المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في العقليات، ويهتم بالجهاد، ويقيم للناس الصلاة. وفيها توفي أبو سعيد - مرآة الجنان وعبرة اليقظان - جـ ٢

[اليافعي]

فهرس الكتاب

- ‌اثنتين ومائتين

- ‌ثلاث ومائتين

- ‌أربع ومائتين

- ‌خمس ومائتين

- ‌ست ومائتين

- ‌سبع ومائتين

- ‌ثمان ومائتين

- ‌تسع ومائتين

- ‌عشرة ومائتين

- ‌إحدى عشرة ومائتين

- ‌اثنتي عشرة ومائتين

- ‌ثلاث عشرة ومائتين

- ‌أربع عشرة ومائتين

- ‌خمس عشرة ومائتين

- ‌سبع عشرة ومائتين

- ‌ثمان عشرة ومائتين

- ‌تسع عشرة ومائتين

- ‌عشرين ومائتين

- ‌إحدى وعشرين ومائتين

- ‌اثنتين وعشرين ومائتين

- ‌ثلاث وعشرين ومائتين

- ‌أربع وعشرين ومائتين

- ‌خمس وعشرين ومائتين

- ‌ست وعشرين مائتين

- ‌سبع وعشرين ومائتين

- ‌ثمان وعشرين ومائتين

- ‌تسع وعشرين ومائتين

- ‌ثلاثين ومائتين

- ‌إحدى وثلاثين ومائتين

- ‌اثنتين وثلاثين ومائتين

- ‌ثلاث وثلاثين ومائتين

- ‌أربع وثلاثين ومائتين

- ‌خمس وثلاثين ومائتين

- ‌ست وثلاثين ومائتين

- ‌سبع وثلاثين ومائتين

- ‌ثمان وثلاثين ومائتين

- ‌تسع وثلاثين ومائتين

- ‌أربعين ومائتين

- ‌إحدى وأربعين ومائتين

- ‌اثنتين وأربعين ومائتين

- ‌ثلاث وأربعين ومائتين

- ‌أربع وأربعين ومائتين

- ‌خمس وأربعين ومائتين

- ‌ست وأربعين ومائتين

- ‌سبع وأربعين ومائتين

- ‌ثمان وأربعين ومائتين

- ‌تسع وأربعين ومائتين

- ‌خمسين ومائتين

- ‌إحدى وخمسين ومائتين

- ‌اثنتين خمسين ومائتين

- ‌ثلاث وخمسين ومائتين

- ‌أربع وخمسين ومائتين

- ‌خمس وخمسين ومائتين

- ‌ست وخمسين ومائتين

- ‌سبع وخمسين ومائتين

- ‌ثمان وخمسين ومائتين

- ‌تسع وخمسين ومائتين

- ‌ستين ومائتين

- ‌إحدى وستين ومائتين

- ‌اثنتين وستين ومائتين

- ‌ثلاث وستين ومائتين

- ‌أربع وستين ومائتين

- ‌خمس وستين ومائتين

- ‌ست وستين ومائتين

- ‌سبع وستين ومائتين

- ‌ثمان وستين ومائتين

- ‌تسع وستين ومائتين

- ‌سبعين ومائتين

- ‌إحدى وسبعين ومائتين

- ‌اثنتين وسبعين ومائتين

- ‌ثلاث وسبعين ومائتين

- ‌أربع وسبعين ومائتين

- ‌خمس وسبعين ومائتين

- ‌ست وسبعين ومائتين

- ‌سبع وسبعين ومائتين

- ‌ثمان وسبعين ومائتين

- ‌تسع وسبعين ومائتين

- ‌ثمانين ومائتين

- ‌إحدى وثمانين ومائتين

- ‌اثنتين وثمانين ومائتين

- ‌ثلاث وثمانين ومائتين

- ‌أربع وثمانين ومائتين

- ‌خمس وثمانين ومائتين

- ‌ست وثمانين ومائتين

- ‌سبع وثمانين ومائتين

- ‌ثمان وثمانين ومائتين

- ‌تسع وثمانين ومائتين

- ‌تسعين ومائتين

- ‌إحدى وتسعين ومائتين

- ‌اثنتين وتسعين ومائتين

- ‌ثلاث وتسعين ومائتين

- ‌أربع وتسعين ومائتين

- ‌خمس وتسعين ومائتين

- ‌ست وتسعين ومائتين

- ‌سبع وتسعين ومائتين

- ‌ثمان وتسعين ومائتين

- ‌تسع وتسعين ومائتين

- ‌ثلاث مائة

- ‌إحدى وثلاث مائة

- ‌أثنتين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وثلاث مائة

- ‌خمس وثلاث مائة

- ‌ست وثلاث مائة

- ‌سبع وثلاث مائة

- ‌ثمان وثلاث مائة

- ‌تسع وثلاث مائة

- ‌عشر وثلاث مائة

- ‌إحدى عشرة وثلاث مائة

- ‌اثنتي عشرة وثلاث مائة

- ‌ثلاث عشرة وثلاث مائة

- ‌أربع عشرة وثلاث مائة

- ‌خمس عشرة وثلاث مائة

- ‌ست عشرة وثلاث مائة

- ‌سبع عشرة وثلاث مائة

- ‌ثمان عشرة وثلاث مائة

- ‌تسع عشرة وثلاث مائة

- ‌عشرين وثلاث مائة

- ‌إحدى وعشرين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وعشرين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وعشرين وثلاث مائة

- ‌أربع وعشرين وثلاث مائة

- ‌خمس وعشرين وثلاث مائة

- ‌ست وعشرين وثلاث مائة

- ‌سبع وعشرين وثلاث مائة

- ‌ثمان وعشرين وثلاث مائة

- ‌تسع وعشرين وثلاث مائة

- ‌ثلاثين وثلاث مائة

- ‌إحدى وثلاثين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وثلاثين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وثلاثين وثلاث مائة

- ‌أربع وثلاثين وثلاث مائة

- ‌خمس وثلاثين وثلاث مائة

- ‌ست وثلاثين وثلاث مائة

- ‌سبع وثلاثين وثلاث مائة

- ‌ثمان وثلاثين وثلاث مائة

- ‌تسع وثلاثين وثلاث مائة

- ‌أربعين وثلاث مائة

- ‌إحدى وأربعين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وأربعين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وأربعين وثلاث مائة

- ‌أربع وأربعين وثلاث مائة

- ‌خمس وأربعين وثلاث مائة

- ‌ست وأربعين وثلاث مائة

- ‌سبع وأربعين وثلاث مائة

- ‌ثمان وأربعين وثلاث مائة

- ‌تسع وأربعين وثلاث مائة

- ‌خمسين وثلاث مائة

- ‌إحدى وخمسين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وخمس وثلاث مائة

- ‌ثلاث وخمسين وثلاث مائة

- ‌أربع وخمسين وثلاث مائة

- ‌خمس وخمسين وثلاث مائة

- ‌ست وخمسين وثلاث مائة

- ‌سبع وخمسين وثلاث مائة

- ‌ثمان وخمسين وثلاث مائة

- ‌تسع وخمسين وثلاثين ومائة

- ‌ستين وثلاث مائة

- ‌إحدى وستين وثلاث مائة

- ‌اثنتين وستين وثلاث مائة

- ‌ثلاث وستين وثلاث مائة

- ‌أربع وستين وثلاث مائة

- ‌خمس وستين وثلاث مائة

- ‌ست وستين وثلاثمائة

- ‌سبع وستين وثلاثمائة

- ‌ثمان وستين وثلاثمائة

- ‌تسع وستين وثلاثمائة

- ‌إحدى وسبعين وثلاثمائة

- ‌اثنتين وسبعين وثلاثمائة

- ‌ثلاث وسبعين وثلاثمائة

- ‌أربع وسبعين وثلاثمائة

- ‌خمس وسبعين وثلاثمائة

- ‌ست وسبعين وثلائمائة

- ‌سبع وسبعين وثلاثمائة

- ‌ثمان وسبعين وثلائمائة

- ‌تسع وسبعين وثلاثمائة

- ‌ثمانين وثلاثمائة

- ‌إحدى وثمانين وثلاثمائة

- ‌اثنتين وثمانين وثلاثمائة

- ‌ثلاث وثمانين وثلاثمائة

- ‌أربع وثمانين وثلاثمائة

- ‌خمس وثمانين وثلاثمائة

- ‌ست وثمانين وثلاثمائة

- ‌ثمان وثمانين وثلاثمائة

- ‌تسع وثمانين وثلاثمائة

- ‌تسعين وثلاثمائة

- ‌إحدى وتسعين وثلاثمائة

- ‌اثنتين وتسعين وثلاثمائة

- ‌ثلاث وتسعين وثلاثمائة

- ‌أربع وتسعين وثلاثمائة

- ‌خمس وتسعين وثلاثمائة

- ‌ست وتسعين وثلاثمائة

- ‌سبع وتسعين وثلاثمائة

- ‌ثمان وتسعين وثلاثمائة

- ‌تسع وتسعين وثلاثمائة

- ‌أربع مائة

الفصل: في العقليات، ويهتم بالجهاد، ويقيم للناس الصلاة. وفيها توفي أبو سعيد

في العقليات، ويهتم بالجهاد، ويقيم للناس الصلاة.

وفيها توفي أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي المقرىء الحافظ، نزيل مصر، وقيل في السنة التي قبلها.

‌تسع وثلاثين ومائتين

فيها غزا المسلمون حتى شارفوا القسطنطينية، فأغاروا وأحرقوا ألف قرية، وقتلوا وسبوا. وفيها عزل يحيى بن أكثم من القضاء، وصودر،، وأخذ منه ألف دينار، وفيها توفي الحافظ عثمان بن أبي شيبة العبسي الكوفي، وكان أسن من أخيه أبي بكر، رحل وطوف، وصنف التفسير والمسند، وحضر مجلسه ثلاثون ألفاً.

‌أربعين ومائتين

فيها توفي قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد " بضم الدال المهملة مكررة في أوله وآخره، والهمزة والمد، بينهما على وزن فواد "، الإيادي عن ثمانين سنة، وكان فصيحاً مفوهاً جواداً ممدحاً، وكان من أصحاب واصل بن عطاء المعتزلي، وهو الذي شغب على، الإمام أحمد بن حنبل، وأفتى بقتله. وكان قد مرض بالفالج قبل موته نحو أربع سنين، ونكب وصودر. وهو أول من افتتح الكلام مع الخلفاء، وكان لا يبدؤهم أحد حتى يبدؤوه.

وقال أبو العيناء: كان ابن أبي دؤاد فصيحاً شاعراً مجيداً بليغاً، وما رأيت رئيساً قط أفصح ولا أنطق منه، وقد ذكره دعبل بن علي الخزاعي في كتابه الذي جمع فيه أسماء الشعراء، وروى له أبياتاً حساناً. وكان يقول: ثلاث ينبغي أن يبخلوا أقدارهم: العلماء وولاة العدل والإخوان. فمن استخفت بالعلماء أهلك دينه، ومن استخف بالولاة أهلك دنياه، ومن استخف بالإخوان أهلك مروءته.

وقال إبراهيم بن الحسن: كنا عند المأمون، فذكروا من بايع من الأنصار ليلة العقبة، واختلفوا في ذلك، ثم دخل. ابن أبي دؤاد فعدهم واحداً واحداً بأسمائهم، وكناهم وأنسابهم، فقال المأمون: إذا استجلس الناس فاضلاً، فمثل أحمد، فقال أحمد: بل إذا جالس العالم خليفة فمثل أمير المؤمنين الذي يفهم، وكان أعلم بما يقوله منه، ومن كلام أحمد:. ليس بكامل من لم يحمل وليه على منبر ولو أنه حارس، وعدوه على جذع ولو أنه وزير.

ص: 92

وقال أبو العيناء: حسد أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي، واحتيل عليه حتى شهد عليه بخيانة. وقيل عند أفشين، فأخذه ببعض أسبابه، وجلس له، وأحضر السياف ليقتله. فبلغ ابن أبي دؤاد الخبر، فركب في وقته مع من حضر من عدوله، ودخل على الأفشين، وقد جيء بأبي دلف ليقتل، ثم قال إني رسول أمير المؤمنين إليك، وقد أمرك أن لا تحدث في القاسم بن عيسى حدثاً حتى تسلمه إلي، ثم التفت إلى العدول، وقال: اشهدوا أني قد أديت الرسالة إليه، والقاسم حي معافى، فقالوا: شهدنا، وخرج فلم يقدر الأفشين على أن يحدث فيه مكروهاً، وسار ابن أبي دؤاد إلى المعتصم من وقته وقال: يا أمير المؤمنين، قد أديت عنك رسالة لم تقلها إني ما أعتد بعمل خير خيراً منها، وإني لأرجو لك الجنة بها. ثم أخبره الخبر فصوب رأيه، ووجه من أحضر القاسم، فأطلقه ووهب له، وعنف الأفشين فيما عزم عليه.

وكان المعتصم قد اشتد غيظه على محمد بن الجهم البرمكي، فأمر بضرب عنقه، فلما رأى ابن دؤاد ذلك وأن لا حيلة فيه، وقد شد برأسه وأقيم في النطع، وقد هزله السيف قال: ابن أبي دؤاد للمعتصم: وكيف تأخذ ماله إذا قتلته؟ قال: ومن يحول بيني وبينه؟ قال يأبى الله ذلك، ويأباه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأباه عدل أمير المؤمنين، فإن المال للوارث، إذا قتلته، حتى تقيم البينة على ما فعله. وأمره بإستخراج ما أختانه أقرب عليك وهو حي، فقال: أجلسوه حتى نناظر، فتأخر أمره على ماله جملة وخلص بحمد الله تعالى.

وذكر الجاحظ أن المعتصم غضب على رجل من أهل الجزيرة، وأحضر السيف والنطع فقال له المعتصم: فعلت وصنعت وأمر بضرب عنقه، فقال له ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، سبق السيف العدل، فتأن في أمره، فإنه مظلوم، فسكن قليلاً، قال ابن أبي دؤاد: وأرهقني البول فلم أقدر على حبسه، وعلمت أني إن قمت قتل الرجل، فجعلت ثيابي تحتي، وبلت فيها حتى خلصت الرجل، فلما قمت نظر المعتصم إلى ثيابي رطبة فقال: يا أبا عبد الله، كأن تحتك ماء؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، ولكنه كان كذا وكذا، فضحك ودعا لي وقال: أحسنت، بارك الله عليك. قال الراوي: وخلع عليه، وأمر له بمائة ألف درهم.

وقال أحمد بن عبد الرحمن الكلبي: ابن أبي دؤاد روح كله من قرنه إلى قدمه، وقال بعضهم: ما رأيت قط أطوع لأحد من المعتصم لإبن أبي دؤاد، وكان يسأل الشيء فيمتنع منه، ثم يدخل ابن أبي دؤاد، فيكلمه في أهله، وفي أهل الثغور وفي الحرمين وفي أقاصي أهل المشرق والمغرب، فيجيبه إلى كل ما يريد، ولقد كلمه يوماً في مقدار ألف ألف درهم ليحفر بها نهراً في أقاصي خرسان فقال له: ونا علي من هذا النهر؟ فقال: يا أمير

ص: 93

المؤمنين، إن الله تعالى يسألك عن النظر في أقصى رعيتك كما يسألك عن النظر في أدناها، ولم يزل يرفق به حتى أطلقها.

وقال الحسين بن الضحاك الشاعر المشهور لبعض المتكلمين: ابن أبي دؤاد عندنا لا يعرف اللغة، وعندكم لا يحسن الكلام، وعند الفقهاء لا يدري الفقه، وهو عند المعتصم يعرف هذا كله.

وكان إبتداء أمر ابن أبي دؤاد بالمأمون أنه قال: كنت أحضر مجلس القاضي يحيى بن أكثم مع الفقهاء، وكنت عنده يوماً إذ جاء رسول المأمون وقال له: يقول لك أمير المؤمنين، إلينا أنت وجميع من معك من أصحابك. فلم يحب أن أحضر معه، ولم يستطع أن يؤخرني، فحضرت مع القوم، فتكلمت بحضرة المأمون، فأقبل المأمون ينظر إلي إذا شرعت الكلام، ويتفهم ما أقول، ويستحسنه، ثم قال لي: من تكون؟ فانتسبت له، فقال: ما أخرك عنا؟ فكرهت أن أحيل على يحيى، فقلت: حبس القدر وبلوغ الكتاب أجله. فقال: لا أعلمن يكون لنا مجلس إلا حضرته، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، ثم اتصل الأمر.

وقيل: قدم يحيى بن أكثم قاضياً على البصرة من خراسان من قبل المأمون في آخر سنة

ومائتين وهو حدث، سنة نيف وعشرون سنة، فاستصحب جماعة من أهل العلم والمروءات منهم: ابن أبي دؤاد، فلما قدم المأمون بغداد في سنة أربع ومائتين قال ليحيى بن أكثم: اختر لي من أصحابك جماعة ليجالسونني، فاختار منهم عشرين، معهم ابن أبي داود. ثم قال اختر منهم خمسة فيهم ابن أبي دؤاد، واتصل أمره وأسند المأمون وصيته الموت إلى أخيه المعتصم، وقال فيها: وأبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد لا يفارقك، في المشورة في كل أمر، فإنه موضع ذلك، ولا تتخذن بعدي وزيراً. ولما ولي المعتصم الخلافة جعل ابن أبي دؤاد قاضي القضاة، وعزل يحيى بن أكثم، وخص به أحمد، كان لا يفعل فعلاً باطناً ولا ظاهراً إلا برأيه، وامتحن ابن أبي دؤاد الإمام وألزمه، وأطلق القول بخلق القرآن الكريم، وذلك في شهر رمضان من سنة عشرين ومائتين. قلت: في الأصل المنقول منه " ألزم الإمام وأطلق " وكأنه يعني الإمام أحمد ومعلوم أن الإمام أحمد لم يلتزم ذلك، ولا وافق عليه مع ما ناله من المكروه والضرر كما سيأتي في ترجمته.

ولما مات المعتصم وتولى بعده الواثق بالله حسنت حال ابن أبي دؤاد عنده، ولما مات وتولي أخوه المتوكل فلج ابن أبي دؤاد يعني، أصابه المرض المعروف بالفالج،، وذهب شقه الأيمن، فقلد المتوكل ولده محمد بن أحمد القضاء مكانه، ثم عزل محمد بن أحمد عن المظالم، وقلد يحيى بن أكثم، وكان الواثق قد أمر أن لا يرى أحد من الناس الوزير محمد بن عبد الملك الزيات إلا قام له، وكان ابن أبي دؤاد إذا رآه قام واستقبل القبلة

ص: 94

يصلي فقال ابن الزيات.

صلى الضحى لما استقاد عداوتي

ولذا ينسك بعدها ويصوم

لا تعد من عداوة مسمومة

تركتك تقعد تارة وتقوم

ومدح ابن أبي دؤاد جماعة من شعراء عصره قال الراوي: رأيت أبا تمام الطائي عند ابن أبي دؤاد، ومعه رجل ينشد عنده قصيدة منها:

لقد أنست مساوىء كل دهر

محاسن أحمد بن أبي دؤاد

وما سافرت في الآفاق إلا

ومن جدواك راحلتي وزادي

ودخل أبو تمام عليه يوماً، وقد طالت الأيام في الوقوف ببابه، ولا يصل إليه، فعتب عليه مع بعض أصحابه فقال له ابن أبي دؤاد: أحسبك عاتباً يا أبا تمام، فقال، إنما يعتب على واحد، وأنت الناس، فكيف يعتب عليك؟ فقال له: من أين لك هذا يا أبا تمام. فقال: من قول الحاذق، يعني أبا نؤاس للفضل بن الربيع.

وليس من الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

ولما ولي ابن أبي دؤاد المظالم قال أبو تمام يتظلم إليه قصيدة من جملتها:

إذا أنت ضيعت القريض وأهله

فلا عجب أن ضيعته الأعاجم

فقد هز عطفيه القريض ترفعاً

بعدلك مذ صارت إليك المظالم

ولولا خلا فيها الشعر ما درى

نعاه العلى من أين تؤتى المكارم

ومدحه أبو تمام أيضاً بقصيدة، ما ألطف وأبدع وأبلغ وأبرع قوله فيها:

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار في ما جاورت

ما كان يعرف طيب نشر العود

قلت: ومما يناسب هذا المعنى ما حصل لعائشة رضي الله تعالى عنها من الشرف الأسنى والمجد المقيم، بما أنزل الله تعالى في براءتها من القرآن الكريم، لما تكلم فيها ما بين حاسد أثيم ومخطىء للصواب عديم، ومتوعد بعذاب عظيم، ومدحه بعض الشعراء بأبيات من جملتها:

لقد حازت نزار كل مجد

ومكرمة على رغم الأعادي

فقل للفاخرين على نزار

ومنهم خندف وبنو إياد

رسول الله والخلفاء منا

ومنا أحمد بن أبي دؤاد

ص: 95

ولما سمع هذا الشعر أبو هفان قال:

فقل للفاخرين على تزار

وهم في الأرض ساداة العباد

رسول الله والخلفاء منا

وتبرا من دعا لبني إياد

وما منا إياد إن أفوت

بدعوة أحمد بن أبي دؤاد

فقال ابن أبي دؤاد: ما بلغ مني أحد ما بلغ مني هذا الغلام، لولا أني أكره أن أنبه عليه لعاقبته عقاباً لم يعاقب أحد بمثله، جاء إلى منقبة كانت لي فنقضها عروة عروة، قلت قوله: كره أن الله عليه، يعني: إذا عاقبت لعاقبته عقاباً لم يعاقب به الناس لقوله الذي ذمني فيه، وكان بين ابن أبي دؤاد وبين الوزير مناقشات وشحناء، فمنع الوزير بعض أصحاب القاضي المذكور من التردد إليه، فبلغ ذلك القاضي، فجاء إلى الوزير وقال: ما أتيتك متكثراً بك من قلة، ولا متعززاً من زلة، ولكن أمير المؤمنين رتبك رتبة أوجبت لقاءك، فإن لقيناك فله، وإن تأخرنا عنك فلك، ثم نهض من عنده " وهجا " بعض الشعراء الوزير ابن الزيات بقصيدة، عدد أبياتها سبعون، فبلغ خبرها القاضي ابن أبي دؤاد فقال:

أحسن من سبعين بيتاً هجا

جمعك معناهن في بيت

ما أحوج الملك إلى قطرة

تغسل عنه وضر الزيت

فبلغ ابن الزيات ذلك فقال:

يا ذا الذي يطمع في هجونا

عرضت بي نفسك للموت

الزيت لا يزري بأحسابنا

أحسابنا معروفة البيت

قبرتم الملك فلم تنقه

حتى غسلنا القار بالزيت

واستمر ولد القاضي المذكور في مكانه لما فلج حتى سخط المتوكل على القاضي أحمد المذكور وولده محمد في سنة سبع وثلاثين ومائتين، فصرفه عن المظالم، ثم عن القضاء، وأخذ من ولده مائة ألف وعشرين ألف دينار، وجواهر بأربعين ألف دينار، وقيل: صالح على ضياعه وضياع أبيه بألف ألف دينار، وستره إلى بغداد وفوض القضاء إلى يحيى بن أكثم، قال أبو بكر بن دريد: كان ابن أبي دؤاد متألفاً لأهل الأدب من أي بلد كانوا وقد ضم منهم جماعة يعولهم ويمونهم، فلما مات حضر ببابه جماعة منهم، وقالوا: يدفن من كان على ساقة الكرم، وتاريخ الأدب، ولا يتكلم فيه إن هذا وهن وتقصير، فلما طلع سريره قام إليه ثلاثة منهم فقال أحدهم:

ص: 96

اليوم مات نظام الملك والسنن

ومات من كان يسعد على الزمن

وأظلمت سبل الأدب إذا حجبت

شمس المكارم في غيم من الكفن

وتقدم الثاني فقال:

ترك المنابر والسرير تواضعاً

وله منابر لو يسافر وسرير

وله المحامد، ولغيره يجبى الخراج

وإنما يجبى إليه محامد وسرير

وتقدم الثالث فقال:

وليس فتيق المسك ريح حنوطه

ولكنه ذاك الثناء المخلف

وليس صرير العرش ما تسمعونه

ولكنه أصلاب قوم تقصف

قلت: ومحاسنه كثيرة، ومناقبه شهيرة، سارت بها الركبان، لولا ما صدر عنه عن الإمتحان بخلق القرآن.

وفي السنة المذكورة توفي في الفقيه الإمام أحد العلماء الأعلام أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي، تفقه بالشافعي، وسمع من ابن عيينة وغيره، وبرع في العلم، ولم يقلد أحداً، قال أحمد بن حنبل: هو عندي في مسلاخ سفيان الثوري، أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة في تصنيفه في الأحكام بين الحديث والفقه، وكان أول اشتغاله في مذهب أهل الرأي حتى قدم الشافعي العراق فاختلف إليه واتبعه ورفض مذهبه الأول.

وقال له محمد بن الحسن يوماً: يا أبا ثور، حسبت هذا الحجازي قد غلبنا عليك، فقال: أجل، الحق معه، ولم يزل مائلاً إلى مذهب الشافعي إلى أن توفي.

وفي السنة المذكورة توفي الحسن بن عيسى النيسابوري، وكان ورعاً دينا أسلم على يد ابن المبارك، وسمع الكثير منه ومن ابن الأحوص وطائفة، ولما مر ببغداد حدث بها، وعدوا في مجلسه اثني عشر ألف محبرة.

وفيها توفي أبو العميثل " بفتح العين والميم والمثلثة وسكون المثناة من تحت قبل المثلثة " عبد الله بن خليل مولى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، كان يعجم الكلام ويعربه، وكان كاتب عبد الله بن طاهر وشاعره، وكاتب أبيه طاهر من قبله، وكان مكثراً من ثقل اللغة، عارفاً بها شاعراً مجيداً، ومن شعره في عبد الله بن طاهر قوله:

يا من يحاول أن يكون صفاته

كصفات عبد الله أنصت وأسمع

فلقد نصحتك في المشورة والذي

حج الحجيج إليه فاسمع أودع

ص: 97

أصدق وعن وبر واصبر واحتمل

واصفح وكاف ودار واحلم واسجع

والطيف ولن وتأن وارفق وابتد

واحرم وجد رجام واحمل وارفع

ولقد محضتك إن قبلت نصيحتي

وهديت للنهج الأسد المهيع

قلت: وعدد كلمات بيته الثالث والرابع كل واحد عشر كلمات، ولي بيت جمعت فيه اثنتي عشرة كلمة في مخاطبة الله عز وجل بالدعاء. وهو قولي في بعض القصائد:

وسبحانك اللهم يا سامع الدعاء

ويا منقذ الهلكى ويا راحم الورى

أقل واسترا جبروا رفق ارزق وعاف واهدهوالطف تجاوز واعطف وارحم لنا اغفرا والألف التي بعد الراء من " اغفر "، أبدل من نون التأكيد أي اغفرن، ولما حجب أبو العميثل عن الدخول على عبد الله المذكور، وقد وصل إلى بابه قال:

سأترك هذا الباب ما دام إذنه

على ما أرى حتى يخف قليلاً

إذا لم أجد يوماً إلى الإذن سلما

وجدت إلى ترك اللقاء سبيلاً

فبلغ ذلك عبد الله، فأمر بدخوله، وكان أبو العميثل يقول: النعمان اسم من أسماء الدم، ولذلك قيل شقائق النعمان نسبت إلى الدم لحمرتها. قال: وقولهم إنها منسوبة إلى النعمان بن المنذر ليس بشيء. وقال ابن قتيبة: إن النعمان بن المنذر، وهو آخر ملوك الحيرة من الحمير، خرج إلى ظهر الكوفة، وقد اعتم بناته من بين أصفر وأحمر وأخضر، وإذا فيه من الشقائق شيء كثير، فقال: ما أحسنها، إحموها فحموها، فسمي شقائق النعمان، وكذا اذكر الجوهري أنها منسوبة إلى النعمان.

ويحكى أن أبا تمام الطائي لما أنشد عبد الله بن طاهر قصيدة مدحه بها، كان أبو العميثل حاضراً فقال: يا أبا تمام، لم لا تقول ما يفهم؟ فقال: يا أبا العميثل: لم لا تفهم ما يقال؟ وقبل يوماً كف عبد الله بن طاهر فاستخشن شاربه فقال أبو العميثل في الحال: شوك القنفذ لا يؤلم كف الأسد فأعجبه كلامه، وأمر له بجائزة سنية، وصنف كتباً منها " ما اتفق لفظه واختلف معناه "، و " كتاب التشابه "، و " كتاب الأبيات السائرة "، و " كتاب معاني شعر ".

وفيها توفي مفتي القيروان وقاضيه أبو سعيد عبد السلام بن سعيد، المعروف بسحنون المغربي المالكي، صاحب المدونة، والمدونة أصلها مسائل أخذها عن ابن قاسم، وكانت غير مرتبة، فرتب سحنون أكثرها وبوبها على ترتيب التصانيف، واحتج لبعض مسائلها بالآثار، وأول من شرع في جمع المدونة أسد بن الفرات الفقيه المالكي بعد رجوعه من العراق من أسئلة سأل عنها ابن القاسم، وكتبها عنه سحنون، ثم رحل بها إلى ابن

ص: 98