الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وإنَّ من القول عيالًا) قال الخطّابي: هكذا رواه أبو داود، ورواه غيره:"عَيَلا"، قال الأزهري: من قولك عُلت الضالَّة أعيل عَيْلا وعَيَلا إذا لم تدر أيّ جهة تبغيها، قال أبو زيد. كأنَّه لم يهتد إلى من يطلب علمه، فعرضه على من لا يريده.
(إنّ روح القدس) أي: جبريل.
(نافح) أي: دافع.
***
[باب ما جاء في الرؤيا]
(رؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءًا من النُّبوَّة) قال الخطّابي: معنى هذا الكلام تحقيق أمر الرّؤيا وتأكيده، وقال بعضهم: معناه: أن الرّؤيا تجيء على موافقة النُّبوَّة لا أنَّها جزء باق من النُّبوَّة، وقال آخر: معناه أنَّها جزء من أجزاء علم النُّبوَّة، وعلم النُّبوَّة باق، والنُّبوَّة غير باقية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهبت النُّبوَّة وبقيت المبشرات الرُّؤيا الصالحة.
وقال التّاج بن مكتوم في تذكرته: قد أبدى بعض شارحي الحديث المتكلِّمين على معانيه في ذلك معنًى حسنًا، وهو أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أقام يوحى إليه في المنام ستّة أشهر، وأقام بعد ذلك يوحى إليه في اليقظة ثلاثًا وعشرين سنة، وستّة أشهر من ستة وأربعين جزءًا من ثلاث وعشرين سنة.
قال: وهذا المعنى حسن التنزيل على هذا اللفظ، وأقرب مأخذًا ممّا قيل في ذلك.
(إذا اقترب الزّمان) قيل المراد قرب زمان السَّاعة ودنوّ وقتها، وقيل المراد اعتداله واستواء اللَّيل والنهار، والمعبّرون يزعمون أنّ أصدق الرّؤيا ما كان في أيَّام الرَّبيع ووقت اعتدال اللَّيل والنَّهار، وقال الفارسي في مجمع الغرائب: يحتمل أنَّه عبارة عن قرب الأجل، وهو أنّ يطعن المؤمن في السن ويبلغ أوان الكهولة والمشيب، فإنَّ رؤياه أصدق لاستكماله تمام الحلم والأناة وقوَّة النَّفس.
(الرؤيا على رجل طائر) قال الخطّابي: هذا مَثَل، ومعناه أنَّها لا يستقرّ قرارها ما لم تعبَّر.
وقال في النهاية: أي: أنَّها على رِجْل قَدَرٍ جَارٍ، وقَضاءٍ ماضٍ من خير أو شرّ، وأنَّ ذلك هو الذي قسّمه الله لصَاحبها، من قولهم اقتسموا دارًا فطار سهم فلان في ناحيتها، أي: وقع سهمه وخرج، وكل حركة من كلمة أو شيء يجري لك فهو طائر، والمراد أنَّ الرؤيا هي التي يعبَّر بها (1) المعبّر الأوّل، فكأنّها كانت على رجل طائر فسقطت ووقعت حيث عبَّرت، كما يسقط الذي يكون على رجل الطائر بأدنى حركة.
(ولا تقصَّها إلّا على وادّ) بتشديد الدّال، اسم فاعل من الودّ.
(أو ذي رأي) قال الخطّابي: قال أبو إسحاق الزَّجاج: الوادّ لا يحب أنّ يستقبلك في تفسيرها إلَّا بما تحبّ، وإن لم يكن عالمًا بالعبارة، ولم يعجل لك بما يغمّك، لأنَّ تعبيرها يزيلها عما جعلها الله عليه، وأمَّا ذو الرأي فمعناه ذو العلم بعبارتها، فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها، أو بأقرب ما يعلم منها، فلعلّه أنّ يكون في تفسيره موعظة تردعك عن قبيح أنت عليه، أو يكون فيها بُشرى فتشكر الله تعالى على النّعمة فيها.
(الرؤيا من الله والحلم) بضمّ الحاء وسكون اللَّام.
(من الشيطان) قال الزركشي: هذا تصرَّف شرعي بتخصيص الرُّؤيا بما يراه من الخير، والحلم من الشرّ، وإن كانا في أصل اللغة لما يراه النائم.
(1) في ب: "عنها".
وقال في النّهاية: الرّؤيا والحلم عبارة عمّا يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرّؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشرّ والشيء القبيح، ويستعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر، قال: وتضمّ لام الحلم وتسكن.
وقال ابن الجوزي: الرّؤيا والحلم واحد، غير أنَّ صاحب الشّرع خصَّ الخير باسم الرّؤيا، والشرّ باسم الحلم.
(فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث عن يساره) قال عياض: أمر به طردًا للشيطان الذي حضر الرّؤيا المكروهة، تحقيرًا له واستقذارًا، وخصَّت بها اليسار لأنَّها محلّ الأقذار ونحوها.
(ثمَّ ليتعوّذ من شرِّها) قال الحافظ ابن حجر: ورد في صفة التعوّذ من شرِّ الرّؤيا أثر صحيح، أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم (1) النخعي قال: إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره، فليقل إذا استيقظ: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شرّ رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره في ديني ودنياي.
(من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) بفتح القاف، قال الشّيخ أكمل الدّين في شرح المشارق: هو بالنسبة إلى الإخبار بالغيب يكون بشرى لرؤيتهم إياه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة وهو تأويله، وسمّى ذلك يقظة لأنَّها هي اليقظة الحقيقية، وذلك لا ينافي أنّ يكون تأويله بالنسبة إلى أمر الدنيا، حصول خير ودين وغير ذلك ممّا يأوّل به.
(1) في ب: "أبي هريرة".
قال: وقوله: (أو لكأنّما رآني في اليقظة) شكّ من الراوي ومعناه غير الأوّل، لأنَّه تشبيه وهو صحيح لأنَّ ما رآه في النّوم مثالي وما يرى في عالم الحسّ حسّي فهو تشبيه خيالي بحسّي. قال: وقوله: (ولا يتمثّل الشيطان بي) استئناف، فكأنّ سائلًا قال: وما سبب ذلك؟ فقال: لا يتمثَّل الشيطان بي، يعني ليس ذلك المنام من قبيل القسم الثاني وهو أن يمثّل الشيطان في خيال الرائي ما شاء من التخيّلات.
قال: وهل هذا (المعنى مختصّ)(1) بالنبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟ قال بعضهم: رؤية الله تعالى ورؤية الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورؤية الشمس والقمر، والنجوم المضيئة والسحاب الذي فيه الغيث، لا يتمثّل الشيطان بشيء منها، وذكر المحقِّقون أنَّه خاصّ به صلى الله عليه وسلم، وقالوا في ذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم وإن ظهر بجميع (2) أحكام أسماء الحقّ وصفاته تخلّقًا وتحقّقًا، فإن من مقتضى مقام رسالته وإرشاده للخلق ودعوتهم إيّاهم إلى الحق الذي أرسله إليهم، هو أنّ يكون الأظهر فيه حكمًا وسلطنة (3) من صفات الحقّ وأسمائه صفة الهداية والاسم الهادي، كما أخبر الحقّ تعالى عن ذلك بقوله:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، فهو عليه الصلاة والسلام صورة الاسم الهادي ومظهر صفة الهادي، والشيطان مظهر الاسم المضلّ والظاهر بصفة الضّلالة (4)، فهما ضدّان، ولا يظهر أحدهما بصورة (5) الآخر، فالنبيّ صلى الله عليه وسلم خلقه الله للهداية، فلو ساغ ظهور إبليس بصورته زال الاعتماد بكلّ ما يبديه الحقّ ويظهره لمن شاء هدايته به، فلهذه الحكمة عصم الله صورة النبي صلى الله عليه وسلم من أنْ يظهر بها شيطان.
فإن قيل: عظمة الحقّ سبحانه أتمّ من عظمة كلّ عظيم، فكيف
(1) في أ: "معنى يختصّ".
(2)
في ج: "في جميع".
(3)
في ب: "سلطة".
(4)
في أ: "الدلالة".
(5)
في ج: "بصفة".
اعتاص على إبليس أنّ يظهر بصورة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنَّ اللَّعين قد ترآى لكثيرين وخاطبهم بأنَّه الحقّ طلبًا لإضلالهم، وقد أضلّ جماعة بمثل هذا حتى ظنّوا أنَّهم رأوا الحقّ وسمعوا خطابه؟
فالجواب من وجهين؛ أحدهما: أنّ كلّ عاقل يعلم أنّ الحق ليست له صورة معيّنة توجب الإشباه بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإنّه ذو صورة معيّنة معلومة مشهودة، والثاني: أنّ من مقتضى (حكم الحقّ)(1) أنَّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإنّه مقيّد بصفة الهداية وظاهر بصورتها، فوجب عصمة صورته من أنّ يظهر بها الشيطان لبقاء الاعتماد وظهور حكم الهداية فيمن (شاء)(2) الله هدايته به عليه الصلاة والسلام. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: اختلف في معنى قوله: "فسيراني في اليقظة"، فقيل فسيرى تفسير ما رأى في اليقظة لأنَّه حقّ وغيب ألقي فيه، وقيل معناه فسيراني في القيامة، وتعقب بأنَّه لا فائدة في هذا التخصيص لأن كلّ أمته يرونه يوم القيامة، من رآه منهم في النوم ومن لم يره، وأجاب القاضي عياض بأنّ المراد رؤية خاصّة من القرب منه أو نحو ذلك من الخصوصيات، قال: ولا يبعد أنّ يعاقب الله بعض المذنبين يوم القيامة بمنع رؤية نبيّه صلى الله عليه وسلم مدّة، وقال ابن التّين: المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذٍ غائبًا عنه، فيكون مبشرًا له أنَّه لا بد أنّ يراه في اليقظة قبل موته، وقال المازري: إن كان المحفوظ: "فكأنّما رآني في اليقظة" فمعناه ظاهر، وإن كان المحفوظ:"فسيراني في اليقظة" احتمل أنّ يكون أراد أهل عصره ممَّن لم يهاجر إليه، فإنَّه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنَّه يراه بعد ذلك في اليقظة، وأوحى الله بذلك إليه صلى الله عليه وسلم، وقال قوم هو على ظاهره، فمن رآه في الصوم فلا بد أنّ يراه في اليقظة بعيني رأسه، وقيل: بعيني في قلبه، حكاهما القاضي أبو بكر بن العربي. وذكر ابن أبي جمرة عن ابن عباس أو غيره أنَّه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في النَّوم فبقي بعد أنّ استيقظ متفكّرًا
(1) في أ: "الحكم".
(2)
في أ: "سأل".
في هذا الحديث، فدخل على بعض أمّهات المؤمنين، لعلَّها خالته ميمونة، فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر فيها صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه. ونقل عن جماعة من الصالحين أنّهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثمّ رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوّفين، فأرشدهم إلى (طريق تفريجها)(1) فجاء الأمر كذلك، وهذا نوع من كرامات الأولياء.
قلت: وأكثر من يقع له ذلك إنّما يقع له قرب موته، أو عند الاحتضار، ويكرم الله به من يشاء قبل ذلك، وقد نصّ على وقوع ذلك كرامة للأولياء خلق من الأئمّة؛ منهم: حجّة الإسلام الغزالي، والقاضي أبو بكر بن العربي، والشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام، قال الغزالي: ليس المراد أنّه يرى جسمه وبدنه، بل مثالًا له صار ذلك المثال آلة يتأدّى بها المعنى الذي في نفسه، قال: والآلة تارة تكون حقيقيّة، وتارة تكون خياليّة، والنفس غير المثال المتخيّل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق. قال: ومثل ذلك من يرى الله تعالى في المنام، فإنّ ذاته منزّهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره، ويكون ذلك المثال حقًّا في كونه واسطة في التعريف، فيقول الرّائي: رأيت الله تعالى في المنام، لا يعني أنّي رأيت ذات الله (كما يقول)(2) في حق غيره.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة (إدراك)(3) على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال. وقال النووي: قال عياض: يحتمل أنّ يكون المراد بالحديث من رآه على صورته المعروفة في حياته، قال النووي: وهذا ضعيف، بل الصّحيح أنه يراه حقيقة، سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها.
(1) في ج: "طريقه".
(2)
في أ: "كما يقوله الرائي".
(3)
في أ: "إذ ذاك".