الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في الطّيرة]
(" الطّيرة شرك" ثلاثًا "وما منّا إلّا ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل) قال الخطّابي: معناه وما منّا إلَّا من قد يعتريه التطيّر ويسبق إلى قلبه الكراهة فيه، فحذف اختصارًا للكلام واعتمادا على فهم السامع، وقال محمد بن إسماعيل: كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول هذا الحرف ليس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنّه قول ابن مسعود.
وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: قوله (1): "وما منّا" إلى آخره، مدرج في الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قاله (2) بعض الحفّاظ وهو الصواب.
قلت: وهذا الحذف يسمّى في البديع بالاكتفاء.
قال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام: والفرق بين الطّيرة والتطيّر أنّ التطيّر هو الظنّ السيّء الذي في القلب، والطيرة هو الفعل المرتّب على الظنّ السيّء.
وقال البيهقي في شعب الإيمان. التّطيّر زجر الطير وإزعاجها عن أوكارها عند إرادة الخروج للحاجة، حتى إذا مرّت على اليمين تفاءل به ومضى على وجهه، وإن مرّت على الشمال تفاءل (3) به ورجع وقعد، وهذا من فعل أهل الجاهلية الذين كانوا يوجبون ذلك ولا يضيفون التدبير إلى الله.
(1) في أ: "في قوله".
(2)
في أ: "قال".
(3)
كذا في النسح الثلاث، وفي شعب الإيمان 2/ 61 (ط: دار الكتب العلمية): "تشاءم".
وقوله: "الطيرة شرك" يريد على ما كان أهل الجاهلية يعتقدون فيها، وقوله:"وما منّا إلَّا" يقال: هذا من قول عبد الله بن مسعود وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله "وما منّا إلَّا" يريد وما منّا إلَّا وقع في قلبه شيء عند ذلك على ما جرت به العادة وقضت به التجارب، لكنه لا يقرّ فيه بل يحسن اعتقاده أن لا مدبّر سوى الله فيسأل الله الخير ويستعيذ به من الشرّ، ويمضي على وجهه متوكّلًا على الله تعالى. انتهى.
(لا عدوى) قال الخطّابي: يريد أنّ شيئًا لا يعدي شيئًا حتى يكون الضّرر من قبله، وإنّما هو بتقدير الله عز وجل وسابق قضائه فيه.
(ولا صفر) حكى أبو عبد الله (1) عن رؤبة بن الحجّاج أنّه سئل عن الصفر فقال: هو حيّة تكون في البطن تصيب الماشية والناس، قال: وهي أعدى من الجرب. قال أبو عبد الله: فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم أنّها تعدي.
(1) كذا في النسخ الثلاث، وفي معالم السنن:"أبو عبيد".
(لا يوردنّ ممرض على مصحّ) قال الخطّابي وابن الأثير: الممرض الدْي له إبل مرضى، والمصحّ صاحب الصّحاح منها، فنهى الممرض أن يسقي إبله مع إبل المصحّ، لا لأجل العدوى، ولكن الصّحاح ربّما عرض لها مرض فوقع في نفس صاحبها أنّ ذلك من قبل العدوى فيفتنه ويشكّكه، فأمر باجتنابه والبعد عنه، وقد يحتمل أن يكون ذلك من قبل الماء والمرعى تستوبئه الماشية فتمرض، فإذا شاركها غيرها في ذلك أصابه مثل ذلك الداء، فكانوا لجهلهم يسمّونه عدوى وإنّما هو فعل الله تعالى.
(ولا نوء) قال أبو عبيد: إنّما (1) غلّظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء لأنّ العرب كانت تنسب المطر إليها، وكانوا يقولون إنّ مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر وينسبونه إليها، والأنواء ثمان وعشرون منزلة، ينزل القمر كلّ ليلة في منزلة منها ويسقط في الغرب (2) كلّ ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر وتطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة.
(لا غول) قال في النّهاية: الغول أحد الغيلان وهي جنس من الجنّ والشياطين كانت العرب تزعم أنّ الغول في الفلاة تترآى للناس فتتغوّل تغوّلًا
(1) في ج: "كذا".
(2)
في ج: "المغرب".
أي: تتلوّن تلوّنا في صور شتى وتغولهم أي: تضلّهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه وأبطله، وقيل: ليس نفيًا لعين الغول ووجوده وإنّما فيه إبطال زعم العرب في تلوّنه بالصّور المختلفة واغتياله، فيكون معنى "لا غول" أنّها لا تستطيع أن تضلّ أحدًا ولا تقدر على ذلك إلَّا بإذن الله تعالى، وبهذا جزم الخطّابي.
(ولا طيرة) قال ابن القيم في مفتاح دار السّعادة: (و)(1) هذا يحتمل أن يكون نفيًا وأن يكون نهيًا، أي: لا تتطيّروا، ولكن قوله في الحديث:"لا عدوى ولا صفر ولا هامة" يدل على أنّ المراد النفي وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها، والنفي في هذا أبلغ من النهي لأنّ النفي يدلّ على بطلان ذلك وعدم تأثيره، والنهي إنّما يدلّ على المنع منه.
(وبعجبني الفأل) بالهمز.
(والفأل الصالح الكلمة الحسنة) هو من تتمّة الحديث المرفوع وليس مدرجًا، صرّح بذلك الخطابي وابن الأثير، قال الخطّابي: قد أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الفأل هو أن يسمع الإنسان الكلمة الحسنة فيتفاءل بها أي يتبرّك بها ويتأوّلها على المعنى الذي يطابق اسمها، وأنّ الطيرة بخلافها وإنّما أخذت من اسم الطير وذلك أنّ العرب كانت تتشاءم ببروح الطير إذا كانوا في سفر أو سير فيصدّهم ذلك عن السير ويردّهم عن بلوغ ما يمّموه من مقاصدهم، فأبطل صلى الله عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثير في اختلاف ضرر أو نفع، واستحبّ الفأل بالكلمة الحسنة يسمعها من ناحية حسن الظنّ بالله عز وجل.
ثمّ روى عن الأصمعي قال: سألت ابن عون عن الفأل قال: هو أن يكون مريضًا فتسمع يا سالم، أو يكون طالبًا فتسمع يا واجد.
(1) غير موجود في أ.
قال في النهاية: فيقع في ظنّه أنّه يبرأ من مرضه ويجد ضالّته، قال وإنّما أحبّ صلى الله عليه وسلم الفأل لأنّ الناس إذا أمِلوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كلّ سبب ضعيف أو قويّ، فهم على خير ولو غلطوا في جهة الرّجاء، فإنّ الرّجاء لهم خير، فإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشرّ، وأمّا الطيرة فإنّ فيها سوء الظنّ بالله وتوقع البلاء.
(ذكرت الطّيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل) قال في النهاية: جاءت الطّيرة بمعنى الجنس، والفأل بمعنى النوع.
(عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال: أخذنا فألك من فيك) رواه أبو نعيم في الطب من حديث كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جدّه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول هاكها خضرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا لبيك نحن أخذنا فألك من فيك اخرجوا بنا إلى خضرة"، فخرجوا إليها فما سلّ فيها سيف.
(الشؤم في الدّار والمرأة والفرس) قال الخطّابي: قيل إنّ شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد. وقال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام: في هذا الحديث إشكال لأنّه إن أراد التشاؤم فالواقع أنّ الناس يتشاءمون بهذه وغيرها، وإن أراد بالشؤم ما اشتملت عليه هذه الأشياء من المفاسد فيصير معنى الكلام إنّما المفاسد في هذه الأشياء، وهذا الحصر مشكل لأنّ غالب ما في الدنيا قد اشتمل على مفسدة ولو بوجه ما، وإذا كان كذلك فلا يمكن الحصر حينئذٍ في الثلاثة؟
قال: والجواب أنّ المراد التشاؤم بها وهو القسم الأوّل في السؤال، وذلك لأنّ التشاؤم يعقبه الضّرر الذي يخافه المتطيّر، فتارة يعقبه لأنّ التشاؤم سبب عادي فلذلك ترتّب عليه، وتارة يعقبه عقوبة لتطير المتشائم فإنّ التطيّر ظنّ، وقد قال الربّ سبحانه وتعالى:"أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء" وروي: "فليظنّ بي خيرًا"، فأجرى الله عادته أن يعاقب من أساء الظنّ به بالمفسدة التي وقع التطيّر بها، فالضّرر يصل إلى المتطيّر في هذه الثلاث لأنّ التطيّر سبب، أو لأنّ سوء الظنّ سبب، وأمّا في غيرها فلسبب واحد وهو سوء الظنّ، فالحصر إنّما ورد على سبب التطيّر لا أنّها منحصرة في هذه الثلاث دون غيرها.
(أرض أبين) قال في النهاية: هو بوزن أبيض، رجل من حمير أقام بها فأضيفت إليه.
(دعها عنك فإنّ من القرف التّلف) قال الخطّابي: قال القتبي: القرف مداناة الوباء ومداناة المرض، والتلف الهلاك، قال: وليس هذا من باب العدوى وإنّما هو من باب الطب، فإنّ استصلاح الأهوية من أعون الأشياء على صحّة الأبدان، وفساد الهواء (1) من أضرّها وأسرعها إلى أسقام الأبدان عند الأطبّاء.
(ذروها ذميمة) قال في النّهاية: أي اتركوها مذمومة، فعيلة بمعنى مفعولة، وإنّما أمرهم بالتحوّل عنها إبطالًا لما وقع في نفوسهم من أنّ المكروه إنّما أصابهم بسبب سكنى الدار فإذا تحوّلوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم وزال ما خامرهم من الشبهة.
*******
(1) في ب: "الأهواء".