بالله قد ولاه مصر، ثم استولي على دمشق والشام أجمع وأنطاكية والثغور في مدة استعمال الموفق ابن المتوكل، وكان نائباً عن أخيه المعتمد على الله. وكان ابن طولون المذكور حسن السيرة ناقد البصيرة، يباشر الأمور بنفسه، ويعمر البلاد، ويتفقد أحوال الرعايا، ويصلح الفساد، ويحب أهل العلم ويحسن فيهم الإعتقاد. وكانت له مائدة يحضرها الخاص والعام في كل يوم من الأيام، وكان له في كل شهر ألف دينار للصدقة، فقال له وكيله: تأتيني المرأة وعليها الإزار وفي يدها خاتم الذهب، فتطلب مني فأعطيها، فقال، من مد يده إليه فاعطه، قال القضاعي: وكان طائش السيف، فأحصي من قتله صبراً ومن مات في سجنه، فكان عددهم ثمانية عشر ألفاً، وكان يحفظ القرآن الكريم، وكان كثير التلاوة حسن الصوت، وكان أبوه من مماليك المأمون. ملك أبو العباس المذكور الديار المصرية ست عشرة سنة، وبنى الجامع المنسوب إليه بين القاهرة ومصر في سنة تسع وخمسين ومائتين، على ما حكاه الفرغاني. وذكر القضاعي أنه شرع في عمارته في سنة أربع وستين، وفرغ منه في ستة وستين ومائتين، وأنفق على عمارته مائة ألف وعشرين ألف دينار، على ما حكاه بعضهم. وطولون بسكون الواوين وضم اللام بينهما والطاء المهملة وفي آخره نون وهو اسم تركي.
وفيها توفي أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي مولاهم المؤذن المصري، صاحب الإمام الشافعي، روى أكثر كتبه القائل في حقه الشافعي: الربيع راويتي. وقال: ما أخذ مني أحد ما أخذ مني الربيع. وكان يقول له: يا ربيع، لو أمكنني أن أطعمك العلم لأطعمتك. وحكى الخطيب في تاريخه قال الربيع بن سليمان المرادي: كنا جلوساً بين يدي الشافعي، أنا والبويطي والمزني، فنظر إلى البويطي وقال: ترون هذا، إنه لن يموت إلا في الحديدة، ثم نظر إلى المزني فقال: ترون هذا، أما أنه سيأتي عليه زمان لا يفسر شيئاً فيخبطه، ثم نظر إلي وقال: إنه ما في القوم أحد أنفع لي منه، ولوددت أني حسوته العلم.
وفي رواية أخرى أنه قال لإبن عبد الحكم: وأما أنت يا فلان، فسترجع إلى مذهب مالك، والربيع هذا آخر من روى عن الشافعي بمصر، توفي في عشرة المائة، وكان إماماً ثقة صاحب حلقة بمصر. قال ابن خلكان: رأيت بخط الحافظ عبد العظيم المنذري شعراً للربيع
المذكور وهو:
صبراً جميلاً ما أسرع الفرجا
…
من صدق الله في الأمور نجا
من خشي الله لم ير له أذى
…
ومن رجا الله كان حيث رجا
وفيها توفي أبو محمد الربيع بن سليمان الجيزي صاحب الإمام الشافعي، لكنه كان قليل الرواية عنه، وكان ثقة. روى عنه أبو داود والنسائي. وتوفي في ذي الحجة من السنة المذكورة بالجيزة، وقبره بها كذا قاله القضاعي.
وفيها توفي داود بن علي الفقيه، الإمام الأصبهاني الظاهري صاحب التصانيف، سمع القعنبي وسليمان بن حرب وطبقتهما، وتفقه على أبي ثور وابن راهوية وكان زاهداً وناسكاً متقللاً كثير الورع، وكان من كثر الناس تعصباً للإمام الشافعي، وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين، وكان صاحب مذهب مستقل بنفسه، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية. وكان ولده أبو بكر على مذهبه، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد، وقيل: كان يحضر مجلسه أربعمائة طيلسان أخضر، قال داود: حضر مجلسي يوماً أبو يعقوب البويطي، وكان من أهل البصرة، وعليه أخرقتان، فتصدر لنفسه من غير أن يجلسه أحد، وجلس إلي جانبي وقال: سل عما بدا لك؟. فكأني أغضبت منه فقلت له مستهزئاً: أسألك عن الحجامة، فبرك، ثم روى طريق " أفطر " الحاجم والمحجوم ومن أرسله ومن أسنده ومن وقفه، ومن ذهب إليه من الفقهاء. وروى اختلاف طريق احتجام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعطى الحجام أجره، ولو كان حراً، ما لم يعطه. وروى بطريق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم بقرن، وذكر الأحاديث الصحيحة في الحجامة، ثم ذكر الأحاديث المتوسطة. مثل: ما مررت بملأ من الملائكة، ومثل: شفاء أمتي في ثلاث، وذكر الأحاديث الضعيفة مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تحتجموا يوم كذا ولا ساعة كذا. ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان، وما ذكروه فيها، ثم ختم كلامه بأن قال: أول ما خرجت الحجامة من أصفهان. فقلت له: والله لا أحقرن بعدك أحداً أبداً. وكان داود من عقلاء الناس، قال أبو العباس ثعلب في حقه: كان عقل داود كثر من علمه. وتوفي في ذي القعدة، وقيل في شهر رمضان، وقال ولده أبو بكر: رأيت أبي في المنام فقلت: ما فعل الله بك. فقال: غفر لي وسامحني. فقلت: غفر لك، فبم سامحك. فقال: يا بني، الأمر عظيم، والويل كل الويل لمن لم يسامح.
وفيها توفي محمد بن إسحاق الصاغاني البغدادي الحافظ الحجة.