الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما يقول عند النوم]
(إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصلاة)(في فتح الباري: قال الترمذي)(1): ليس في الأحاديث ذكر الوضوء عند النوم إلَّا في هذا الحديث. وله فوائد منها أنّ يبيت على طهارة لئلَّا يبغته الموت فيكون على هيئة كاملة، ومنها أن يكون أصدق لرؤياه وأبعد من تغلّب الشيطان به.
(ثمَّ اضطجع على شقّك الأيمن) بكسر المعجمة وتشديد القاف أي الجانب، وخصَّ الأيمن لأنَّه أسرع إلى الانتباه، فإنَّ القلب يتعلَّق إلى جهة اليمين فلا يثقل بالنوم، وقال ابن الجوزي: هذه الهيئة نصَّ الأطبّاء على أنَّها أصلح للبدن، قالوا: يبدأ بالاضطجاع على الجانب الأيمن ساعة ثمّ ينقلب إلى الأيسر لأنَّ الأوّل سبب لانحدار الطعام، والنوم على اليسار يهضم لاشتمال الكبد على المعدة.
(وقل: اللَّهم أسلمت وجهي إليك) أي: استسلمت وانقدت، والمعنى جعلت (2) نفسي منقادة لك، تابعة لحكمك، إذ لا قدرة لي
(1) في ب: "في فتح الباري قال في الترمذي".
(2)
في ج: "سلمت".
على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها، ولا دفع ما يضرّها عنها (وفوّضت أمري إليك) أي: توكّلت عليك في أمري كلّه (وألجأت ظهري إليك) أي: اعتمدت في أموري عليك لتعينني على ما ينفعني لأنّ من استند إلى شيء تقوّى به واستعان، وخصَّه بالظهر لأنَّ العادة جرت أنّ الإنسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه (رغبة ورهبة (1) إليك) أي: رغبة في رفدك وثوابك، ورهبة أي: خوفًا من غضبك وعقابك، قال ابن الجوزي: أسقط "من" مع ذكر الرغبة، وأعمل إلى مع ذكر "الرهبة" وهو على طريق الاكتفاء، كقول الشاعر:
وزججن الحواجب والعيونا
والعيون لا تزجّج، لكن لمَّا جمعهما في نظم حمل أحدهما على الآخر في اللفظ.
قال الحافظ ابن حجر: لكن ورد في بعض طرقه بإثبات "من" ولفظه: "رهبة منك ورغبة إليك"، أخرجه أحمد والنسائي.
(لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك) أصل ملجأ بالهمز ومنجا بغير همز، ولكن لمَّا جمعا جاز أن يهمز للازدواج، وأن يترك الهمز فيهما، وأن يهمز المهموز ويترك الآخر، ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة. (أستذكرهنّ) أي: أتحفظهنَّ.
(قال: لا، ونبيّك الذي أرسلت) أولى ما قيل في الحكمة في ذلك، أنّ ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الدي وردت به، وهو اختيار المازري.
(متّ على الفطرة) قال الخطّابي: المراد هنا فطرة الدّين والإسلام.
(1) في سنن أبي داود المطبوع: "رهبة ورغبة".
(بداخلة إزاره) قال في النهاية: هي طرفه وحاشيته من داخل، قال: وإنَّما أمره بداخلته دون خارجته، لأنَّ المؤتزر يأخذ إزاره بيمينه وشماله فيلزق ما بشماله على جسده وهي (1) داخلة إزاره، ثمَّ يضع ما بينهما فوق داخلته، فمتى عاجله أمر وخشي سقوط إزاره أمسكه بشماله ودفع عن نفسه بيمينه، فإذا صار إلى فراشه فحل إزاره فإنّما يحل بيمينه خارجة الإزار وتبقى الداخلة معلَّقة وبها يقع النفض لأنَّها غير مشغولة باليد.
(باسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه) قال السبكي: فكّرت في ذلك عند الاضطجاع، فأردت أن أقول إن شاء الله في:"أرفعه" لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ، ثمّ قلت في نفسي إنَّ ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المقول عند النوم، ولو كان مشروعًا لذكره النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، فتطلَّبت فرقًا بينه وبين كلّ ما يخبر به الإنسان من الأمور المستقبلة المستحبّ فيها المشيئة، ولا يقال إنَّ "أرفعه" حال ليس بمستقبل لأمرين؛ أحدهما: أنّ لفظه وإن كان كذلك لكنَّا نعلم أنّ رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه، والثاني: أنّ استحباب المشيئة عام فيما ليس بمعلوم الحال أو (2) المضيّ، وظهر لي أنّ الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة، وأنَّ ذلك ينبّه على قاعدة يفرّق بها بين تقدّم الفعل
(1) في أ: "وفي".
(2)
في أ: "و".
على الجارّ والمجرور وتأخّره عنه، فإنَّك إذا قلت أرفع جنبي باسم الله، كان المعنى الإخبار بالرفع وهو عمدة الكلام، وجاء الجارّ والمجرور بعد ذلك تكملة، وإذا قلت باسم الله أرفع جنبي كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم الله وهو عمدة الكلام، فافهم هذا السرّ اللَّطيف، وتأمَّله في جميع موارد كلام العربيّة، تجده يظهر لك شرف كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه، وإيّاك أنّ تنظر إلى إطلاق أنّ الجار والمجرور فضلة في الكلام وتأخذه على الإطلاق، بل تأمَّل موارد تقدّمه وتأخّره في الكتاب العزيز والسنة وكلام الفصحاء، وتفهَّم هذه القاعدة الجليلة تفهم منها اللفظ والمعنى، واعلم أنه لا بدّ من المحافظة على قواعد العربية وعلى فهم مبنى كلام العرب ومقاصدها، وقواعد العربية تقتضي أنَّ الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة، وأنَّ الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه، فهذا أصل الكلام ووصفه. ثمَّ قد يكون ذلك مقصود المتكلّم، وقد لا يكون على هذه الصورة، فإنَّه قد يكون المخبر عنه والمخبر به معلومين أو كالمعلومين، ويكون محطّ الفائدة في كونه على الصفة المستفادة من الجارّ والمجرور، كما نحن فيه، فإن المضطجع ووضع جنبه معلوم ورفعه كالمعلوم، وإنّما قلنا كالمعلوم ولم نقل معلوم لأنَّه قد يموت. انتهى.
(عن أبي الأزهر الأنماري) قال البغوي: لا أدري له صحبة أم لا، وقال أبو زرعة: هو صحابي روى ثلاثة أحاديث ولا يسمّى، وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: إنَّ رجلًا سمَّاه يحيى بن نفير، فلم يعرف ذلك.