الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبزى، عن أبيه. [عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إني أُمِرْتُ أن أقرأ عليك سورة كذا وكذا". قلتُ: يا رسولَ اللَّه! وقد ذُكِرتُ هناك؟ قال: نعم. فقلت له: يا أبا المنذر! ففرِحت بذلك قال: وما يمنعني واللَّه يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]] (1).
موضوع السورة
حُجَّةُ البينة والوحي من رب العالمين للفَصْلِ بين المشركين والمؤمنين في الدارين
-
منهاج السورة
-
1 -
الإخبار أن تعلق الكفار من أهل الكتاب والمشركين بما هم عليه من الكفر لا ينفك إلا بحجة الوحي وبلاغ الرسل.
2 -
الأمر للناس في الكتب المنزلة بإخلاص العبادة للَّه وحده.
3 -
الإخبار عن مصير كفرة أهل الكتاب والمشركين، أنه في نار جهنم نار الجحيم.
4 -
الإخبار عن مصير المؤمنين الصادقين، الذين رضي اللَّه عنهم ورضوا عنه فاستحقوا الخلود في جنات النعيم.
(1) حديث حسن. أخرجه أحمد (5/ 123) في المسند من وجهين، ولبعضه شواهد.
بسم الله الرحمن الرحيم
1 -
5. قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)}.
في هذه الآيات: يخبر تعالى أنَّ الكفار من أهل الكتاب والمشركين لم يكونوا منتهين عَمَّا هم عليه من الكفر حتى تأتيهم حجة الوحي وبلاغ الرسل، فلما جاءهم الحق آمن بعضهم ومنع أكثرَهُم الكِبرُ، وقد كانوا أمروا أن يخلصوا الدين للَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويستعدوا ليوم الحشر، وذلك هو الدين الكامل الذي ارتضاه اللَّه للبشر.
فقوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} . قال ابن كثير: (أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى، والمشركون عَبَدَةُ الأوثان والنيران من العرب والعَجم).
وقوله: {مُنْفَكِّينَ} . أي: منتهين ومنفصلين عن الكفر. قال مجاهد: (لم يكونوا لينتهوا حتى يتبين لهم الحق). وقال قتادة: ({مُنْفَكِّينَ} قال: منتهين عما هم فيه). وقال البخاري: ({مُنْفَكِّينَ}: زائلين).
وقوله: {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} . قال قتادة: (أي: هذا القرآن). قال النسفي: ({حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} الحجة الواضحة، والمراد محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: لم يتركوا كفرهم حتى ببعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلما بعث أسلم بعض وثبت على الكفر بعض).
وقوله: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} . هو بدل من البينة، والمقصود محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} . أي: القرآن العظيم المكتتبُ في الملأ الأعلى في صحف مطهرة، أي: مصونة عن التحريف واللبس. كقوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 13 - 16]. قال قتادة: ({رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ
يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} ذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء).
قال القاسمي: ({يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} وهي صحف القرآن المطهرة من الخلط وحشو المدلّسين، فلهذا تنبعث منها أشعة الحق حتى يعرفه طالبوه ومنكروه معًا).
وقوله تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} . أي: مستقيمة لا اعوجاج فيها، لاشتمالها على الحق الذي لا يختلط بباطل ولا يميل إليه، كقوله تعالى:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]. قال ابن زيد: ({فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}: مستقيمة معتدلة).
وأما مفهوم "الكتب" في الصحف ففيه أكثر من تأويل:
التأويل الأول: الصحف هي الكتب. والكتب التي في الصحف هي الأحكام. كما قال اللَّه عز وجل: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنّ} [المجادلة: 21]. بمعنى: حكم. وقال صلى الله عليه وسلم: [واللَّه لأقضين بينكما بكتاب اللَّه]- ثم قضى بالرجم. ذكره القرطبي وقال: (وليس ذِكر الرجم مسطورًا في الكتاب، فالمعنى لأقضين بينكما بحكم اللَّه تعالى).
التأويل الثاني: الكتب التي في صحف القرآن ومصاحفه، هي ما صحّ من كتب الأولين كموسى وعيسى وغيرهما، مما حكاه اللَّه تعالى في كتابه عنهم، فإنه لم يأت منها إلا بما هو قوي سليم. ذكره القاسمي وقال:(وقد ترك حكاية ما لبّس فيه الملبّسون إلا أن يكون ذكره لبيان بطلانه. ولهذا لم يجد الجاحدون لرسالته عليه السلام من أهل الكتاب سبيلًا إلى إنكار الحق. وإنما فضلوا عليه سواه).
التأويل الثالث: الكتب هي السور المكتوبات -سور القرآن- فكل سورة من سور المصحف كتاب قويم. قال النسفي: ({فِيهَا} في الصحف {كُتُبٌ} مكتوبات {قَيِّمَةٌ} مستقيمة ناطقة بالحق والعدل). والتقدير: تحتوي صحف القرآن أو صحائفه وأوراق مصحفه على سور مكتوبات من القرآن هي كتب قيمة.
وقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} .
أي: ولم يكن تفرق أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا لاشتباه في الأمر، بل كان بعد وضوح الحق وظهور الصواب، ثم بعث اللَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم فآمن به بعضهم وكفر آخرون، وكان ينبغي أن يكونوا أمة واحدة في الإيمان باللَّه واتباع رسوله الذي جاءهم بالحق مصدقًا لما معهم، ولكن تحاكم أكثرهم إلى الهوى والشهوات.
وقد حذّر اللَّه أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الوقوع في ما وقع به أهل الكتاب فقال جل ثناؤه:
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
أخرج الترمذي والحاكم بسند حسن في الشواهد عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلًا بمثل حذو النعل بالنعل، حتى لو أن فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي من يفعل مثله. إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة. فقيل: يا رسول اللَّه، ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي](1).
وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} . هو أصل هذا الدين، وركنه القويم. والمقصود: وما أمر الناس في الكتب المنزلة وكذلك في هذا القرآن إلا بعبادة اللَّه وحده عبادة خالصة من كل ألوان الشرك، وليجعلوا أنفسهم خالصة له في الدين. {حُنَفَاءَ} مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام. قال ابن عباس:({حُنَفَاءَ}: على دين إبراهيم عليه السلام. وقال قتادة: (والحنيفية: الختان، وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والمناسك). وأصله في لغة العرب: من تَحَنَّفَ إلى الإسلام، أي: مال إليه، فهو التحنّف عن الشرك إلى التوحيد.
وفي التنزيل نحو ذلك:
1 -
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
2 -
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
3 -
(1) حسن لشواهده. أخرجه بتمامه الترمذي في "سننه"(5/ 26 - طبعة أحمد شاكر)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 128 - 129)، والآجري في "الشريعة" ص (15).
أخرج الخطيب عن جابر، والديلمي عن عائشة، وأحمد عنها بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[بعثت بالحنيفية السمحة](1).
وروى البخاري في كتاب الإيمان، باب: الدين يسر وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الدين إلى اللَّه تعالى الحنيفية السمحة"، وكذلك النسائي في "الإيمان وشرائعه" باب: الدين يسر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إنّ الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة](2).
وقوله: {وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} . أي: ويفعلوا الصلوات على الوجه الذي يريده اللَّه، في أوقاتها، ويعطوا الزكاة المفروضة عند محلها.
وقوله: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} . أي: إن ذلك الدين هو دين الملة القائمة المستقيمة، دين الأمة العادلة المعتدلة. قال قتادة:({وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} هو الدين الذي بعث اللَّه به رسوله، وشرع لنفسه، ورضي به).
وقال الزجاج: (أي ذلك دين المِلّة المستقيمة). قال القرطبي: (و {الْقَيِّمَةِ} نعت لموصوف محذوف. أو يقال: دِين الأمة القيمة بالحق، أي: القائمة بالحق). قال: وقال الخليل: ({الْقَيِّمَةِ} جمع القيم، والقيم والقائم واحد). وقال الفراء: (أضاف الدين إلى القيمة وهو نعته، لاختلاف اللفظين). وعنه أيضًا: (هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، ودخلت الهاء للمدح والمبالغة). وقيل: الهاء راجعة إلى الملة أو الشريعة. وقال محمد بن الأشعث الطالقاني: ({الْقَيِّمَةِ} هاهنا: الكتب التي جرى ذكرها، والدين مضاف إليها).
قلت: فهذه الآية العظيمة تدل أن الدين يشمل الإيمان ولوازمه من الأعمال، وقد استدل بها أئمة كرام كالإمام الزهري والإمام الشافعي مؤكدين أن الأعمال داخلة في مفهوم الإيمان.
6 -
8. قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
(1) حديث حسن. رواه أحمد والديلمي. ورواه البخاري "الأدب المفرد" عن ابن عباس بلفظ: [قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أي: الأديان أحب إلى اللَّه تعالى؟ قال: "الحنيفية السمحة"].
(2)
رواه البخاري (1/ 87) في الإيمان، ورواه النسائي (8/ 121 - 122)، وهو حديث صحيح.
خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}.
في هذه الآيات: إخبار اللَّه تعالى عن مصير كفرة أهل الكتاب والمشركين، أنهم في نار جهنم نار الجحيم، خالدين فيها مع أشقياء البرية والمجرمين. ثم تقرير اللَّه جلت عَظمته أن أهل الإيمان والعمل الصالح هم خير العالمين، جزاؤهم عند ربهم الخلود في جنات النعيم، تجري من تحتهم الأنهار ناعمين غانمين، لقد رضي اللَّه عنهم ورضوا عنه فاستحقوا عنده الخلود آمنين مطمئنين.
قال ابن جرير: ({أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هم شرّ من برأه اللَّه وخلقه). والبرية في لغة العرب: الخليقة. قال الرازي: (البَرَى: التراب. والبرِيّة: الخَلْق، وأصله الهمزة، والجمع "البرايا" و"البَرِيّات". وقد "براه" اللَّه أي: خَلَقَه).
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} . أي: خير الخليقة حالًا، لأنهم آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم إخباتًا، ولذلك سيكونون خير الخليقة مصيرًا ومآلًا.
وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أنس بن مالك قال: [قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية، قال: "ذاك إبراهيم"](1). أخرجه الترمذي عند تفسير هذه الآية.
ومن كنوز صحيح السنة في آفاق ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج النسائي وأحمد وابن حبان بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: [أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرَج عليهم وهم جلوس فقال: ألا أُخبركم بخير الناس منزلة؟ قلنا: بلى، قال: رجل ممسك برأس فرسه في سبيل اللَّه حتى يموت أو يقتل. قال: فأخبركم بالذي يليه؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه، قال: امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل الناس. قال: فأخبركم بشر الناس منزلة؟ قلنا: نعم يا رسول اللَّه، قال: الذي يسأل باللَّه العظيم، ولا يعطي به](2).
(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (7/ 97). وانظر صحيح سنن الترمذي (2670).
(2)
حديث صحيح. أخرجه النسائي (1/ 358)، والدارمي (2/ 201 - 202)، وابن حبان في =
الحديث الثاني: أخرج الترمذي وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة: [أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقف على ناس جلوس فقال: "ألا أُخْبِرُكُم بخيركم من شرّكم؟ " قال: فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول اللَّه أخبرنا بخيرنا من شرنا. قال: "خَيْرُكم مَنْ يُرْجَى خيْرُهُ ويُؤْمَنُ شرُّهُ، وشَرُّكُم مَنْ لا يُرْجَى خَيْرُه، ولا يُؤْمَنُ شَرُّه"](1).
الحديث الثالث: أخرج الطبراني بسند حَسن لغيره عن عبد اللَّه بن عمر قال: [سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: أحسنهم خلقًا](2).
أي: ثوابهم عند ربهم يوم القيامة بساتين الجنان، تجري تحتهم الأنهار، يطلون عليها ينظرون وينعمون، ولا يحولون ولا يزولون.
وقوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} . إثبات تبادل الرضا بينهم وبين ربهم. فقد رضوا عن شرعه وقدره ورضي عن دينهم وأعمالهم. قال ابن عباس: ({رضي الله عنهم} أي: رضي أعمالهم). قال ابن جرير: ({رضي الله عنهم} بما أطاعوه في الدنيا، وعملوا لخلاصهم من عقابه في ذلك {وَرَضُوا عَنْه} بما أعطاهم من الثواب يومئذ، على طاعتهم ربهم في الدنيا، وجزاهم عليها من الكرامة).
وقوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} . قال القاسمي: ({ذَلِكَ} أي: هذا الجزاء الحسن وهذا الرضاء {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أي: خاف اللَّه في الدنيا، في سرّه وعلانيته، فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. فإن الخشية ملاك السعادة الحقيقية).
تم تفسير سورة البينة بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منّه وكرمه غروب شمس يوم الثلاثاء 3 - ذي الحجة - 1426 هـ الموافق 3/ كانون الثاني/ 2006 م
= "صحيحه"(1593)، وأحمد (1/ 237). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (255).
(1)
حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن (2263). انظر صحيح سنن الترمذي (1845).
(2)
حسن لغيره. أخرجه الطبراني (13326)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1837). وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمرو مرفوعًا بلفظ:[خياركم أحاسنكم أخلاقًا].