الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نور الإيمان، ردّ الله عليه أو أمسكه. وأخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، قال أبو سعيد: قلت وكيف يكون يا رسول الله؟ قال: "يخرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه".
قال الطيبي في شرح المشكاة: يمكن أن يقال المراد بالإيمان هنا وفي حديث لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، الحياء كما ورد أن الحياء شعبة من الإيمان، أي لا يزني الزاني حين يزني وهو يستحي من الله تعالى، لأنه لو استحيى من الله واعتقد أنّه حاضر مشاهد لحاله لم يرتكب هذا الفعل الشنيع، وهذا الحديث تمثيل (مثل حياة (1) ثمّ وقاحته) (2) وخروج الحياء منه ثمّ نزعه عن الذنب وإعادة الحياء إليه، بتشبيك الرجل أصابعه ثمّ إخراجها منه ثم إعادتها إليه، كما كانت، تخويفا له وردعا حيث صوره بهذه الصورة.
وقال التوربشتي: هذا من باب الزّجر والتشديد في الوعيد، زجرًا للسامعين ولطفًا لهم، وتنبيها على أنّ الزنا من شِيَم أهل الكفر وأعمالهم، فالجمع بينه وبين الإيمان كالجمع بين المتنافيين، وفي قوله صلى الله عليه وسلم:"كان عليه مثل الظلّة" وهي السحابة التي تظلّ، إشارة إلى أنّه وإن خالف حكم الإيمان فإنّه تحت ظلّه لا يزول عنه حكمه ولا يرتفع عنه اسمه. انتهى.
***
[باب في القدر]
(1) كذا رسمت في أوفي ج رسمت هكذا: "حيوة" أمّا في ب فالكلمة غير موجودة.
(2)
في ب: "مثل وقاحته".
(ثنا موسى بن إسماعيل ثنا عبد العزيز بن أبي حازم (واسمه سلمة بن دينار)(1)(عن أبيه)(2) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم) هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح، وزعم أنَّه موضوع، وقال الحافظ ابن حجر فيما تعقبه عليه: هذا الحديث حسنه الترمذي وصحّحه الحاكم، ورجاله من رجال الصحيح إلَّا أن له علتين؛ الأولى: الاختلاف من بعض روّاته عن عبد العزيز بن أبي حازم، (وهو زكريا بن منصور)(3)، فرواه عن عبد العزيز بن أبي حازم فقال: عن نافع عن ابن عمر، والأخرى ما ذكره المنذري وغيره من أنّ سنده منقطع، لأن أبا حازم لم يسمع من ابن عمر، والجواب عن الثاني أن أبا الحسن بن القطّان القابسي (4) الحافظ، صحح السند وقال: إنّ أبا حازم عاصر ابن عمر وكان معه بالمدينة، ومسلم يكتفي في الاتصال بالمعاصرة فهو صحيح على شرطه، وعن الأول أنّ زكريا وصف بالوهم فلعله وهم فأبدل راويًا بآخر، وعلى تقدير أن (لا)(5) يكون وهم، فيكون لعبد العزيز فيه شيخان.
وإذا تقرّر هذا لا يسوغ الحكم بأنه موضوع، ولعل مستند من أطلق عليه الوضع، تسميتهم المجوس، وهم مسلمون، وجوابه أن المراد أنّهم كالمجوس في إثبات فاعلين لا في جميع معتقد المجوس ومن ثمّ ساغت إضافتهم إلى هذه الأمّة. انتهى.
وقال الخطابي: إنما جعلهم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذاهب المجوس في قولهم بالأصلين وهما النور والظلمة، يزعمون أنّ الخير من فعل النور
(1) غير موجود في سنن أبي داود المطبوع.
(2)
في سنن أبي داود المطبوع: "قال: حدّثني بمنى عن أبيه".
(3)
غير موجود في أ.
(4)
كذا بالنسخ الثلاث والمعروف أنه فاسي.
(5)
غير موجود في أ.
والشرّ من فعل الظلمة فصاروا ثنوية، وكذلك القدريّة يضيفون الخير إلى الله تعالى، والشرّ إلى غيره، والله تعالى خالق الأمرين معًا.
(إنّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض) قال الطيبي: القبضة ما يضمّ عليه من كل شيء و"من" إن كانت متعلقة بـ "خلق" تكون ابتدائية، أي: ابتدأ خلقه من قبضة، وإن كانت حالًا من "آدم" تكون بيانية، والقبضة هنا مطابقة لما في قوله تعالى:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} في بيان تصوير عظمة الله وجلاله وقدرته، وأن المكوّنات (1) كلها منقادة لإرادته ومسخّرات بأمره، فإذا ورد عليها كُن فكانت بما شوهد من الإنسان وقبضه الشيء على السهولة تسخيرًا له.
(والخبيث والطيّب) قال الطيبي: أراد بالخبيث من الأرض السبخة، ومن بني آدم الكافر، وبالطيب من الأرض العذبة، ومن بني آدم المؤمن.
(1) في أ: "المكنونات".
(ببقيع الغرقد) هو ضرب من شجر العضاة شجر الشوك، واحده غرقدة، كان في البقيع وقُطع.
(مخصرة) هي عصا خفيفة يختصر بها الإنسان، أي: يمسكها بيديه.
(ينكت) بالمثناة الفوقية آخره، أي: يضرب الأرض.
(منفوسة) أي: مولودة.
(أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل) إلى آخره قال الخطابي: هذا الحديث إذا تأمّلته أصبت منه الشّفا فيما يتخالجك من أمر القدر، وذلك أن هذا السائل لم يترك شيئًا ممّا يدخل في أبواب المطالبات والأسئلة الواقعة في باب التحرير والتعديل، إلَّا وقد طالب به وسأل عنه، فأعلمه على أن القياس في هذا الباب متروك، والمطالبة عليه ساقطة، وأنه أمر لا يشبه الأمور المعلومة التي قد عقلت معانيها وجرت معاملات البشر فيما بينهم عليها، وأخبر أنه إنَّما أمرهم بالعمل ليكون أمارة في الحال العاجلة لما يصيرون إليه في الحال الآجلة.
(والأمر أنف) بضمّتين أي مستأنف لم يتقدّم فيه شيء من قدر أو مشيئة. (أن تلد الأمَة ربتها) قال الخطابي: معناه: أن يتسع الإِسلام ويكثر السبي ويستولد الناس أمّهات الأولاد، فتكون ابنة الرجل من أمته في معنى السيدة لأمّها إذ كانت مملوكة لأبيها.
(العالة) الفقراء، واحدها عائل.
(رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) قال الخطابي: أراد الأعراب وأصحاب البوادي، الذين ينتجعون مواقع الغيث ولا يستقرّ بهم الدار، يعني أن البلاد تفتح فيسكنونها ويتطاولون في البنيان.
(من طرف السّماط) قال في النهاية: المراد الجماعة الذين كانوا جلوسا عن جانبيه.
(إنّ أوّل ما خلق الله القلم فقال له: اكتب) الحديث قال القاضي أبو بكر بن العربي: ليس يمتنع أن يكون جسمًا مؤلفًا، ولا خلاف بين الأمّة أنّه كذلك، وقد تظاهرت الآثار أنها أقلام، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم صريفها في ليلة الإسراء في العلوّ الأعلى، ويحتمل أن يكون أوّل مخلوق قلمًا واحدًا ثمّ خلقت سائر الأقلام بعده، ويحتمل أن يكون قوله أوّل ما خلق الله القلم، عبارة عن الجنس لا عن الواحد، والظاهر عندي أنّه واحد خلقت بعده أقلام سواه. انتهى.
(احتجّ آدم وموسى) الحديث، (قال الخطابي) (1): يحسب كثير من
(1) غير موجود في ب.
الناس أنَّ معنى القدر من الله والقضاء منه، معنى الإجبار والقهر على ما قضاه وقدره، ويتوهّم أن فلج آدم في الحجة على موسى إنما كان من هذا الوجه، وليس الأمر في ذلك على ما يتوهّمونه، وإنما معناه الإخبار عن تقدّم علم الله سبحانه بما يكون من أفعال العباد وأكسابهم، وصدورها عن تقدير منه، وخلق لها خيرها وشرّها، والقدر اسم لما صدر مقدّرًا عن فعل القادر، كما أن الهدم والقبض والنشر أسماء لما صدر (1) عن فعل الهادم والقابض والناشر، يقال قدرت الشيء وقدّرت خفيفة وثقيلة بمعنى واحد، والقضاء في هذا معناه الخلق كقوله تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أي خلقهن، وإذا كان كذلك، وقد بقي عليهم من وراء علم الله سبحانه فيهم أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور، وملابستهم إيّاها عن قصد وتعمّد وتقديم إرادة واختيار، فالحجة إنما تلزمهم بها واللائمة تلحقهم عليها.
وجماع القول في هذا الباب: أنّهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه، وإنما كان موضع الحجة لآدم على موسى إذ كان قد علم من آدم أنه يتناول الشجرة ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يردّ علم الله تعالى فيه وأن يبطله بضد ذلك.
وبيان هذا في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ، فأخبر قبل كون آدم أنّه إنما خلقه للأرض، وأنه لا يتركه في الجنّة حتى ينقله عنها إليها، وإنّما كان تناوله الشجرة سببًا لوقوعه إلى الأرض التي خلق لها، وليكون فيها خليفة وواليًا على من فيها. فإنَّما أدلى (صلى الله عليه وسلم)(2) بالحجّة على هذا المعنى، ودفع لائمة موسى عن نفسه على هذا الوجه، ولذلك قال:"أتلومني على أمر قدّره الله على قبل أن يخلقني". فإن قيل: فعلى هذا يجب أن يسقط القوم عنه أصلًا.
(1) في أ: "لما صدر مقدّرا".
(2)
في معالم السنن: "آدم عليه السلام".
قيل: اللّوم ساقط عنه من قبل موسى، إذ ليس لأحد أن يعيّر (1) أحدًا بذنب كان منه؛ لأنّ الخلق كلّهم تحت العبودية أكفاء سواء، وقد روي:"لا تنظروا إلى ذنوب العباد كأنّكم أرباب وانظروا إليها كأنّكم عبيد"، ولكنّ اللّوم لازم لآدم من قِبَل الله سبحانه إذ كان قد أمره ونهاه، فخرج إلى معصيته وباشر النهي عنه، ولله الحجة البالغة سبحانه لا شريك له.
وقول موسى عليه الصلاة والسلام: وإن كان منه في النّفوس شبهة، وفي ظاهره متعلّق لاحتجاجه بالسبب الذي قد جعل أمارة لخروجه من الجنة، فقول آدم في تعلقه بالسبب الذي هو بمنزلة الأصل أرجح وأقوى، والفلج قد يقع مع المعارضة بالترجيح، كما يقع بالبرهان الذي لا معارض له. انتهى.
وقال الشيخ عز الدِّين بن عبد السلام: في هذا الحديث إشكال؛ لأن القدر لا ينفي اللّوم عن المكلّفين، قال: والجواب أن لنا قاعدة وهي أن المذنب المرتكب للمحرّم ينهى ويوبّخ حالة تلبسه بالمحرّم، دفعًا للمفسدة، وكذلك بعد انقضاء فعله وقبل توبته دفعًا للمفاسد وما يتوقع منه من المحرّمات، لا لأجل ما مضى؛ لأنه لا يمكن رفعه بعد وقوعه، فلا معنى لمشروعية الزجر عنه في حقه، وأمّا بعد فعله وتوبته فلا معنى للتوبيخ لأجل الماضي لما تقرّر، ولا لأجل المستقبل لأن التائب يغلب على الظن أنّه لا يرتكب المحرّم؛ لأن الإنابة والخوف من الله عز وجل مانعان من ذلك فلا حاجة إلى التوبيخ، وآدم عليه السلام (2) كان بهذه المثابة، فلا يحسن لومه وقد أخبر الله تعالى أنّه تاب عليه، وإنما عتب آدم على موسى لمخالفة هذه القاعدة، فكأنّه قد قال له: كان الأصل أن لا يلام على مقدر؛ لأن العبد مقهور فيه، لا سيما إذا اتّصف العبد بالتوبة، ولهذا أشار آدم بقوله:"قدّر علي". انتهى.
(1) في ب: "يعيب".
(2)
في أ: "عليه الصلاة والسلام".
(عن مسلم بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: "إنّ الله خلق آدم ثمّ مسح ظهره") الحديث قال البيضاوي: يحتمل أن يكون الماسح هو الملك الموكّل على تصوير الأجنة وتخليقها وجمع موادها وإعداد عددها (1)، وإنما أسند إلى الله تعالى من حيث هو الآمر به كما أسند إليه التوفي في قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} ، والمتوفّي لها الملائكة لقوله تعالى:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} ، ويحتمل أن يكون الماسح الباري تعالى، والمسح من باب التمثيل، وقيل: هو من المساحة بمعنى التقدير كأنّه قال قدّر ما في ظهره من الذرية.
(1) في ب: "عدّها".
وقال الإِمام فخر الدِّين الرازي: أطبقت المعتزلة على أنّه لا يجوز تفسير الآية بالحديث؛ لأن قوله: {مِنْ ظُهُورِهِمْ} بدل من قوله: {بَنِي آدَمَ} فالمعنى وإذ أخذ ربّك من ظهور بني آدم، فلم يذكر أنّه أخذ من ظهر آدم، ولو كان لما قال:{مِنْ ظُهُورِهِمْ} بل يجب أن يقول: من ظهره ذريته.
وأجاب الإِمام: إنَّ ظاهر الآية يدلّ على أنّه تعالى أخرج الذرية من ظهور بني آدم، وأمّا أنّه أخرج تلك الذرية من صلب آدم فليس في لفظ الآية ما يدلّ على ثبوته ولا على نفيه، إلَّا أن الخبر قد دل عليه، فثبت إخراج الذرية من ظهر بني آدم بالقرآن وإخراج الذر من ظهر آدم بالخبر، ولا منافاة بينهما، فوجب المصير إليهما معًا صونًا للآية والخبر عن الاختلاف.
قال البيضاوي: والتوفيق بينهما أن يقال: المراد من بني آدم في الآية آدم وأولاده، فكأنّه صار اسمًا للنوع كالإنسان، والمراد من الإخراج توليد بعضهم من بعض على من الزمان، واقتصر في الحديث على ذكر آدم اكتفاء بذكر الأصل عن ذكر الفرع.
قال الطيبي: ونظير معنى الآية على هذا، قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} فإن قوله: {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} شامل لآدم أيضًا لقوله: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} ، ولا ريب (1) في أن هذا هو المراد، ولأن السّائل كان أشكل عليه معنى الآية فطلب منه صلوات الله وسلامه عليه حلّ إشكاله، فلما فسره صلى الله عليه وسلم بما فسّره، وكشف له ما أبهم عليه، سكت لأنّه كان بليغًا عارفًا بصياغة الكلام وإلا لما سكت. وقال الأشرفي: قال صلى الله عليه وسلم في حقّ أهل الجنّة: "ثمّ مسح ظهره بيمينه" لأن الخير ينسب إلى اليمين، وفي حق أهل النار بـ "يده"، ليفرّق بين القبيلين من أهل الجنة والنار، وأعرض (2) عن ذكر الشمال تأدبًا على ما ورد كلتا يدي الرّحمن يمين. انتهى.
(1) في أيمكن قراءتها: "ترتب".
(2)
في ب: "فأعرض".