الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في لزوم السنة]
(ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه) قال الخطابي: يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون معناه أنّه أوتي من الوحي الباطن غير المتلوّ مثل ما أوتي من الظاهر المتلوّ، والثاني: أن معناه أنّه أوتي الكتاب وحيًا يُتلى وأوتي مثله من البيان، أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعمّ ويخصّ، وأن يزيد عليه فيشرّع ما ليس له في الكتاب ذِكر، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلوّ من القرآن.
(ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن) إلى آخره قال الخطابي: يحذر بذلك مخالفة السّنن التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ممّا ليس له في القرآن ذكر، على ما ذهبت إليه الخوارج والرّوافض، فإنّهم تغلّقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي (قد ضمنت)(1) بيان الكتاب فتحيروا وضلوا، و"الأريكة" السرير، ويقال إنَّه لا يسمّى أريكة حتى يكون في حجلة، وإنّما أراد بهذه الصفة أصحاب التّرفه والدَّعَة الذين لزموا البيوت، ولم يطلبوا العلم، ولم يغدوا ولم يروحوا في طلبه من مظانّه، واقتباسه من أهله.
(1) في ب: "تضمّنت".
قال: وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث إلى أن يعرض على الكتاب، وأنّه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجّة بنفسه، فأمّا ما رواه بعضهم أنه قال:"إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه"، فإنّه حديث باطل لا أصل له، وقد حكى زكريا البهاجي عن يحيى بن معين أنّه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة. وقد روي هذا من حديث الشاميين عن يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان، ويزيد بن ربيعة مجهول ولا يعرف له سماع من أبي الأشعث، وأبو الأشعث لا يروي عن ثوبان، إنَّما يروي عن أبي أسماء الرّحبي عن ثوبان.
قال: وقوله: (ولا لقطة معاهد الّا أن يستغني عنها صاحبها) معناه إلَّا أن يتركها صاحبها لمن أخذها، استغناء عنها.
وقوله: (فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه) معناه أن له أن يأخذ من مالهم قدر قراه، عوضًا وعقبى ممّا حرموه من القِرى، وهذا في المضطرّ الذي لا يجد طعامًا ويخاف على نفسه التلف.
(والسمع والطاعة وإن عبد حبشي (1)) قال الخطابي: يريد به طاعة من ولاه الإِمام، ولم يرد بذلك أن يكون الإِمام عبدًا حبشيًّا، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"الأئمة من قريش"، وقد يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح في الوجود، كقوله:"من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة" وقدر مفحص القطاة لا يكون مسجدًا لآدمي، وقوله:"لو سرقت فلانة لقطعتها" وهي لا يتوهم عليها السرقة، وقوله:"لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده"، ونظائره كثيرة.
(وسنة الخلفاء المهديّين) هذا من الإخبار بالغيب عن خلافة الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم.
(وعضّوا عليها بالنواجذ) بالذال المعجمة، وهي الأضراس، واحدها ناجذ، قال الخطابي: أراد بذلك الجدّ في لزوم السنة، فعل من أمسك الشيء بين أضراسه وعضّ عليه منعًا له من أن ينتزع، وذلك أشدّ ما يكون من التمسك بالشيء إذ كان ما يمسكه بمقاديم فمّه أقرب تناولا وأسهل انتزاعًا، وقد يكون معناه أيضًا: الأمر بالصبر على ما يصيبه من المضض في ذات الله، كما يفعل المتألم بالوجع يصيبه.
(فإن كلّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) قال الخطابي: هذا خاصّ في بعض الأمور دون بعض، وكل شيء أحدث على غير مثال أصل من أصول الدين وعلى غير عبارته (2) وقياسه، وأمّا ما كان منها مبنيًّا على قواعد الأصول فليس ببدعة ولا ضلالة.
(1) في سنن أبي داود المطبوع: "وإن عبدًا حبشيا".
(2)
في معالم السنن: "عياره".