الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا)(1) قال الخطابي: فيه أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث إنما هو فيما يكون بينهما من قِبَل عَتْب ومَوْجدة، أو لتقصير يقع في حقوق العشرة ونحوها، دون ما كان من ذلك من حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على مرّ الأوقات والأزمان، ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق.
قلت: وقد ألفت في ذلك تأليفًا سقيته: "الزجر بالهجر" فيه فوائد جمّة.
(أيّها الثّلاثة) هو من باب الاختصاص المشابه للنّداء لفظًا لا معنًى، وقد أوضحته في إعراب الحديث.
***
[باب النهي عن الجدال في القرآن]
(المراء في القرآن كفر) قال الخطابي: اختلف في تأويله، فقيل معنى المراء الشك فيه، وقيل بل هو الجدال المشكك فيه، وتأوّله بعضهم على
(1) في سنن أبي داود المطبوع: "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا".
المراء في قراءته دون تأويله ومعانيه، مثل أن يقول قائل: هذا قرآن قد أنزله الله، ويقول الآخر: لم ينزله الله هكذا فيكفر به من أنكره، وقد أنزل الله سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلّها شاف كاف، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضًا يقرؤها، وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به، إذ كان القرآن منزّلًا على سبعة أحرف وكلها قرآن منرل، يجوز قراءته ويجب الإيمان به، وقال بعضهم: إنَّما جاء هذا في الجدال بالقرآن من الآي التي فيها ذكر القدر ونحوه على مذهب أهل الكلام والجدل، وعلى معنى ما يجري من الخوض بينهم فيها دون ما كان منها في الأحكام وأبواب التحليل والتحريم، فإن الصحابة قد تنازعوها فيما بينهم، وتحاجّوا بها عند اختلافهم في الأحكام، ولم يتحرّجوا من التناظر بها وفيها، وقد قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ، فعلم أنّ النهي منصرف إلى غير هذا الوجه. انتهى.
وقال البيهقي في شعب الإيمان: قال الحليمي: هذا والله أعلم أن يسمع الرجل من الآخر قراءة أو آية أو كلمة لم تكن عنده، فيعجل عليه ويخطئه فينسب ما يقرأ إلى أنّه ليس بقرآن ويجادله في ذلك، أو يجادله في تأويل ما يذهب إليه ولم يكن عنده ويخطّئه ويضلله، لا ينبغي له أن يفعل ذلك، فإن اللّجاج ربّما أزاغه عن الحقّ ولا يقبله وإن ظهر له وجه فيكفر، فلهذا حرّم المراء في القرآن وسمّي كفرًا لأنه يشرف بصاحبه على الكفر، فإن ذلك لو كان في نفي حرف أو إثباته أو نفي كلمة أو إثباتها لكان الزائغ من الممتارين (1)(له)(2) عن الحق بعد ما تبين له كافرًا؛ لأنه إما منكر شيء من القرآن، أو مدّعى زيادة فيه. قال: والمراد الإصرار على التغليط والتضليل، وترك الإذعان لما يقام من الحجة، أمَّا المباحثة التي لا يكاد المشكل ينفتح إلَّا بها فليست بحرام. انتهى.
***
(1) في ب: "المتمارين".
(2)
غير موجود في أ.