الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض الأمراء، فأقبل بجيوشه من واسط، ودخل بغداد، فكرمه الراضي ولقبه أمير الأمراء، وولاه الحضرة، وضعف عن قتاله ابن واثق. فاختفى.
وفيها توفي عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج الناسخ المصري.
وفيها توفي محمد بن القاسم المحاربي.
سبع وعشرين وثلاث مائة
فيها توفي الحافظ العالم عبد الرحمن ابن الحافظ الجامع، محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الرازي " بالراء " وقد قارب التسعين، وقال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، قال: وكان زاهداً يعد من الأبدال.
وفيها توفي محمد بن جعفر الخرائطي، مصنف مكارم الأخلاق ومساوئها، وغير ذلك.
وفيها توفي مبرمان النحوي، شرح سيبويه، وما أتمه، وهو محمد بن علي العسكري، أخذ من المبرد.
ثمان وعشرين وثلاث مائة
فيها التقى سيف الدولة ابن حمدان الدمشقي قاتله الله فهزمه.
وفيها توفي الإمام العلامة أبو سعيد الأصطخري، الحسن بن أحمد شيخ الشافعية بالعراق، روي عن سعدان بن نصر وطبقته، وصنف التصانيف، وعاش نيفاً وثملاثين سنة، وكان موصوفاً بالزهد والقناعة، وله وجه في المذهب، تولى حسبة بغداد، واستقضاه المقتدر على سجستان، فسار إليها، ونظر في مناكحاتهم، فوجد معظمها على غير إعتبار الولي، فأنكرها وأبطلها عن آخرها. وكان ورعاً، وهو من نظراء أبي العباس ابن سريج وأقران علي بن أبي هبيرة.
وفيها توفي الفقيه الواعظ، أحد الأئمة، أبو علي الثقفي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري، عاش أربعاً وثمانين سنة، سمع في كبره من موسى بن نصر الرازي وأحمد بن ملاعب وطبقتهما. وكان له جنازة لم يعهد مثلها، وهو من ذرية الحجاج. قال الفقيه أبو الوليد: دخلت على ابن سريج، وسألني عن من درست الفقه؟ قلت: على أبي علي الثقفي، قال: لعلك تعني الحجاجي الأزيرق؟. قلت: نعم، قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه،
وقال أبو بكر الضبعي: ما عرفنا الجدل والنظر حتى ورد علينا أبو علي الثقفي في العراق وذكره السلمي في طبقات الصوفية.
وفيها توفي أبو الحسن محمد بن أحمد بن شنبوذ المقرىء البغدادي، أحد الأئمة من مشاهير القراء وأعيانهم، وكان ديناً، وقيل كان فيه سلامة صدر وحمق منفرداً بقراءة الشواذ، وكان يقرأ بها في المحراب، فأنكر عليه ذلك، وبلع علمه أبا علي ابن مقلة الوزير فاستحضره واعتقله في داره أياماً، ثم استحضر القاضي أبا الحسين عمر بن محمد والمقرىء أبا بكر المعروف بابن مجاهد وجماعة من أهل القرآن، وأحضر ابن شبنوذ المذكور، ونواظر في حضرة الوزير، فأغلظ في الحديث للوزير وللقاضي وللمقرىء ابن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة وغيرهم، بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر واستشار القاضي أبا الحسين المذكور، فأمر الوزير ابن مقلة بضربه، فأقيم، وضرب سبع درر، فدعا وهو يضرب على الوزير ابن مقلة بأن يقطع الله تعالى يده، ويشتت شمله وكان الأمر كذلك، كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى. وأنكر ما كان ينكر عليه من الحروف التي كان يقرأ بها مما هو شنيع، وقال فيما سوى ذلك، فرابه قوم، فاستتابوه فقال: إنه رجع عما كان يقرأ، وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وكاتب علي الوزير محضراً بما قاله، وكتب بخطه ما يدل على توبته.
ومما حكي أنه كان يقرأ: فامضوا إلى ذكر الله، وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، وليكن منكم فئة يدعون إلى الخير وغير ذلك.
وفيها توفي الوزير أبو علي محمد بن علي بن الحسن بن مقلة الكاتب المشهور كان في أول أمره يتولى بعض أعمال فارس، ويجبي خراجها، وتنقلت أحواله إلى استوزره الإمام المقتدر، فخلع عليه، فبقي في الوزارة سنتين وشهرين، ثم نفاه إلى بلاد فارس بعد أن صادره، ثم استوزره الإمام القاهر بالله، فأرسل إليه إلى فارس رسولاً يجيء به، ورتب له نائباً، فوصل يوم الأضحى من سنة عشرين وثلاثمائة، ولم يزل وزيره إلى اتهمه بالمعاضده على الفتك به. وبلغ ابن مقلة الخبر فاستتر.
ولما ولي الراضي بالله سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فاستوزره أيضاً، وكان المظفر ياقوت مستحوذاً على أمور الراضي. وكان بينه وبين ابن مقلة وحشة وقرر ابن ياقوت الغلمان أنه إذا جاء قبضوا عليه، وأن الخليفة لا يخالفه في ذلك، وربما سره. فلما حصل
ابن مقلة في دهليز دار الخلافة وثب الغلمان عليه، ومعهم ابن ياقوت، وقبضوا عليه، وأسلموه إلى الراضي يعرفونه صورة الحال، وعدوا له ذنوباً وأسباباً تقتضي ذلك، فرد جوابهم وهو يستصوب ما فعلوا، واتفق رأيهم على توزير عبد الرحمن بن عيسى بن داود الجراح، وقلده الراضي الوزراة، وسلم إليه ابن مقلة، فضربه بالمقارع، وجرى عليه من المكاره بالتعليق وغيره من العقوبة شيء كثير، وأخذ خطه بألف ألف دينار، ثم خلص، وجلس بطالاً في دار.
ثم إن ابن رائق استولى على الخلافة، وخرج عن طاعتها، فاستماله الراضي، وفوض إليه تديير المملكة، وجعله أمير الأمراء، وأمر أن يخطب له على جميع المنابر، وقوي أمره، وعظم شأنه، وتصرف برأيه، وأحاط على أملاك ابن مقلة وضياعه وأملاك ولده أبي الحسن، فأخذ ابن مقلة في السعي بابن رائق، وكتب إلى الراضي يشير عليه بإمساكه، وضمن له متى فعل ذلك، وقلده الوزارة فاستخرج له ثلاثمائة ألف ألف دينار، وكانت مكاتبة على يد ابن هارون المنجم النديم، فأطمعه الراضي بالإجابة إلى ما سأل، فلما استوثق ابن مقلة من الراضي ركب من داره وقد بقي من رمضان ليلة واحدة، واختار هذا الطالع لأن القمر يكون تحت الشعاع، وهو يصلح للأمور المستورة فلما وصل إلى دار الخليفة لم يمكنه من الوصول إليه، ووجه إلى ابن رائق، وأخبره بما جرى، وأنه احتال على ابن مقلة حتى حصله في أسره، ثم أظهر الراضي أمر ابن مقلة، وأخرجه من الإعتقال، وحضر صاحب ابن رائق وجماعة من القواد، وتقابلا فالتمس ابن رائق قطع يده التي كتب به المطالعة، فقطعت يده اليمنى، ورد إلى مجلسه. ثم ندم الراضي على ذلك، وأمر الأطباء بمداواته، فداووه حتى برىء. وكان ذلك نتيجة دعاء ابن شنبوذ المقرىء بقطع يده كما تقدم.
وقال أبو الحسن ثابت بن سنان الطبيب: كنت إذا دخلت إليه في تلك الحال سألني عن أحوال ولده، فأعرفه استتاره وسلامته، فتطيب نفسه، ثم يتوجه على يده ويقول: كتبت بها القرآن الكريم مرتين، تقطع كما تقطع اللصوص. فأسليه وأقول: هذا انتهاء المكروه، فينشدني:
إذا ما مات بعضك قاتلاً بعضاً
…
فإن البعض من بعض قريب
ثم عاد وأرسل الراضي من بعد قطع يده، وأطمعه في المال، وطلب الوزارة وقال: إن قطع اليد ليس بعد قطع اليد، وليس مما يمنع الوزارة. وكان يشد القلم على ساعده ويكتب، ثم أمر بعض التمين إلى ابن رائق يقطع لسانه أيضاً، فقطع فأقام في الحبس مدة طويلة ولم يكن له من يخدمه، وكان يستسقي الماء لنفسه من البير، فيجذب بيده اليسري جذبة ونعمه الأخرى. وله أشعار في شرح حاله، من ذلك قوله:
ما سئمت الحياة لكن توثقت
…
بإيمانهم فزالت يميني
وليس بعد اليمين لذة عيش
…
يا حياتي بانت يميني فبيني
ومنه أيضاً:
لست ذا ذلة إذا عصى الدهر
…
ولا شامخاً إذا أو أتاني
ومن ذلك:
وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة
…
في شامخ من عزة المترفع
قالت له النفس العروف بقدرها
…
ما كان أولاني بهذا الموضع
ولم يزل على هذه الحالة إلى أن توفي في موضعه، ودفن في مكان، ثم نبش بعد زمان وسلم إلى أهله. وهو أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين إلى هذه الصورة، هو وأخوه على خلاف فيه، وله ألفاظ منقولة مستعملة، من ذلك قوله: إذا أحببت تهالكت، وإذا اتعظت أهلكت، فإذا رضيت أبدت، وإذا غضبت أبرت.
ومن كلامه: يعجبني من يقول الشعر تأدباً لا تكسباً، ويتعاطى الغناء تطرباً لا تطلباً قيل: وله كل معنى مليح في النظم والنثر. وكان ابن الرومي الشاعر يمدحه، فمن معاتبة المقولة فيه قوله:
أن يخدم القلم السيف الذي خضعت
…
له الرقاب ودانت خوفه الأمم
كذا قضى للأقلام مذ برئت
…
إن السيوف لها مذ أرهفت خدم
وكل صاحب سيف دائم أبداً
…
ما زال يتبع ما يجري به القلم
وكان أخوه الحسن بن علي بن مقلة كاتباً أديباً بارعاً، قيل: والصحيح أنه صاحب الخط، وفي عزل ابن مقلة من الوزارة، قال بعض الشعراء:
يقال العزل للأحرار حيض
…
نجاة الله من أمر بغيض
ولكن الوزير أبا علي
…
من اللائي يئسن من المحيض
وفيها توفي العلامة إمام اللغة صاحب المصنفات أبو بكر محمد ابن الأنباري النحوي اللغوي، عمر سبعاً وخمسين سنة، سمع في صغره من الكديمي بضم الكاف وإسماعيل القاضي، وأخذ عن أبيه وثعلب وطائفة.
قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن، وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأيت أحفظ من ابن الأنباري، ولا أغزر بحراً
منه. روي عنه أنه قال: أحفظ ثلاثه عشر صندوقاً.
قال: وحدث أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً للقرآن العظيم بأسانيدها. وقيل: إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة، وكان علامة وقته في الآداب وأكثر الناس حفظاً لهما. وكان صدوقاً ثقة ديناً خيراً، من أهل السنة. وصنف كتباً كثيرة في علوم القرآن وغريب الحديث والمشكل، وكان يملي في ناحية من المسجد، وأبوه في ناحية أخرى.
وفيها توفي الأستاذ أبو الحسن المزين، العارف بالله الولي الكبير، شيخ الصوفية، صحب الجنيد وسهل بن عبد الله، وجاور بمكة، وله مناقب كثيرة ومحاسن شهيرة، ومما حكي عنه أنه قال: كنت بمكة، فوقع لي إرادة السفر إلى المدينة، فلما بلغت بير ميمون، وجدت شاباً يجود بنفسه، فقلت له: قل لا إله إلا الله، ففتح عينيه، ونظر إلي وقال:
أنا إن مت فالهوى حشو قلبي
…
وبداء الهوى يموت الكرام
ثم خرجت روحه، فغسلته وكفنته، وصليت عليه ودفنته، فسكن ما كان في نفسي من خاطر السفر، فرجعت إلى مكة وكان بعد ذلك يوبخ نفسه ويقول: حجام يلقن أولياء الله الشهادة واشوقاه. وقوله: بير ميمون يعني أنها البير المسماة اليوم بالنوارية، والله أعلم بالصواب. وبعض الناس يسميها بير ميمونة، وهي قريبة من قبرها.
وفيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير: أبو محمد المرتعش، عبد الله بن محمد النيسابوري، أحد مشايخ العراق، صحب الجنيد وغيره، ومن كلامه: الإرادة حبس النفس عن مراداتها، والإقبال على أوامر الله تعالى، والرضوان بموارد القضاء، وقيل له: إن فلاناً يمشي على الماء فقال، عندي من مكنه الله تعالى من مخالفة الهوى، هو أعظم من المشي في الهواء، وكان يقال له: إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات الخزيمي.
وفيها توفي أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي صاحب " العقد "، الأموي مولاهم. كان رأس العلماء المكثرين، والإطلاع على أخبار الناس. حوى كتابه من كل شيء، وله ديوان شعر جيد، ومن شعره: