الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم) قال المظهري: أي: لا تناظروهم ولا تبحثوا معهم عن الاعتقاد، فإنّهم يوقعونكم في الشكّ، ويشوّشون عليكم اعتقادكم.
***
[باب في الجهمية]
(لا يزال الناس يتساءلون) قال الطيبي: التساؤل جريان السؤال بين اثنين فصاعدًا، ويجوز أن يكون بين العبد والشيطان والنفس أو إنسان آخر، ويجري بينهما السؤال في كل نوع حتى يبلغ أن يقال هذا (حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ ) قال الطّيبي: يحتمل أن يكون "هذا" مفعولًا، والمعنى حتى يقال هذا القول، وأن يكون مبتدأ حذف خبره، أي هذا القول أو قولك هذا (1) قد علم أو عرف، أو هذا مقرّر، أو مسلّم، وهو أن الله خلق الخلق فما تقول في الله؟ وقوله:"خلق الله الخلق" بيان لقوله هذا مسلّم، ووجه آخر وهو أن يقدّر هذا القول مفرد فوضع خلق الله
(1) في أ: "بهذا".
الخلق موضع القول، كقوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} أي إذا قيل لهم هذا القول، لأنّ لا تفسدوا فِعْل لا يقع مفعولًا إلّا على التأويل، وهذا القول كفر. (فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله) تداركًا بكلمة الإيمان.
(عن أبي هريرة سمعت (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يذكر نحوه)) (2) لفظه كما في عمل اليوم والليلة لابن السنيّ: "يوشك (أنّ) (3) النّاس يتساءلون حتى يقول قائلهم هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ ".
(فقولوا: {اللَّهُ أَحَدٌ}) قال المظهري: يعني قولوا في ردّ هذه الوسوسة الله تعالى ليس مخلوقًا، بل هو أحد، والأحد هو الذي لا ثاني له ولا مثل له في الذات والصّفة.
(ثمّ ليتفل عن يساره ثلاثًا) قال المظهري: هو عبارة عن كراهة الرجل شيئًا وتقذّره عنه، مراغمًا للشيطان وتبعيدًا له. (وليستعذ من الشيطان) قال المظهري: الاستعاذة طلب المعاونة من الله الكريم على دفع الشيطان الرجيم.
وقال الطيبي: إنّما أمره بالاستعاذة والإعراض عن مقابلته لا بالتأمل والاحتجاج لوجهين؛ أحدهما: أنّ العلم باستغنائه تعالى عن المؤثّر والموجد أمر ضروري لا يقبل الاحتجاج والمناظرة له، وعليه فإن وقع من ذلك شيء
(1) في سنن أبي داود المطبوع: "قال: سمعت".
(2)
في سنن أبي داود المطبوع: "يقول فذكر نحوه".
(3)
غير موجود في أ. وغير موجود أيضًا في عمل اليوم والليلة لابن السنّي ح 628.
كان من وسوسة الشيطان، لأنّه مسلّط في باب الوسوسة، ووساوسه غير متناهية، فمهما عارضه فيما يوسوس بحجّة يجد مسلكًا آخر إلى ما يبعث (1) من المغالطة والتشكيك، وأدنى ما يفيده من الاسترسال في ذلك إضاعة الوقت، فلا تدبير في دفع ذلك أقوى وأحسن من الاستعاذة بالله، قال تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} ، والثاني: أنّ السبب في اعتوار أمثال ذلك، احتباس المرء في عالم الحسّ، وما دام هو كذلك فلا يزيده فكره إلّا انهماكًا في الباطل وزيغًا عن الحقّ، ومن كان هذا حاله فلا علاج له إلّا الالتجاء إلى الله تعالى والاعتصام بحوله وقوّته، بالمجاهدة والرياضة، فإنّهما ممّا يزيل البلادة ويصفّي الذهن ويزكّي النفس. انتهى.
(1) في ب: رسمت هكذا: "يتعبه".