الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرفع رأسه مُتَبَسِّمًا، إما قال لهم وإما قالوا له: لِمَ ضَحِكْتَ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنه أنزِلت عَليَّ آنِفًا سورةٌ". فقرأ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ، حتى خَتَمها قال:"هَلْ تدرون ما الكوثَرُ؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلَمُ. قال: "هو نهر أعطانيه ربِّي عز وجل في الجنة، عليه خَيْرٌ كثير، تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيتُهُ عددُ الكواكب، يُخْتَلجُ العبدُ منهم فأقول: يا رب! إنه من أُمتي. فيُقال: إنك لا تَدْري ما أحدثوا بَعْدَك! "] (1).
الحديث الثالث: أخرج النسائي بسند صحيح عن زيد بن ثابت: [أنه قال لمروان: يا أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}؟ قال: نعم! قال: فمحلوفة (2)، لقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين {المص}](3).
ورواه أبو داود بسند صحيح عن مروان بن الحكم قال: [قال لي زيد بن ثابت: مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطُولَى الطُّولَيَيْن؟ قال: قلت: ما طُولى الطولَيَيْنِ؟ قال: الأعراف والأخرى الأنعام].
موضوع السورة
تكريم اللَّه رسوله بالكوثر وتهديد المخالف له بالبتر
-
منهاج السورة
-
1 -
امتنان اللَّه تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بنهر في الجنة هو الكوثر.
2 -
أمْرُه تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إخلاص الصلاة له والنحر.
3 -
القضاء من اللَّه تعالى أن مبغض هذا النبي هو الأبتر.
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (3/ 102)، وانظر الحديث قبله.
(2)
أي: أنني أحلف باللَّه. و (أطول الطوليين): سورتا الأنعام والأعراف.
(3)
حديث صحيح. أخرجه أبو داود (812) - في الصلاة - باب قدر القراءة في المغرب. وأخرجه النسائي: صحيح سنن النسائي (945). باب القراءة في المغرب بـ {المص} .
بسم الله الرحمن الرحيم
1 -
3. قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}.
في هذه الآيات: تكريم اللَّه تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في الجنة بنهر الكوثر، وأَمْرُهُ تعالى له إخلاص الصلاة له والنحر، وقضاء اللَّه الذي لا يُرَدُّ أنّ مبغض هذا النبي هو الأقطع الأبتر.
فقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} . الكوثر: فَوْعَل من الكثرة، مثل النوفل من النفل، والجوهر من الجهر. قال ابن عباس:(هو الخير الكثير). فقيل له: إن ناسًا يقولون هو نهر في الجنة! فقال: (هو من الخير الكثير).
وقال سفيان: (قيل لعجوز رجع ابنها من السفر: بم آبَ ابنك؟ قالت: بكوثر، أي بمال كثير). وقيل الكوثر من الرجال: السيد الكثير الكثير الخير. والكوثر: العدد الكثير من الأصحاب والأشياع. وقد تكوثر: إذا كثر. قال القرطبي: (والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر والخطر كوثرًا). وقال النسفي: (الكوثر: فوعل من الكثرة، وهو المفرط الكثرة).
قلت: والمقصود بالكوثر في الآية ذلك النهر في الجنة الذي جعله اللَّه كرامة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولأمته، والذي يحمل من ألوان الخير الكثير الكثير، فحافتاه من الذهب، ومجراه على الدّر والياقوت، وتربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج، وأوانيه من فضة. وقد جاءت نصوص السنة الصحيحة بذلك في أحاديث:
الحديث الأول: أخرِج الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح عن ثابت، عن أنس: [أنّه قرأ هذه الآية: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أُعطِيتُ الكوثَرَ فإذا هو نهر يجري، ولم يُشَق شَقًّا، وإذا حافَتاه قِبابُ اللؤلؤ، فضربت بِيَدي في
تربته، فإذا مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ، وإذا حَصَاهُ اللؤلؤ"] (1). قال أنس:(أظنكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض، واللَّه إنها لسائحة على وجه الأرض إحدى حافتيها اللؤلؤ والأخرى الياقوت، وطينها المسك الأذفر الذي لا خلط له) - ذكره ابن أبي الدنيا.
الحديث الثاني: أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: [لَمّا عُرجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: "أتيتُ على نهر حافَتاه قِبابُ اللؤلؤ المجوَّفة، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ ! قال: هذا الكوثر](2).
وله شاهد عند الإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [دخلت الجنة فإذا أنا بنهر، حافَّتاه اللؤلؤ، فَضَربتُ بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسكٌ أذفَرُ، قلت ما هذا يا جبريل؟ ! قال: هذا الكوثر أعطاكَهُ اللَّه عز وجل]- وإسناده على شرط البخاري ومسلم.
الحديث الثالث: أخرج أبو داود وأحمد وابن حبان بسند صحيح في الشواهد من حديث أبي برزة مرفوعًا -في صفة الحوض يوم القيامة-: [أنه يَشْخَبُ فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر، وأن عليه آنية عدد نجوم السماء](3).
الحديث الرابع: أخرج أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن أنس بن مالك، قال:[لما عُرِجَ بنبي اللَّه صلى الله عليه وسلم في الجنة، أو كما قال: عرض له نهر حافتاه الياقوتُ المُجَيَّبُ، أو قال المُجَّوفُ، فضربَ الملك الذي معه يده، فاستخرج مسكًا، فقال محمد صلى الله عليه وسلم للملك الذي معه: "ما هذا"؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك اللَّه عز وجل](4). زاد الترمذي: (ثم رُفِعتْ لي سِدرةُ المنتهى، فرأيت عندها نورًا عظيمًا).
الحديث الخامس: أخرج الترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [الكَوْثَرُ نَهْرٌ في الجنة، حافَّتاه مِنْ ذهَبٍ ومَجْراهُ على الدُّر والياقوت، تُرْبَتُهُ أطيبُ مِنَ المِسْكِ، وماؤه أحلى من العسل وأبيضُ من الثَّلج](5).
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (3/ 152)، وإسناده على شرط مسلم.
(2)
حديث صحيح. أخرجه البخاري (4964). والشاهد رواه أحمد (3/ 103) وسنده صحيح.
(3)
حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (4749)، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 424)، ورواه ابن حبان (6458)، وعبد الرزاق (20852)، وهو صحيح، وله شواهد.
(4)
حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (4748)، والترمذي في "التفسير". انظر: صحيح سنن الترمذي -حديث رقم- (2676). وروى البخاري نحوه.
(5)
حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (4334)، والترمذي: انظر صحيح سنن الترمذي (2677).
الحديث السادس: أخرج البخاري في الصحيح، والنسائي في التفسير، عن أبي إسحاق، عن أبي عُبيدة، عن عائشة قال: سألتُها عن قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قالت: [نَهْرٌ أُعْطِيَهُ نبيُّكم صلى الله عليه وسلم، شاطِئَاه عليه دُرٌّ مَجَوَّفٌ، آنيتُه كعدَدِ النجوم](1).
الحديث السابع: أخرج أحمد والطبري بسند جيد عن أنس: [أنَّ رجلًا قال: يا رسول اللَّه! ما الكوثر؟ قال: نهرٌ في الجنة أعطانيه ربي، لهو أشَدُّ بياضًا من اللَّبن، وأحْلى من العَسَل، فيه طيورٌ أعناقُها كأعناق الجُزُرِ. قال عمر: يا رسول اللَّه! إنها لناعِمةٌ؟ قال: آكِلُها أَنْعَمُ منها يا عُمر](2).
وروى نحوه ابن جرير وفي آخره: ["تردُه طير أعناقها مثلُ أعناق الجُزُر". فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه! إنها لناعمة؟ قال: آكِلُها أنعمُ منها].
وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} . أي: فأخلص لربك الصلاة والذبح على ما أولاك من الكرامة، فصل له الصلاة المكتوبة والنافلة، وانحر على اسمه النسك خالصًا له.
قال ابن عباس: ({فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال: الصلاة المكتوبة، والنّحر: النُّسُك والذبح يوم الأضحى). وقال عكرمة: (الصلاة ونحر النُّسك). وقال الربيع: (إذا صليت يوم الأضحى فانحر). وقال ابن زيد: (نحر البدن).
وقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} . أي: إن مبغضك يا محمد وما جئت به من الوحي العظيم والشرع القويم هو الأذل الأقل المنقطع عن كل خير.
أخرج البزار بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: [قدم كعب بن الأشرف مكة، فقالت له قريش: أنت سيدهم، ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خيرٌ منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية! فقال: أنتم خير منه. قال: فنزلت: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}](3). ورواه ابن جرير وزاد فيه: (وأنزلت عليه {أَلَمْ تَرَ إِلَى
(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (4965)، والنسائي في "التفسير"(725).
(2)
حديث إسناده جيد. أخرجه أحمد في المسند (3/ 221)، والطبري في "التفسير"(38177). ورواه ابن جرير كذلك (38174) باللفظ الآخر، وإسناده قوي.
(3)
إسناده صحيح. أخرجه البزار من حديث عكرمة عن ابن عباس. انظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" -الوادعي- سورة الكوثر، آية (3). ورواه ابن جرير في "التفسير"(38222) بنحوه.