المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهاج السورة - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون - جـ ٨

[مأمون حموش]

فهرس الكتاب

- ‌60 - سورة الممتحنة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌61 - سورة الصف

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌62 - سورة الجمعة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاح السورة

- ‌آداب خاصة بيوم الجمعة:

- ‌الأدب الأول: الغُسْل لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثاني: التبكير لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثالث: لبس أحسن الثياب والتسوك والتماس أجمل الطيب:

- ‌ما يستحب من الأذكار والأدعية يوم الجمعة:

- ‌أولًا: الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: قراءة سورة الكهف:

- ‌ثالثًا: الإكثار من الدعاء رجاء مصادفة ساعة الإجابة:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌63 - سورة المنافقون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌64 - سورة التغابن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌65 - سورة الطلاق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌66 - سورة التحريم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌أسباب نزول هذه الآيات:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌67 - سورة الملك

- ‌ذكر ما جاء في فضلها من أحاديث:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌68 - سورة القلم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌69 - سورة الحاقة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌70 - سورة المعارج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌71 - سورة نوح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌72 - سورة الجن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌73 - سورة المزمل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌74 - سورة المدثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌75 - سورة القيامة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌76 - سورة الإنسان

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌77 - سورة المرسلات

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌78 - سورة النبأ

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌79 - سورة النازعات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌80 - سورة عبس

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌81 - سورة التكوير

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌82 - سورة الانفطار

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌ دروس ونتائج وأحكام

- ‌83 - سورة المطففين

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌84 - سورة الإنشقاق

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌85 - سورة البروج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌86 - سورة الطارق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌87 - سورة الأعلى

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌88 - سورة الغاشية

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌89 - سورة الفجر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌90 - سورة البلد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌91 - سورة الشمس

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌92 - سورة الليل

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌93 - سورة الضحى

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌94 - سورة الشرح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌95 - سورة التين

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌96 - سورة العلق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌97 - سورة القدر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌فضائل ليلة القدر وما ورد في تعيينها من أحاديث:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌98 - سورة البينة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌99 - سورة الزلزلة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌100 - سورة العاديات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌101 - سورة القارعة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌102 - سورة التكاثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌103 - سورة العصر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌104 - سورة الهمزة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌105 - سورة الفيل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌106 - سورة قريش

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌107 - سورة الماعون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌108 - سورة الكوثر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌109 - سورة الكافرون

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌110 - سورة النصر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌111 - سورة المسد

- ‌أسباب النزول:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌112 - سورة الإخلاص

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌113 - سورة الفلق

- ‌فضائل المعوذتين وما ورد في ذكرهما:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌114 - سورة الناس

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

الفصل: ‌ منهاج السورة

-‌

‌ منهاج السورة

-

1 -

وصف الأحداث الرهيبة التي تسبق قيام الساعة.

2 -

بدء الحشر وحضور جميع الخلق بين يدي اللَّه العظيم، ودنو الجنة وبروز الجحيم، وقد علمت كل نفس ما استحقت من الثواب أو العذاب الأليم.

3 -

قسم اللَّه تعالى بالكواكب والليل والصبح أن القرآن قول رسول عن اللَّه كريم على اللَّه الكريم، ذو قدرة ومكانة رفيعة وقد رآه نبينا في صورته بالأفق المبين.

4 -

ما يضن محمد صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين، وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم.

3 -

أين تسلكون معشر المكذبين وتتركون هذا الذكر الحكيم، وما تشاؤون الاستقامة إلا أن يشاء اللَّه رب العالمين.

بسم الله الرحمن الرحيم

1 -

14. قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)}.

في هذه الآيات: وَصْفُ الأحداث الرهيبة التي تسبق يوم القيامة العظيم، وبدء الحشر وحضور جميع الخلق بين يدي العزيز الحكيم، ودنو الجنة وبروز نار الجحيم، وقد علمت كل نفس ما يقودها عملها إلى الثواب أو العذاب الأليم.

فقوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} . أي: جُعِلَتْ مثل شكل الكرة، تلفُّ فتجمع فيرمى بها. وفي التفاسير أقوال كثيرة في مفهوم هذه الآية، منها:

1 -

قال ابن عباس: ({إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، يعني: أظلمت). وفي رواية: (ذهبت).

ص: 351

2 -

وقال مجاهد: (اضمَحَلّت وذهبت). وقال قتادة: (ذهب ضوؤها).

3 -

وقال سعيد بن جبير: ({كُوِّرَتْ}: غُوِّرَتْ). وقال أبو صالح: (نُكِّسَت).

4 -

وقال الربيع بن خُثَيم: ({كُوِّرَتْ} يعني: رُمِيَ بها). وقال أبو صالح أيضًا: (أُلقيت). وقال زيد بن أسلم: (تقع في الأرض).

قال ابن جرير: (والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جَمْعُ الشيء بعضِه على بعض، ومنه تكوير العِمامة وهو لَفُّها على الرأس، وكتكوير الكارة وهو جمع الثياب بعضِها إلى بعض ولفّها، وكذلك قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لُفَّت فرمي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوؤها).

قلت: وقد ثبت في السنة الصحيحة أن الشمس والقمر ثوران مُكَوّران في النار يوم القيامة.

فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[الشمسُ والقمرُ مُكَوَّرانِ يومَ القيامة](1).

وأخرج الإمام الطحاوي في "مشكل الآثار" بإسناد صحيح على شرط البخاري عن عبد اللَّه بن الداناج (2) قال: شهدت أبا سلمة بن عبد الرحمن جلس في مسجد في زمن خالد بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد، قال: فجاء الحسن فجلس إليه فتحدثا، فقال أبو سلمة: حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة]. فقال الحسن: ما ذنبهما؟ ! فقال: إنما أحدثك عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسكت الحسن (3).

قال الإسماعيلي: (لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن للَّه في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذابًا وآلة من آلات العذاب، وما شاء اللَّه من ذلك فلا تكون هي معذبة).

وقال الخطابي: (ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت من

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (3200) - كتاب بدء الخلق. باب صفة الشمس والقمر.

(2)

بفتح الدال والنون معناه العالم، معرب (دانا)، كما في "الباب" وغيره.

(3)

حديث صحيح. أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 66 - 67)، ورواه البيهقي في كتاب "البعث والنشور"، وكذا البزار والإسماعيلي والخطابي، وإسناده صحيح على شرط البخاري كما ذكر الألباني في السلسلة الصحيحة (124).

ص: 352

كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلًا).

ومن ثَمَّ فليس المراد من الحديث ما تبادر لذهن الحسن البصري أن الشمس والقمر يعذبان عقوبة لهما، كلا، فاللَّه تعالى لا يعذب من أطاعه من خلقه وسجد له، والشمس والقمر كانا على ذلك السجود والتعظيم، كما قال جلّت عظمته:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18]. وإنما يكوران ويلقيان في النار يوم القيامة تبكيتًا لعُبَّادهما، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} . أي: تهافتت وتناثرت فتساقطت. قال ابن عباس: (تساقطت). وقال مجاهد: (تناثرت). وقال أبو صالح: (انتثرت). وعن ابن عباس أيضًا: ({انْكَدَرَتْ}: تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها). قال القرطبي: (ويحتمل أن يكون انكدارها طَمْسُ آثارها. وسميت النجوم نجومًا لظهورها في السماء بضوئها).

قلت: وأصل الانكدار في كلام العرب: الانقضاض والانصباب بسرعة. قال الرازي: ("انكدر" أي أسْرَع وانقضَّ، ومنه انكدرت النُّجوم). وقال أبو عبيدة: ({انْكَدَرَتْ} انصبَّت كما تنصب العُقاب إذا انكسرت).

والمقصود: وإذا النجوم تساقطت وتناثرت مغادرة أماكنها تنصب مسرعة كما أمرها ربّها. وفي التنزيل نحو ذلك: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار: 2].

وقوله تعالى: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} . قال مجاهد: (ذهبت). قال النسفي: (سُيِّرت عن وجه الأرض وأبعدت، أو سيرت في الجو تسيير السحاب). والمقصود: وإذا الجبال نسفت فزالت عن أماكنها، وتركت الأرض قاعًا صفصفًا.

وقوله تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} . العشار: النوق الحوامل التي في بطونها أولادها (1). ومعنى {عُطِّلَتْ} أي تركت هملًا بلا راع، وذلك لما شاهدوا من الهول العظيم. وخصّ العشار لأنها أنفس أموال العرب، وموضع رعايتهم المتميزة. فمنعت أهوال القيامة استمرار رعايتها والعناية بها.

وعن مجاهد: ({وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} قال: سُيِّبَت، تركت). قال الضحاك:

(1) والواحدة: عُشَراء. وقيل هي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر فلا يزال ذلك اسمها حتى تضع، وبعدما تضع أيضًا. على عادة العرب في تسمية الشيء باسمه المتقدم.

ص: 353

(يقول: لا راعي لها). وقال الحسن: (سَيَّبَها أهلها فلم تُصَرّ، ولم تُحْلَب. ولم يكن في الدنيا مال أعجب إليهم منها).

وقوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي: بعثت حتى يقتص بعضها من بعض. وقيل: حشرها موتها. قال ابن عباس: (حشر البهائم: موتها، وحشر كل شيء: الموت، غير الجن والإنس، فإنهما يوقفان يوم القيامة). وقال قتادة: (إن هذه الخلائق موافية يوم القيامة، فيقضي اللَّه فيها ما شاء).

قلت: ولا تعارض بين المعنيين، فإن البهائم تحشر أولًا أمام الخلق يوم القيامة، حتى إذا اقتص بعضها من بعض قضى اللَّه عليها الموت فقال: كوني ترابًا، وعند ذلك يقول الكافر:{يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} .

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: [لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء](1).

وله شاهد عند الإمام أحمد عنه مرفوعًا بلفظ: [يقتصّ الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة](2).

ومن طريق أبي حجيرة عنه مرفوعًا بلفظ: [ألا والذي نفسي بيده، ليختصمن كل شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا](3).

وقوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} . أي: أوقدت فصارت نارًا تضطرم. قال مجاهد: ({سُجِّرَتْ}: أوقِدَت). وقال الضحاك: (فُجِّرت). وقيل: غاض ماؤها، وقيل: فاضت. قلت: والراجح الأول، فإنه في لغة العرب: سَجَر التنّورَ أحماه، والسَّجُور: ما يُسْجَرُ به التَّنُّور. ومنه قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]. والمقصود: يوقد اللَّه هذه البحار بالنار قبيل قيام الساعة فيفجرها تفجيرًا، كما قال جلت عظمته في سورة الانفطار:{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} .

وقوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} . أي: قرنت النفوس بأمثالها. فيقرن الرجل

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (8/ 18 - 19) - كتاب الظلم. باب القصاص وأداء الحقوق يوم القيامة، من حديث أبي هريرة.

(2)

حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (2/ 363). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1967).

(3)

حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (2/ 290) من طريق أبي حجيرة عن أبي هريرة. وانظر "السلسلة الصحيحة" ج (3) ص (609).

ص: 354

الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، والطالح مع الطالح في النار. أو تقرن الأرواح بالأجساد أو بكتبها وأعمالها، أو تقرن نفوس المؤمنين بالحور العين، ونفوس الكافرين بالشياطين.

ومن أقوال أئمة التفسير في ذلك:

1 -

قال الحسن: (ألحق كل امرئٍ بشيعته: اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى، والمجوس بالمجوس، والمنافقون بالمنافقين. ويلحق المؤمنون بالمؤمنين).

2 -

قال مجاهد: ({وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}، قال: الأمثالُ من الناس جُمعَ بينهم).

3 -

وروى ابن أبي حاتم بسنده عن سِمَاكِ بن حرب، عن النعمان بن بَشير، أنَّ عُمَرَ خطب الناس فقرأ:{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} ، فقال:(تَزَوُّجُها أن تُؤلف كُلُّ شيعةٍ إلى شيعتهم). وفي رواية: (هما الرجلان يعمَلان العمل فيدخلان به الجنة أو النار). وفي رواية عن النعمان قال: سُئِل عُمَر عن قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} فقال: (يُقْرَنُ بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح، ويُقرنُ بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار، فذلك تزويجُ الأنفُسِ). وفي رواية عن النعمان: أنّ عمر قال للناس: ما تقولون في تفسير هذه الآية: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} فسكتوا. قال: (ولكن أعلَمُه هو الرجلُ يُزَوَّجُ نظيِره من أهل الجنة، والرجل يُزَوَّجُ نظيره من أهل النار، ثم قرأ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]).

4 -

وقيل: زُوِّجَ المؤمنون بالحور العين، وزُوِّجَ الكافرون بالشياطين. حكاه القرطبي في "التذكرة".

قلت: وجميع ما سبق يفيد المعنى، وهو جمع كل شكل بنظيره يوم القيامة، فيضمّ المبرز في الطاعة مع السابقين، والمتوسط مع أمثاله من أصحاب اليمين، وأهل المعصية والكفر مع أمثالهم من أصحاب الشمال وأهل الجحيم، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله نعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} . توبيخ لقاتلها وتهديد له فيما أقدم عليه. فقد كانت العرب إذا ولدت لأحدهم بنت دفنها حية مخافة العار أو الحاجة. فيوم القيامة تُسأل الموؤدة على أيِّ ذنب قُتِلت، ليكون ذلك تهديدًا لقاتلها. قال ابن كثير:(فإنه إذا سُئِل المظلوم فما ظَنُّ الظالم إذن؟ ).

قال قتادة: (كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته، ويغذو كلبه، فعاب اللَّه ذلك

ص: 355

عليهم). وقال: (هي في بعض القراءات: "سَأَلتْ. بأي ذنب قُتِلت" لا بذنب). وكذا قال ابن عباس وأبو الضحا "سَألَتْ" أي: طلبت بدمها.

وفي صحيح مسلم عن عائشة، عن جُدامَةَ بنتِ وَهْبٍ، أُخْتِ عُكّاشَةَ قالت:[حَضَرْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أُناسٍ، وهو يقول: لقد هَمَمْتُ أن أنهى عن الغِيلةِ، فَنَظَرْتُ في الروم وفارِسَ، فإذا هُمْ يُغِيلونَ أولادهم، فلا يَضُرُّ أولادهم ذلك شيئًا. ثم سألوه عن العَزْلِ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأدُ الخفيّ". وفي رواية: وهي: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}](1).

وفي مسند أحمد ومعجم الطبراني بسند صحيح عن سلمةَ بن يزيدَ الجُعْفِيِّ قال: [انطلقت أنا وأخي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسولَ اللَّه! إن أُمَّنا مُليكة كانت تَصِل الرَّحِمَ وتَقْري الضيف، وتفعل وتفعل. هلكت في الجاهلية، فهل ذلك نافِعُها شيئًا؟ قال: لا. قلنا: فإنها كانت وَأَدَتَ أُختًا لنا في الجاهلية، فهل ذلك نافِعُها شيئًا؟ قال: الوائدةُ والموؤدةُ في النار، إلا أن يُدرِكَ الوائدةَ الإسلامُ، فيعفو اللَّه عنها](2).

قلت: والمقصود أن الموؤودة إن كانت كبيرة تعقل ورضيت بفعل أبيها وأمها بوأدها فتشترك معهم في الإثم وعذاب النار، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} . أي كتب الأعمال إذا نشرت للحساب. قال الضحاك: (أُعطي كلُّ إنسان صحيفته بيمينه أو بشماله). وقال قتادة: (صحيفتك يا ابنَ آدمَ، تُملي فيها، ثم تُطوَى، ثم تُنْشَرُ عليك يوم القيامة، فنَظرَ رجلٌ ماذا يُملي في صحيفته).

وقوله تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} . أي: تشققت وأزيلت. وعن مجاهد: ({كُشِطَتْ} قال: اجتُذبت). وقال السُّدي: (كُشِفَت). وقال الضحاك: (تنكشِطُ فتذهب). وقَال الزجاج: (قلعت كما يقلع السَقف).

قلت: وأصل الكَشْطِ في لغة العرب: قَلْع عن شدّة التزاق، وانكشط: أي ذهب، والمقصود: تُنْزَعُ السماء من مكانها كما ينزع الغِطاء عن الشيء فتطوى، كما قال جلت

(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم (1442) ح (141)، (142) - كتاب النكاح، وأخرجه الترمذي (2076)، وابن ماجة (2011)، والنسائي (6/ 106 - 107)، وأحمد (6/ 434).

(2)

حديث صحيح. أخرجه أحمد (3/ 478)، والنسائي في "التفسير"(669)، وأخرجه الطبراني (6319)، وإسناده على شرطهما.

ص: 356

عظمته: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104].

وقوله تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} . أي: وإذا الجحيم أوقد عليها فأحميت. قال قتادة: (سعّرها غضب اللَّه، وخطايا بني آدم).

وقوله تعالى: {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} . أي: وإذا الجنة قرّبت وأدنيت. قال الضحاك وقتادة والربيع بن خُثَيم: (أي قربت إلى أهلها).

وقوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} . جواب {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وما بعدها.

والمقصود: علمت كل نفس ما أحضرته عند نشر الصحف، من خير أو شر.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30].

2 -

وقال تعالى: {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13].

أخرج الحاكم بإسناد صحيح من حديث معاذ بن جبل مرفوعًا: [تعلمون المعادَ إلى اللَّه، ثم إلى الجنة أو إلى النار، وإقامةٌ لا ظعن فيه، وخلودٌ لا موت، في أجسادٍ لا تموت](1).

وروى ابن أبي حاتم بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: (نزلت: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، قال عمر: لما بلغ {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} قال: لهذا أُجري الحديث). والمقصود: إذا الشمس كورت وكانت هذه الأشياء والأهوال التي ذكرت، عملت نفس حينئذ ما أحضرت من عملها وما أعدّت لمستقبلها.

15 -

29. قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ

(1) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (1/ 83). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1668).

ص: 357

مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}.

في هذه الآيات: يقسم تعالى بالكواكب التي تخنِسُ بالنهار فتختفي وتظهر بالليل، كما يقسم سبحانه بالليل إذا نشأ وأقبل بظلامه، والصبح إذا أضاء وامتد بنوره ونسائمه، إنَّ هذا القرآن لقول رسول عن اللَّه كريم على اللَّه، ذي قدرة عالية، ومكانة رفيعة مكينة، رآه نبينا صلى الله عليه وسلم في صورته بالأفق المبين، وما يضن محمد صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين، وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم، فأين تسلكون وتتركون هذا الذكر الحكيم، وما تشاؤون الاستقامة إلا أن يشاء اللَّه رب العالمين.

فقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} . أي اقسم، و"لا" زائدة. والخُنَّس: هي النجوم تخنِس بالنهار فتختفي تحت ضوء الشمس ولا ترى. قال علي: (هي النجوم تخنِسُ بالنهار، وتَظْهَرُ بالليل). رواه بإسناده ابن جرير.

وفي الصِّحاحِ: (و"الخُنَّسُ" الكواكِبُ كلها. لأنها تخنِس في المغيب، أو لأنها تخنِسُ نهارًا). وخنَسَ عنه: أي تأخَّر. و"أخْنَسَهُ" غيْرُه أي خَلَّفَهُ ومضى عنه. والخُنَّس: جمع خانِس وخانِسة.

وقوله تعالى: {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} . أي {الْجَوَارِ} تجري في أفلاكها {الْكُنَّسِ} تختفي في وقت غروبها.

يروي ابن جرير بسنده عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليًا عليه السلام، وسئل عن {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} قال:(هي النجوم تخنس بالنهار، وتكنس بالليل).

قلت: والجواري: جمع جارية من جرى يجري. والكُنَّس: جمع كانس وكانِسة. وأصل الكُنُسِ من الكِناس، وهو المكان الذي يختفي فيه الوحش، من غزالٍ أو غيره.

وقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} . أي: والليل إذا نشأ وأقبل بظلامه، أو أدبر وانتهت ظلمته. فالآية تحتمل التأويلين:

1 -

قال مجاهد: ({وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ}: أظلم). وقال سعيد بن جبير: (إذا نشأ). وقال الحسن البصري: (إذا غشي الناس).

2 -

وقال ابن عباس: ({إِذَا عَسْعَسَ} إذا أدبرِ). وقال ابن زيد: (عسعس: تولى). وروى أبو داود الطيالسي عن أبي عبد الرحمن السلَمِيّ قال: (خرج علينا عليُّ -رضي اللَّه

ص: 358

عنه- حينَ ثَوَّب المُثَوِّبُ بصلاة الصبح (1) فقال: أين السائلون عن الوَتْرِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} ، هذا حينُ وَتْرٍ حَسَن).

قلت: والإعجاز القرآني يحتمل الوجهين، فإن لفظة {عَسْعَسَ} تستعمل في الإقبال والإدبار، والسياق يدل على ذلك أيضًا، فإن قوله تعالى في الآية بعدها:{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} أي طلع وأضاء وأقبل. فتكون المقابلة بين الآيتين: والليل إذا أدبر، والصبح إذا أقبل. أو والليل إذا أظلم، والصبح إذا أشرق - واللَّه تعالى أعلم.

وقوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} . أي: أقبل بروح ونسيم، وأضاء بنور عميم. قال الضحاك:({وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}، قال: إذا طلع). وقال قتادة: (إذا أضاءَ وأقبل). وقال سعيد بن جبير: (إذا نشأ).

وفي لغة العرب: تنفَّس الصبح تَبَلَّج، والتنفُّس: خروج النسيم من الجوف. وقيل للنهار إذا زاد: تنفّس، والمقصود: والصبح إذا امتد بنسيمه وضيائه حتى يصير نهارًا واضحًا.

وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} . هذا جواب القسم. والرسول الكريم: جبريل عليه السلام. والمعنى: إنّ هذا القرآن لقول رسول عن اللَّه كريم على اللَّه. قال ابن عباس وقتادة: (يعني جبريل). قال ابن كثير: (يعني: إن هذا القرآن لتبليغُ رسولٍ كريم، أي: مَلَكٍ شريف حَسَن الخَلْقِ، بَهِيّ المنظر، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام.

وقوله تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} . أي: هو ذو قدرة عالية، ومكانة مكينة رفيعة، عند اللَّه جلت عظمته.

وفي التنزيل نحو ذلك: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ} [النجم: 5 - 6].

قال النسفي: ({ذِي قُوَّةٍ} قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} عند اللَّه {مَكِينٍ} ذي جاه ومنزلة، ولما كانت حال المكانة على حسب حال المكين قال: عند ذي العرش، ليدل على عظم منزلته ومكانته).

وقوله تعالى: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} . أي مطاع هناك بين الملائكة يرجعون إليه ويطيعونه، مؤتمن على الوحي وغيره. يعني جبريل عليه السلام. قال قتادة: ({مُطَاعٍ ثَمَّ} ، أي في

(1) ورواه ابن جرير بلفظ: (بعدما أذن المؤذن بالصبح). وفي آخره: (نِعْمَ ساعة الوتر هذه).

ص: 359

السماوات، يعني: ليس هو من أفناءِ الملائكةِ، بل هو من السادة والأشراف، مُعتنًى به، انتخِبَ لهذه الرسالة العظيمة).

وقوله تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} . تزكية من اللَّه تعالى لعبده ورسوله البشري محمد صلى الله عليه وسلم، بعد تزكية عبده ورسوله المَلَكي جبريل بوصفه بالأمانة.

وعن ميمون بن مهران: ({وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} قال: ذاكم محمد صلى الله عليه وسلم). وذِكْرُ اللَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بوصف الصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره، وبأنه أعقل الناس وأكملهم.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} . أي: قد رأى محمد جبريل في صورته، له ست مئة جناح. قال مجاهد:(رآه نحو أجياد، وهو مشرق مكة).

والأفق المبين: أي البيِّن. قال القرطبي: (لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مُبين. أي من جهته تُرى الأشياء).

وفي التنزيل نحو ذلك. قال تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 5 - 10].

فهذه هي الرؤيا الأولى التي كانت بالبطحاء، وهي المشار إليها هنا في سورة التكوير، والتي يبدو أنها نزلت قبل ليلة الإسراء، لأن الرؤيا الثانية عند سدرة المنتهى لم تذكر فيها، وإنما ذكرت في سورة النجم:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 13 - 15]، والتي نزلت بعد الإسراء. أفاده الحافظ ابن كثير.

وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} . أي: وما محمد صلى الله عليه وسلم بخبر السماء بباخل، فإنه لا يبخل بالوحي، ولا يقصر في التبليغ، بل يعلّم الخلق كلام اللَّه وأحكامه. قال مجاهد:(ما يضن عليكم بما يعلم). وقد قرأته عامة قراء المدينة والكوفة {بِضَنِينٍ} -والضنين: البخيل-، والمقصود ما سبق، إنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علّمه اللَّه من الوحي وأحكام الشرع. وأما بعض قراء مكة والبصرة فالقراءة عندهم "بظنين" -والظنين: المُتَّهم-، والمقصود: إنه غير متهم فيما يخبرهم عن اللَّه من الأنباء. وكلاهما قراءتان مشهورتان في الأمصار.

يروي ابن جرير بسنده عن سفيان، عن عاصم، عن زر: ("وما هو على الغيب بظنين" قال: الظنين: المتهم. وفي قراءتكم "بضنين" والضنين: البخيل، والغيب:

ص: 360

القرآن). قال قتادة: (إن هذا القرآن غيب، فأعطاه اللَّه محمدًا، فبذله وعلّمه ودعا إليه، واللَّه ما ضَنَّ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم).

وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} . أي: وما هذا القرآن بقول شيطان من الشياطين المسترقة للسمع المرجومة بالشهب، بل هو كلام اللَّه ووحيه. كما قال تعالى:{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 210 - 212].

وقوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} . أي: فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم، وأين تذهب بكم عقولكم في التكذيب بهذا الوحي الذي يسطع بحججه كالشمس. قال قتادة:(يقول: فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي).

وقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} . - {إِنْ} بمعنى ما- أي: وما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين وتذكير لهم. وقيل: ما محمد إلا ذكر. والأول أرجح لدلالة السياق عليه.

وقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} . قال مجاهد: (يتبع الحق). قال ابن جرير: (معنى الكلام: إن هو إلا ذكر من شاء منكم أن يستقيم على سبيل الحق فيتبعه ويؤمن به). وقال القاسمي: (وقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} بدل من {الْعَالَمِينَ}. أي إنه ذكرى من أراد الاستقامة على الطريق الحق، بصرف إرادته وميله إليه والثبات عليه. أما من أعرض ونأى، فمن أين تنفعه الذكرى، وقد زاده الران عمى؟ ).

وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} . إثبات لافتقار مشيئة العباد إلى مشيئة القهار سبحانه، فكل مشيئة في هذا الكون مقهورة بمشيئته تعالى. قال الحسن:(واللَّه ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه اللَّه لها). والمقصود: وما تشاؤون الاستقامة أيها القوم ولا تقدرون على ذلك إلا بمشيئة اللَّه وتوفيقه.

تم تفسير سورة التكوير بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منّه وكرمه عصر يوم الخميس 15/ ذي القعدة/ 1426 هـ الموافق 15/ كانون الأول/ 2005 م

ص: 361