الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قديمًا من نيّف وعشرين سنة سمّيته طيّ اللسان عن ذمّ الطيلسان، وقد سرقه ذلك السّارق الذي سرق كتابي المعجزات والخصائص ومسالك الحنفاء، فأدخلها في مجموعه، وأدخل الآخر معها بنصّه، ثمّ ألّفت تأليفًا آخر أبسط منه سمّيته الأحاديث الحسان في لبس الطيلسان، تقبّل الله تعالى ذلك بمنّه وفضله.
***
[باب ما جاء في إسبال الإزار]
(عن أبي جريّ) بضمّ الجيم وفتح الرّاء وتشديد اليّاء مصغّرًا.
(لا تقل عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت) قال الخطّابي: هذا يوهم أنّ السنَّة في تحيّة الميّت أن يقال له: عليك السلام، وقد ثبت أنّه صلى الله عليه وسلم دخل المقبرة فقال:"السلام عليكم دار قوم مؤمنين"، فقدّم الدّعاء على اسم المدعوّ له كما في تحيّة الأحياء، وإنّما كان ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة بينهم في تحيّة الأموات إذ كانوا يقدّمون اسم الميت على الدّعاء وهو مذكور في أشعارهم؛ كقوله:
عليك سلام الله قيس بن عاصم (1)
…
ورحمته ما شاء أن يترحّما
وقوله:
عليك سلام من أمير (2) وباركت
…
يد الله في ذاك الأديم الممزّق
والسنّة لا تختلف في تحيّة الأحياء والأموات بدليل الحديث الذي ذكرناه. وقال في النهاية: هذا إشارة إلى ما جرت به عادتهم في المراثي، كانوا يقدّمون ضمير الميّت على الدّعاء له - كما في البيتين -، وإنّما فعلوا ذلك لأنّ المسلِّم على القوم يتوقع الجواب وأن يقال له عليك السلام، فلمّا كان الميّت لا يتوقّع منه جواب جعلوا السّلام عليه كالجواب، وقيل أراد بالموتى كفّار الجاهلية، وهذا في الدّعاء بالخير والمدح، فأمّا في الشرّ والذمّ فيقدّم الضمير كقوله تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} ، وقوله:{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} ، والسنَّة لا تختلف في تحيّة الأحياء والأموات.
وقال الشيخ تقيّ الدين السبكي: أخذ القاضي حسين وصاحب التتمّة
(1) في أ: "عامر".
(2)
في معالم السنن: "أديم".
بظاهر هذا الحديث وقالا: المستحبّ أن يقول: في السّلام على الموتى وعليكم السّلام دار قوم مؤمنين، ولا يقول: السلام عليكم، (قالا) (1): لأنّهم ليسوا أهلا للخطاب. قال السبكي: وهذا مخالف للحديث الصّحيح، والصّواب أنّه يسلّم على الميّت كما يسلّم على الحيّ.
وقال ابن القيم في البديع: قال قوم حديث السّلام عليكم أصحّ من حديث النهي، وذهب آخرون إلى أنّ السنّة ما دلّ عليه حديث النهي، قال: وكلّ من الفريقين إنّما أوتوا من عدم فهم مقصود الحديث، فإنّ قوله صلى الله عليه وسلم:"فإنّ عليك السلام تحيّة الموتى"، ليس تشريعًا منه وإخبارًا عن أمر شرعيّ، وإنّما هو إخبار عن الواقع المعتاد الذي جرى على ألسنة الناس في الجاهلية، والإخبار عن الواقع لا يدلّ على الجواز فضلًا عن الاستحباب، فتعيّن المصير إلى ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم على الأموات.
فإن تخيّل متخيّل في الفرق، أنّ السّلام على الأحياء يتوقّع جوابه فقدّم الدعاء على المدعوّ له، بخلاف الميّت، قلنا: والسّلام على الميت يتوقّع جوابه كما ورد به الحديث. انتهى.
(1) غير موجود في أ.
(المنّان الذي لا يعطي شيئًا إلّا منَّة) قال الخطّابي: وفيه وجه آخر أن يراد بالمنّ النّقص، يريد النقص من الحقّ والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما، ومنه:{وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)} أي: غير منقوص.