الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الفتن
[باب ذكر الفتن ودلائلها]
(عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا فما ترك شيئًا يكون في مقامه إلى قيام الساعة إلّا حدّثه) من غريب ما وقع من بعض أهل العصر، أنّي لما رويت الأحاديث الواردة في نهي العلماء عن المجيء إلى السّلاطين، قال: وهل كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سلاطين حتى ينهى عن التردّد إليهم؟ وما علم المسكين أنّه صلى الله عليه وسلم أعلم بالوحي بكلّ ما يجيء بعده إلى قيام الساعة، وأعلم به أصحابه كما في هذا الحديث.
(ذكر فتنة الأحلاس) قال الخطّابي: إنّما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها، أو لسواد لونها وظلمتها.
(هرب وحرب) قال الخطّابي: الحرب ذهاب المال والأهل.
وقال في النهاية: الحرب بالتّحريك نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له.
(ثمّ فتنة السّرّاء) قال في النّهاية: السّرّاء هي البطحاء، وقال بعضهم: هي التي تدخل الباطن وتزلزله، ولا أدري ما وجهه.
(دخنها من تحت قدم (1) رجل) قال في النهاية: يعني ظهورها وآثارها، شبّهها بالدّخان المرتفع، والدخن بالتحريك مصدر دخنت النار تدخن إذا ألقى عليها حطب رطب فكثر دخانها، وقيل أصل الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد.
(ثمّ يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع) قال الخطّابي: هو
(1) في سنن أبي داود المطبوع: "قَدَمَيْ".
مَثَل ومعناه الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم، وذلك أنّ الضلع لا يقوم بالورك ولا يحمله، يريد أنّ هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقلّ به.
وقال في النهاية: أي يصطلحون على أمر واه لا نظام له ولا استقامة، لأنّ الورك لا يستقيم على الضلع (1) ولا يتركب عليه لاختلاف ما بينهما وبعده.
(ثمّ فتنة الدّهيماء) قال الخطابي: تصغير الدّهماء، وصغّرها على مذهب المذمّة لها.
وقال في النهاية: يريد الفتنة المظلّة والتّصغير فيها للتّعظيم، وقيل أراد بالدّهيماء الدّاهية.
(1) في أ: "الورك".
(فإذا صدع) قال الخطّابي: بفتح الدّال، وهو الرّجل الشاب المعتدل القناة، وقال في النهاية: أي: رجل.
(فأحدقه القوم) أي: رموه بحدقهم، والتحديق شدّة النّظر.
(بجذل شجرة) بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة، أي: أصلها.
(على أقذاء) قال في النّهاية: الأقذاء جمع قَذًى، والقَذى جمع قَذاة، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك، أراد أن اجتماعهم يكون على فساد في قلوبهم، فشبّه بقَذَى العين والماء والشّراب.
(وهدنة على دخن) قال الخطّابي: أي صلح على بقايا من الضغن.
وقال في النهاية: أي: على فساد واختلاف، تشبيهًا بدخان الحطب الرّطب، لما بينهم من الفساد الباطن تحت (1) الصّلاح الظاهر.
(1) في ج: "بحق".
(فتنة عمياء صمّاء) قال في النّهاية: هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها، لأنّ الأصمّ لا يسمع الاستغاثة فلا يقلع على ما يفعله، وقيل: هي كالحيّة الصمّاء التي لا تقبل الرُّقَى.
(وثمرة قلبه) قال في النّهاية: أي: خالص عهده.
(إنّ الله زوى لي الأرض) أي: قبضها وجمعها.
(وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها) قال الخطّابي: يتوهّم بعض الناس أنّ "من" ههنا معناها التبعيض، فيقول كيف يشترط في أوّل الكلام الاستيعاب وردّ آخره إلى التبعيض؟ وليس ذلك على ما يقدّرونه، وإنّما معناه التفصيل للجملة المتقدّمة، والتفصيل لا يناقض الجملة ولا يبطل شيئًا منها،
لكنّه يأتى عليها شيئًا فشيئا ويستوفيها جزءًا جزءًا، والمعنى أنّ الأرض زويت جملتها له مرّة واحدة فرآها، ثمّ يفتح له جزء جزء منها حتى يأتي عليها كلّها، فيكون هذا معنى التبعيض فيها.
(وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) قال الخطابي: أي الذهب والفضة، وقال في النهاية: الأحمر ملك الشام، والأبيض ملك فارس، وإنّما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم ولأنّ الغالب على أموالهم الفضّة، كما أنّ الغالب على ألوان أهل الشّام الحمرة وعلى أموالهم الذّهب.
(فيستبيح بيضتهم) قال في النهاية: بيضة الدّار وسطها ومعظمها، أراد عدوًا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم، قيل: أراد إذا هلك أصل البيضة كان هلاك كلّ ما فيها من طعم وفرخ، وإذا لم يهلك أصل البيضة ربّما سلم بعض فراخها، وقيل: أراد بالبيضة الخوذة، فكأنّه شبّه مكان اجتماعهم والتئامهم ببيضة الحديد.
(تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين) قال الخطّابي: دوران الرّحى كناية عن الحرب والقتال، شبّهها بالرّحى الدوّارة التي تطحن الحبّ، لما يكون فيها من تلف الأرواح وهلاك الأنفس.
وقال في النهاية: يقال دارت الحرب إذا قامت على ساقها، وأصل
الرّحى التي يطحن بها، والمعنى أنّ الإسلام يمتدّ قيام أمره على سنن الاستقامة والبعد من إحداثات الظلمة (التي تقتضي)(1) هذه المدّة التي هي بضع وثلاثون، ففي خمس وثلاثين من الهجرة خرج أهل مصر وحصروا عثمان وجرى فيها ما جرى، وفي ستّ وثلاثين كانت وقعة الجمل، وفي سبع وثلاثين كانت وقعة صفّين. وقوله:
(وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عامًا) قال الخطّابي: يريد بالدّين ههنا الملك، ويشبه أن يكون أراد بهذا مدّة ملك بني أمية وانتقاله عنهم إلى بني العبّاس، فإنّه كان بين استقرار الملك لبني أميّة إلى أن ظهرت دعاة الدولة العباسيّة بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيه نحو من سبعين سنّة.
قال في النهاية: وهذا التأويل كما تراه، فإن المدّة التي أشار إليها لم تكن سبعين سنة، ولا كان الدّين فيها قائمًا، قال: ويروى "تزول رحا الإسلام" عوض "تدور"(2)، أي تزول عن ثبوتها واستقرارها.
قلت: أمّا قوله إنّ المدّة لم تكن سبعين سنة، فممنوع لأنّ مقصده أنّها كانت نحو تسعين سنة ولكنّها دخلها الوهن في آخرها، فكانت المدّة التي لا وهن فيها نحو سبعين كما قاله الخطابي، وأمّا قوله ولا كان الدين فيها قائمًا، فإنّه ظنّ المراد بالدين في الحديث أحكام الذين، وليس كذلك، بل المراد الملك، كذا فسّره الخطابي في معالم السنن وأنشد عليه قول زهير:
لئن حللت بجوّ في بني أسد
…
في دين عمرو وحالت بيننا فَدَكُ
قال: يريد ملك عمرو وولايته.
ولا شكَّ أنّ ملك بني أمية كان قائمًا في تلك المدّة، وكان أعظم من
(1) في النهاية مادة - رحا -: "إلى تقضّي".
(2)
في ب: "عن تدور".
ملك بني العباس فإنّه كان لهم المشرق والمغرب من غير منازع ولا متغلّب، ولمّا تملّك بني العباس خرج عنهم المغرب الأقصى واستولى عليه من استولى من بني أمية، وصاحب النهاية لم ينقل من كلام الخطابي تفسير الدّين هنا بالملك، فبسبب ذلك أورد ما أورد.
(يتقارب الزّمان) قال الخطّابي: معناه قصر زمان الأعمار وقلّة البركة فيها، وقيل: هو دنوّ زمان الساعة، وقيل: هو قصر مدّة الأيّام واللّيالي على ما روي أنّ الزمان يتقارب حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالسّاعة، والسّاعة كاحتراق السعفة.
(أبعد مسالحهم) جمع مسلحة، وهم القوم الذين يحفظون الثغور من العدوّ، وسمّوا مسلحة لأنّهم يكونون ذوي سلاح، أو لأنّهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر (1) والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدوّ لئلَّا يطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابه ليتأهبوا له.
(سلاح) بضمّ أوّله، موضع قريب من خيبر.
***
(1) في ب: "كالثغور".