الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لا قطع في ثمر) قال الخطّابي: تأوَّله الشافعي على ما كان معلّقًا في النخل قبل أن يجدّ ويحرز (ولا كثر) بفتح الكاف والمثلّثة، جمار النخل، قال في النهاية: هو شحمه الذي في وسط النخلة.
***
[باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا]
(رفع القلم على ثلاثة) قال الشيخ تقيّ الدّين السبكي في الكتاب الذي ألَّفه في شرح هذا الحديث ويسمَّى "إبراز الحكم من حديث رفع القلم": كذا وقع في جميع الرّوايات "عن ثلاثة"، ويقع في بعض كتب الفقهاء "عن ثلاث" بغير هاء، ولا وجه له، وصواب الحديث كما ورد في سؤالات ابن الجنيد عن يحيى بن معين قال: ليس يروي هذا الحديث أحد إلَّا حماد بن سلمة عن حماد، قال السبكي: وقوله "رفع القلم" هل هو حقيقة أو مجاز؟ فيه احتمالان:
أحدهما: وهو المنقول المشهور أنَّه مجاز لم يرد فيه حقيقة القلم ولا الرفع، إنَّما هو كناية عن عدم التكليف، ووجه الكناية فيه أنَّ التكليف يلزم منه الكتابة ولهذا يعبّر بالكتابة (1) عنه كقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ، وكقوله صلى الله عليه وسلم:"خمس صلوات في اليوم والليلة كتبهنّ الله على العباد"، ويلزم من الكتابة القلم، لأنَّه آلة لها فالقلم لازم التكليف، وانتفاء اللازم يدلّ على انتفاء ملزومه، فلذلك كنى بنفي القلم عن نفي الكتابة وهي من أحسن الكنايات، وأتى بلفظ الرفع إشعارًا بأنّ التكليف لازم لبني آدم إلَّا هؤلاء الثلاثة، وأنَّ صفة الوضع أمر ثابت للقلم لا ينفكّ عن غير هذه الثلاثة موضوعًا عليه حتى يرفع، ولو لم يوضع أو لم يكتب على ثلاثة لم يكن فيه إشعار بذلك، وأنَّه في أصله متصف بالوضع والجريان على كلّ مخلوق من العالمين وهذه فائدة جليلة، فاستعمل الرفع في موضع عدم الوضع بطريق المجاز، واستعمال عدم وضع القلم في موضع عدم الكتابة بطريق المجاز، وعدم الكتابة مجاز في عدم التكليف والوضع الذي أشعر به لفظ الرفع مجاز أيضًا بالنسبة إلى هؤلاء الثلاثة إذ لم يتقدَّم في حقهم إلَّا بطريق القوة لا بطريق الفعل.
الاحتمال الثاني: أن يراد حقيقة القلم الذي ورد فيه الحديث: "أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة"، فأفعال العباد كلّها حسنها وسيئها، يجري به ذلك القلم، ويكتبه حقيقة، وثواب الطاعات وعقاب السيئات يكتبه حقيقة، وقد خلق لذلك وأمر بكتبه وصار موضوعًا على اللوح المحفوظ ليكتب ذلك فيه جاريًا به إلى يوم القيامة، وقد كتب ذلك وفرغ منه وحفظ، وفعل الصبي والمجنون والنائم لا إثم فيه، فلا يكتب القلم إثمه ولا التكليف به، فحكم الله بأنَّ القلم لا يكتب ذلك من بين سائر الأشياء رفع للقلم الموضوع للكتابة، والرَّفع فعل الله تعالى، فالرفع في نفسه حقيقة والقلم حقيقة والمجاز في شيء واحد وهو أنّ القلم لم يكن موضوعًا على هؤلاء الثلاثة إلَّا بالقوة والنهي
(1) في ب: "بالكناية".
لأن يكتب ما يصدر منهم، فسمي منعه من ذلك رفعًا، فمن هذا الوجه يشارك هذا الاحتمال الاحتمال الأوّل، وفيما قبله يفارقه.
(حتى يستيقظ) قال السبكي: هو وقوله: "حتى يبرأ" و"حتى يكبر" غايات مستقبلة، والفعل المغيا بها وهو قوله:"رفع" ماض، والماضي لا يجوز أن تكون غايته مستقبلة، فلا تقول سرت أمس حتى تطلع الشمس غدًا، لأنّ مقتضى كون الفعل ماضيًا كون أجزاء المغيا جميعها ماضية، والغاية طرف المغيا، ويستحيل أن يكون المستقبل ظرفًا (1) للماضي لأنّ الآن (2) فاصل بينهما، والغاية إمّا داخلة في المغيا فتكون ماضية أيضًا، وإمّا خارجة عنه مجاوزة له فيصحّ أن يكون الآن غاية للماضي، وإقا أن تكون منفصلة حتى يكون المنفصل المستقبل عن الماضي غاية له، فكيف قال:"رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ"؟ قال: وهذا السؤال أنا حرّكته، وجوابه بالتزام حذف أو مجاز حتى يصحّ الكلام، فيحتمل أن يقدّر رفع (3) القلم عن الصبي فلا يزال مرتفعًا حتى يبلغ، أو فهو مرتفع حتى يبلغ، فيبقى الفعل الماضي على حقيقته والمغيا محذوف، به ينتظم الكلام، ويحتمل أن يقال ذلك في الغاية وهو قوله:"حتى يبلغ" والمعنى حتى بلوغه لأنّ هذا إخبار عن حكم شرعي حكم الله به في الأزل، وأنّه رفع عن كلّ من ثبت له الصّبا في وقت ما حتى بلوغه، فيشمل ذلك من كان صبيًّا وبلغ في الماضي ومن هو صبي الآن ويبلغ في المستقبل ومن يصير صبيًّا ويبلغ بعد ذلك، وهذه الاحتمالات كلّها في التقدير إمّا في التجوّز في الفعل الثاني، أو الفعل الأول أو الحذف، راجعة إلى معنى واحد وهو الحكم برفع القلم إلى الغاية المذكورة، وقد روى ابن ماجه الحديث بلفظ:"يرفع" بصيغة الفعل المضارع فلا يرد السؤال على هذه الرواية.
(وعن الصبيّ) قال السبكي: قال الجوهري: الصبي: الغلام، وقال
(1) في ب: "طرفا".
(2)
في ج: "الأول".
(3)
في أ: "ورفع".
غيره: الولد في بطن أمّه يسمى جنينًا، فإذا ولد فصبيّ، فإذا فطم فغلام إلى سبع، ثمَّ يصير يافعًا إلى عشر، ثمّ حَزَوّرًا إلى خمسة عشر، والذي يقطع (1) به أنّه يسمّى صبيًّا في هذه الأطوار كلّها إلى البلوغ، وفي الحديث:"أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبيّ لم يأكل الطعام"، ويطلق (2) على ما بعد العشر إلى البلوغ كقوله في هذا الحديث:"وعن الصبي"، قال: ثمَّ إنّ الرّفع يقتضي سبق وضح، وهو صحيح في النائم بلا إشكال، باعتباره (3) وضح عليه قبل نومه، وفي المجنون قبل جنونه إذا سبق له حال تكليف، بخلاف الصبي فإنّه لم يكن القلم موضوعًا عليه حتّى يرفع إذ لا حالة تكليف له قبل ذلك.
قال: وجوابه أنّ هذا غير لازم، ونظيره قول يوسف عليه الصلاة والسلام:{إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ، وهو لم يكن على تلك الملّة أصلًا، وكذا قول شعيب:{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} ، ومعلوم أنّ شعيبًا لم يكن على ملّتهم قطّ، وقد قال الحليمي وتبعه البيهقي: إن الأحكام إنّما نيطت (4) بخمس عشرة سنة من عام الخندق، وقبل ذلك كانت تتعلّق بالتمييز، وإذا ثبت هذا، فيحتمل أن يكون المراد بالحديث انقطاع ذلك الحكم، وبيان أنَّه ارتفع التكليف عن الصبي وإن ميزّ حتى يبلغ، فيصحّ فيه أنَّه رفع بعد الوضح.
(حتى يكبر) قال السبكي: ليس فيها من البيان ولا في قوله: "حتى يبلغ" ما في الرواية الثالثة: "حتى يحتلم"، فالتمسّك بها أولى لبيانها وصحّة سندها، وقوله:"حتى يبلغ" مطلق والاحتلام مقيّد فيحمل عليه، فإنّ الاحتلام بلوغ قطعًا، وعدم بلوغ الخمسة عشر ليس ببلوغ قطعًا، قال: وشرط (5) هذا الحمل ثبوت اللفظين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) في ب: "نقطع".
(2)
في ج: "فيطلق".
(3)
في أ: "باعتبار".
(4)
في ب: "أنيطت".
(5)
في ب: "وشرطا".
(أتي عمر بمجنونة قد زنت) الحديث قال الخطّابي: لم يأمر عمر برجم مجنونة مطبق عليها في الجنون ولا يجوز أن يخفى هذا عليه ولا على أحد ممَّن بحضرته، ولكن هذه امرأة كانت تجنّ مرّة وتفيق أخرى، فرأى عمر أن لا يسقط عنها الحدّ لما يصيبها من الجنون إذا كان الزنا منها في حال الإفاقة، ورأى علي أنّ الجنون شبهة يدرأ بها الحدّ عمّن يبتلى به، والحدود تدرأ بالشبهات، ولعلّها قد أصابت ما أصابت وهي في بقيّة من بلائها فوافق اجتهاد عمر اجتهاده في ذلك، فدرأ عنها الحدّ.
(قال أبو داود: رواه ابن جريج عن القاسم بن زيد عن علي) قال السبكي: هذه الرّواية معلّقة منقطعة، وقد رواها (1) ابن ماجه قال: ثنا محمد بن بشار ثنا روح بن عبادة ثنا ابن جريج أخبرني القاسم بن يزيد عن علي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرفع القلم عن الصغير وعن المجنون وعن النائم"، وهذا منقطع لأنّ القاسم بن يزيد لم يدرك عليا. (زاد فيه: والخرف) قال السبكي: يقتضي أنَّه زائد على الثلاثة، وهذا صحيح، والمراد به الشيخ الكبير الذي زال عقله من الكبر، فإن الشيخ الكبير قد يعرض له اختلاط عقل يمنعه من التمييز ويخرجه عن أهلية التكليف ولا يسمّى جنونًا، فإنّ الجنون يعرض من أمراض سوداوية وتقبل العلاج، والخرف بخلاف ذلك، ولهذا لم يقل في الحديث حتى يعقل، لأنّ الغالب أنّه لا يبرأ منه إلى الموت، ولو برأ في بعض الأوقات برجوع عقله تعلّق به التكليف، فسكوته عن الغاية فيه لا يضرّ كما سكت عنها في بعض الرّوايات في المجنون، وهذا الحديث وإن كان منقطعًا (2) لكنّه في معنى المجنون، كما أنّ المغمى عليه في معنى النائم ولا يفوت الحصر بذلك إذا نظرنا إلى المعنى، فهم في الصورة خمسة: الصبي، والنائم، والمغمى عليه، والمجنون، و (الخرف)(3)، وفي المعنى ثلاثة، ولمّا لم يكن النائم في معنى المجنون، لأنّ الجنون يفسد العقل بالكليّة، والنوم شاغل له فقط، فبينهما تباين كثير، لم يجعل في معناه، وعُدّا شيئين وأحكامهما مختلفة، بخلاف الخرف والجنون فإن أحكامهما واحدة وبينهما تقارب، ويظهر أن الخرف رتبة متوسطة بين الإغماء والجنون، وهي إلى الإغماء أقرب.
* * *
(1) في ج: "رواه".
(2)
في أ: "معلّقا".
(3)
غير موجود في ب.