المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهاج السورة - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون - جـ ٨

[مأمون حموش]

فهرس الكتاب

- ‌60 - سورة الممتحنة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌61 - سورة الصف

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌62 - سورة الجمعة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاح السورة

- ‌آداب خاصة بيوم الجمعة:

- ‌الأدب الأول: الغُسْل لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثاني: التبكير لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثالث: لبس أحسن الثياب والتسوك والتماس أجمل الطيب:

- ‌ما يستحب من الأذكار والأدعية يوم الجمعة:

- ‌أولًا: الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: قراءة سورة الكهف:

- ‌ثالثًا: الإكثار من الدعاء رجاء مصادفة ساعة الإجابة:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌63 - سورة المنافقون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌64 - سورة التغابن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌65 - سورة الطلاق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌66 - سورة التحريم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌أسباب نزول هذه الآيات:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌67 - سورة الملك

- ‌ذكر ما جاء في فضلها من أحاديث:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌68 - سورة القلم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌69 - سورة الحاقة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌70 - سورة المعارج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌71 - سورة نوح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌72 - سورة الجن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌73 - سورة المزمل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌74 - سورة المدثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌75 - سورة القيامة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌76 - سورة الإنسان

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌77 - سورة المرسلات

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌78 - سورة النبأ

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌79 - سورة النازعات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌80 - سورة عبس

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌81 - سورة التكوير

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌82 - سورة الانفطار

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌ دروس ونتائج وأحكام

- ‌83 - سورة المطففين

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌84 - سورة الإنشقاق

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌85 - سورة البروج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌86 - سورة الطارق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌87 - سورة الأعلى

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌88 - سورة الغاشية

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌89 - سورة الفجر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌90 - سورة البلد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌91 - سورة الشمس

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌92 - سورة الليل

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌93 - سورة الضحى

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌94 - سورة الشرح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌95 - سورة التين

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌96 - سورة العلق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌97 - سورة القدر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌فضائل ليلة القدر وما ورد في تعيينها من أحاديث:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌98 - سورة البينة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌99 - سورة الزلزلة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌100 - سورة العاديات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌101 - سورة القارعة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌102 - سورة التكاثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌103 - سورة العصر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌104 - سورة الهمزة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌105 - سورة الفيل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌106 - سورة قريش

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌107 - سورة الماعون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌108 - سورة الكوثر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌109 - سورة الكافرون

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌110 - سورة النصر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌111 - سورة المسد

- ‌أسباب النزول:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌112 - سورة الإخلاص

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌113 - سورة الفلق

- ‌فضائل المعوذتين وما ورد في ذكرهما:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌114 - سورة الناس

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

الفصل: ‌ منهاج السورة

‌موضوع السورة

أهوال الغاشية وأحوال الناس يوم الدين

-‌

‌ منهاج السورة

-

1 -

التخويف من أهوال الغاشية وهي القيامة، فوجوه الكفار ذليلة منكّسة، لم ينتفع أصحابها من العمل والتعب، والبذل والنصب.

2 -

ذكر حال السعداء بعد ذكر مآل الأشقياء، فوجوه المؤمنين ناعمة سعيدة، يتقلب أصحابها في الملذات والنعم العديدة.

3 -

التنبيه إلى النظر في المخلوقات العجيبة، وتركيباتها الغريبة.

4 -

هذه الذكرى تنفع المؤمنين، وستكون حسرة على الكافرين.

5 -

المرجع إلى اللَّه والجزاء والحساب، والأعمال توزن على الميزان لنيل الثواب والعقاب.

بسم الله الرحمن الرحيم

1 -

7. قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)}.

في هذه الآيات: تخويفُ اللَّه تعالى عباده من أهوال الساعة، فوجوه الكفار يومئذ خاشعة ذليلة، لِهَوْلِ ما هي قادمة عليه من حياة مريرة.

فقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} . قال ابن عباس: ({الْغَاشِيَةِ} من أسماء يوم القيامة، عظَّمَهُ اللَّه، وحذّره عباده). وقال قتادة: (الغاشية: الساعة). و {هَلْ}

ص: 425

بمعنى قد، والتقدير: قد جاءك يا محمد حديث الغاشية، أي القيامة. وسميت بذلك لأنها تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها وتَعُمُّهم.

وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} . قال قتادة: (أي ذليلة). وقال ابن عباس: (تنخشعُ ولا ينفعها عملُها). والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه، قال يحيى بن سلام:(وجوه الكفار كلهم). والخشوع: الخضوع والتذلل.

والمقصود: وجوه الكفار يومئذ في الموقف ذليلة منكّسة من هول ما تراه وما هي قادمة عليه.

وقوله تعالى: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} . أي كانوا في الدنيا في تعب ونصب في العمل والعبادة، لكنهم على منهاج فاسد ودين باطل، فخسروا التجارة وباؤوا بغضب اللَّه. و {نَاصِبَةٌ} أي تَعِبَةٌ. من نَصِب ينصَب نصَبًا: إذا تَعب.

قال البخاري: (وقال ابن عباس: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}: النصارى).

وقال عكرمة: ({عَامِلَةٌ} في الدنيا بالمعاصي، {نَاصِبَةٌ} في النار بالعذاب والأغلال).

وقال الضحاك عن ابن عباس: (هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية اللَّه عز وجل، وعلى الكفر، مثل عبدة الأوثان، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم، لا يقبل اللَّه جل ثناؤه منهم إلا ما كان خالصًا له).

وقال الحافظ أبو بكر البَرْقانيُّ: حَدَّثنا إبراهيم بن محمد المُزَكى، حَدَّثنا محمد بن إسحاق السراج، حَدَّثنا هارون بن عبد اللَّه، حَدّثنا سَيَّار، حَدَّثنا جعفر قال: سَمِعتُ أبا عِمران الجَوْني يقول: (مَرَّ عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه بدير راهب، قال: فناداه: يا راهبُ! يا راهبُ! فأشرَفَ، قال: فجعل عمر يَنظُرُ إليه ويبكي. فقيل له: يا أمير المؤمنينَ، ما يُبكيك من هذا؟ قال: ذكرتُ قول اللَّه عز وجل في كتابه: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}، فذاك الذي أبكاني).

وقوله تعالى: {تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} . قال ابن عباس: (أي: حارّة شديدة الحرّ).

والمقصود: يصيبها صِلاؤها وحرّها، فقد أوقدت وأحميت المدة الطويلة.

وقوله تعالى: {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} . قال ابن عباس ومجاهد: (أي: قد انتهى حَرُّها وغَليَانُها).

ص: 426

والمقصود: تسقى من عين ماء شديدة حرارة مائها، قد أوقد عليها حتى وقت متأخّر.

وهو من الإيناء: بمعنى التأخير. وفي لغة العرب: آناه يؤنيه إيناء، أي أخَّرَه وحبسه وأبطأه، ومنه قوله تعالى:{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44].

وفي سنن ابن ماجة بسند صحيح عن جابر بن عبد اللَّه، أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخطب. فجعل يتخطى الناس. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:[اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وآنَيْتَ](1).

وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} . الضريع: نوع من الشوك، يقال له الشبرق في لسان قريش إذا كان رطبًا، فإذا يبس فهو الضريع.

قال ابن عباس: (الضريع: الشِّبرق). وقال عكرمة: (هي شجرة ذات شوك، لاطئة بالأرض، فإذا كان الربيع سَمَّتها قريش الشِّبرق، فإذا هاجَ العود سمتها الضريع). وقال مجاهد: (الشبرق اليابس). وقال قتادة: ({إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} قال: هو الشبرق إذا يبس يسمى الضريع). وقال: (من شرِّ الطعام وأبشَعِهِ وأخبثه).

قال البخاري: (وقال مجاهد: الضريعُ: نَبْتٌ يُقال له: الشِّبْرَقُ، تُسَمِّيه أَهْلُ الحجاز الضريع إذا يَبِسَ، وَهْوَ سُمٌّ).

وقوله تعالى: {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} . أي: لا يُخْصب البدن ولا يحصل به مقصود، ولا يسكن داعية النفس ولا نهمها ولا يندفع به محذور.

8 -

16. قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)}. في هذه الآيات: ذِكْرُ حال السعداء، بعد ذكر مآل الأشقياء، فوجوه المؤمنين

(1) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (1115). وله شاهد عند أبي داود (1118) من حديث عبد اللَّه بن بسر، وكذلك النسائي (3/ 103)، وأحمد (4/ 190)، وغيرهم.

ص: 427

يومئذ وجوه ناعمة سعيدة، يعلوها الفرح والسرور لما بُشِّرت به من حياة متميزة فريدة، كل ما فيها ملذات ورخاء ونعم عديدة.

فقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} . أي ذات نعمة وبهجة، وهي وجوه المؤمنين، لما شاهدوا من عاقبة أمرهم وحسن استقبالهم. قال ابن جرير:(يقول: هي ناعمة بتنعيم اللَّه أهلها في جناته، وهم أهل الإيمان باللَّه).

وقوله تعالى: {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} . أي: لعملها الذي عملته في الدنيا راضية، لأنها قد أُعطيت من الثواب والتكريم ما أرضاها.

وقوله تعالى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} . أي: في جنة رفيعة بَهيّة الروعة والجمال، عالية الغرفات رفيعة القدر والخدمة والاستقبال.

وقوله تعالى: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} . قال ابن عباس: (يقول: لا تسمع أذى ولا باطلًا). وقال مجاهد: ({لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} قال: شتمًا). وقال قتادة: (لا تسمع فيها باطلًا، ولا شاتمًا).

قال القاسمي: ({لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} أي لغوًا، أو كلمة ذات لغو. لأن كلامهم الحكمة والعلوم والتسبيح والتحميد).

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} [الواقعة: 25 - 26].

2 -

وقال تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مريم: 62].

3 -

وقال تعالى: {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [الطور: 23].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -في وصف الزمرة الأولى والثانية في دخول الجنة- قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قُلوبهم قلبٌ واحد، يسبحون اللَّه بكرة وعشيًا](1).

وقوله تعالى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} . قال ابن كثير: (أي: سارحة. وهذه نكرة في سياق الإثبات، وليسَ المرادُ بها عينًا واحدةً، وإنما هو جِنْسٌ، يعني: فيها عيون جاريات).

وقوله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} . السرر: جمع سرير، و {مَرْفُوعَةٌ} أي عالية ناعمة

(1) حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم (1956) - (1957)، وهو جزء من حديث أطول.

ص: 428

في رقتها وحسن فرشها، وعليها الحور العين. قال النسفي:({مَرْفُوعَةٌ} من رفعه المقدار أو السَّمْك، ليرى المؤمن بجلوسه عليه -أي السرير- جميع ما خَوَّلَهُ ربه من الملك والنعيم).

وقوله تعالى: {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} . الأكواب جمع كوب، وهي الأباريق التي لا آذان لها.

والمقصود: قد أعدت أواني الشراب وأرصدت لطالبيها.

قال ابن جرير: (وعني بقوله {مَوْضُوعَةٌ}: أنها موضوعة على حافة العين الجارية، كلما أرادوا الشرب، وجدوها ملأى من الشراب).

وقوله تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} . النمارق: الوسائد والمرافق. واحدها نُمْرُقة. قال ابن عباس: (النمارق: الوسائد). أو قال: (المجالس). وقال أيضًا: ({وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} يقول: المرافق).

والمقصود: وسائد ومطارح مصفوفة بعضها إلى بعض، أينما أراد المؤمن الجلوس جلس على واحدةٍ منها واستند إلى الأخرى.

وقوله تعالى: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} . قال ابن عباس: (الزرابي البُسُط). وقال قتادة: ({وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ}: المبسوطة).

والمقصود: وبسط عراض فاخرة مفرقة في المجالس هَاهنا وهاهنا لمن أراد الجلوس عليها.

17 -

26. قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}.

في هذه الآيات: تنبيهُ اللَّه تعالى عباده إلى النظر في مخلوقاته العجيبة، وتركيباتها الغريبة، فالإبل والجبال والسماء والأرض تحتاج إلى نظرة دقيقة، وهذه الذكرى تنفع

ص: 429

المؤمنين، وستكون حسرة على الكافرين، والموعد للحساب ووزن الأعمال يوم الدين.

فقوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} . أي: على ما هي عليه من الخلق البديع، والتركيب العجيب، من عظم جثتها، ومزيد قوّتها، وغريب أوصافها، ومع ذلك فهي تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف، مع ما تدرّه على الناس من اللحم واللبن والوبر. وكانت الإبل من غالب دواب العرب وأنفس أموالهم، وأكثر ما لصق بحياتهم ومعاشهم.

قال قتادة: (لما نعت اللَّه ما في الجنة، عجّب من ذلك أهل الضلالة، فأنزل اللَّه {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} فكانت الإبل من عيش العرب ومن خَوَلهِمْ). وكان شريحُ القاضي يقول: (اخرُجوا بنا حتى ننظرَ إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت؟ ).

قلت: وسرّ هذا الخلق العجيب والقوة الشديدة للإبل متعلق بطبيعة ما خُلقَتَ منه، فإنها خُلِقت من الجن. وفي ذلك أحاديث، منها:

الحديث الأول: أخرج أبو داود بسند صحيح عن البراء بن عازب قال: سُئِل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: [لا تُصلوا في مباركِ الإبل فإنها من الشياطين](1).

الحديث الثاني: أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن عبد اللَّه بن مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [صَلُّوا في مرابضِ الغَنَمِ، ولا تُصَلُّوا في أَعْطانِ الإبل. فإنها خُلِقَتْ مِنَ الشياطين](2).

الحديث الثالث: أخرج أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين، وصلوا في مرابض الغنم، فإنها بركة](3).

(1) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (184)، (493). وانظر صحيح أبي داود (464).

(2)

حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (769)، كتاب المساجد والجماعات. باب: الصلاة في أعطان الإبل ومُراح الغنم. وانظر صحيح ابن ماجة (622).

(3)

حديث صحيح. رواه أحمد وأبو داود. انظر صحيح سنن أبي داود (169)، وصحيح الجامع الصغير (7228)، وله شواهد كثيرة.

ص: 430

وقوله تعالى: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} . أي فوق الأرض بلا عمد، على وجه لا يناله الفهم ولا يدركه العقل. كما قال تعالى:{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق: 6].

وقوله تعالى: {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} . أي: رفعت على الأرض منتصبة، مُرْساةً راسخة، لا تميد ولا تميل ولا تزول.

وقوله تعالى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} . أي بُسطت ومُدَّت ومُهِّدت.

قال القرطبي: (وكانوا يسيرون على الإبل منفردين مستوحشين عن الناس، ومَنْ هذا حاله تفكر فيما يحضره، فقد ينظر في مركوبه، ثم يمد بصره إلى السماء، ثم إلى الأرض. فأُمِروا بالنظر في هذه الأشياء، فإنها أدل دليل على الصانع المختار القادر).

وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: نُهينا أنْ نَسْأَلَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ شيءٍ، فكان يُعْجِبنا أن يَجيءَ الرجلُ مِنْ أَهْلِ البادية، العاقِلُ، فيَسْألَهُ ونحن نسمع، فجاءَ رجلٌ من أهل البادية، فقال: يا محمدُ! أتانا رسولك فزعَمَ لنا أنك تَزْعُمُ أنَّ اللَّه أَرْسَلكَ؟ قال: صَدَق. قال: فمن خلقَ السماء؟ قال: اللَّه. قال: فمن خلقَ الأرض؟ قال: اللَّه. قال: فمن نَصَبَ هذه الجبال، وجَعَل فيها ما جَعَلَ؟ قال: اللَّه. قال: فبالذي خلقَ السماءَ وخلقَ الأرضَ وَنَصَبَ هذه الجبالَ، آللَّه أرسلكَ؟ قال: نعم] الحديث (1).

فسأل الرجل من أهل البادية النبي صلى الله عليه وسلم مستدلًا بهذه الأمور والمخلوقات العظيمة التي يراها في حله وترحاله على خالقها ومالكها ومدبِّر شؤونها.

وقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} . أي: فعظ الناس يا محمد وخَوِّفهم بما جاءك من الوحي، فإنما أنت منذر وعلى ربك الحساب.

وقوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} . قال ابن عباس: (يقول: لست عليهم بجبار).

وقال ابن زيد: (لست عليهم بمسلط أن تكرههم على الإيمان).

والمقصود: لست تخلق الإيمان -يا محمد- في قلوبهم، ولم تُسَلَّط عليهم حتى يؤمنوا، وإنما عليك البلاغ، وعلى اللَّه الثواب والعقاب.

(1) حديث صحيح. رواه مسلم (12)، كتاب الإيمان، وأخرجه أحمد (3/ 143)، والترمذي (619).

ص: 431

أخرج الترمذي بسند صحيح عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [أُمِرْت أَنْ أقاتِلَ الناسَ حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها عَصَموا مني دِماءَهم وأموالهم إلا بِحَقِّها وحسابُهم على اللَّه. ثم قرأ: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}](1).

قال القرطبي: (وقرأ هارون الأعور "بِمُسَيْطَرٍ" بفتح الطاء، و"المسيطرون". وهي لغة تميم). وأصل ذلك في لغة العرب من السَّطر وهو الصَّف من الشيء، وهو الخَطُّ والكتابة أيضًا. قال الرازي:(والمُسَيطر والمُصَيْطر: المُسَلَّطُ على الشيء لِيُشرِفَ عليه ويتعهّد أحواله ويكتبَ عمله، قال اللَّه تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}).

وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} . الاستثناء منقطع. والتقدير: لكن من تولى عن الوعظ ونَفر، وأعرض عن الإيمان وكفر، فإن للَّه الولاية والقهر، فهو تعالى يعذبه في نار جهنم العذاب الأكبر.

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: [أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: كُلُّ أمَّتي يدخُلون الجنة إلا مَنْ أبى. قالوا: يا رسول اللَّه، ومَنْ يأبى؟ قال: مَنْ أطاعني دَخَلَ الجنَّة، ومَنْ عَصَاني فَقَدْ أبى](2).

وأخرج الإمام أحمد في المسند بإسناد حسن عن علي بن خالد، أنّ أبا أمامة الباهليَّ مَرَّ على خالد بن يزيد بن معاوية، فسأله عن ألين كَلمة سَمِعها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: [ألا كُلُّكُم يدخل الجنةَ، إلا مَنْ شَرَد على اللَّه شِرَادَ البعير على أهله](3).

وقوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} . قال قتادة: (يقول: إنّ إلى اللَّه الإياب، وعليه الحساب).

والتقدير: إلينا مرجعهم ومنقلبهم بعد موتهم، ثم علينا محاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم يوم بعثهم ومعادهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ.

(1) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (3341)، كتاب التفسير، عند هذه الآية، انظر صحيح سنن الترمذي (2662). وأخرجه أحمد (3/ 300)، والنسائي في "التفسير"(690). والحديث ورد في الصحيحين عن جماعة من الصحابة دون ذكر الآية.

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (7280)، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.

(3)

حديث حسن. أخرجه أحمد (5/ 258) وإسناده حسن، وعلي بن خالد قال عنه الحافظ في "التقريب" (4728): صدوق. ولأصل الحديث شواهد، وانظر ما قبله.

ص: 432