الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
103 - سورة العصر
وهي سورة مكية، وعدد آياتها (3).
أخرج الطبراني في "الأوسط" والبيهقي في "الشعب" بسند حسن في الشواهد عن ثابت البناني عن أبي مدينة الدارمي -وكانت له صحبة- قال: [كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهُما على الآخر: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، ثم يُسَلّم أحدهما على الآخر](1).
وفي لفظ: [كان الرجلان من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرّقا إلا على أن يقرأ أحدُهما على الآخر سورة العَصْر إلى آخرها، ثم يُسَلِّم أحدهما على الآخر]. وقال الشافعي رحمه الله: (لو تَدَبَّرَ الناسُ هذه السورة لَوَسِعَتْهم).
موضوع السورة
الإقسام بالعصر أن الإنسان مظنة الخسران إلا إن كان من أهل الصدق في العمل والإيمان
-
منهاج السورة
-
1 -
قسَمُ اللَّه تعالى بالوقت والزمان، أن الإنسان مظنة الخسران.
2 -
استثناء أهل الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر من الخسارة، فهؤلاء قد كتب اللَّه لهم الفوز والربح في التجارة.
(1) حديث حسن. أخرجه الطبراني في "الأوسط"(5120)، والبيهقي في "الشعب"(9057)، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة -حديث رقم- (2648).
بسم الله الرحمن الرحيم
1 -
3. قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}.
في هذه الآيات: يقسم اللَّه سبحانه بالوقت -وهو العمر- أن الإنسان مظنة الخسران، إلا إن كان من أهل الإيمان والعمل الصالح والشكر للَّه بمقابلة الإحسان بالإحسان، وكان من أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -في جماعة الحق- أهل الصبر على الغربة والمحن عبر الأيام.
فقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ} . قسَمٌ من اللَّه سبحانه بالدهر. وعن ابن عباس: ({وَالْعَصْرِ} قال: العصر: ساعة من ساعات النهار). وقال الحسن: (هو العشي).
قلت: والراجح الأول وهو عموم الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم، من خير وشر. فأقسم تعالى بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب. قال القرطبي:(أيّ عصر أقسم اللَّه به عز وجل، لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدّلها، وما فيها من الدلالة على الصانع).
وقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} . هو جواب القسم. ويعني بالإنسان جنس الناس. قال الأخفش: ({لَفِي خُسْرٍ}: لفي هَلكَةٍ). وقال الفراء: (عقوبة). قال ابن جرير: (يقول: إن ابن آدم لفي هلكة ونقصان). وقيل: لفي غَبْن. وقال ابن زيد: (لفي شر). والمعنى متقارب. وهو كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} .
وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} . استثناء من الإنسان، الذي هو مظنة الخسران. قال ابن كثير:(فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم).
وقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} . قال القاسمي: (أي أوصى بعضهم بعضًا بما أنزل اللَّه في كتابه من أمره، واجتناب ما نهى عنه من معاصيه).
وقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . قال قتادة: (الصبر: طاعة اللَّه). قال الرازي: (دلت الآية على أن الحق ثقيل، وأنّ المحن تلازمه. فلذلك قرن التواصي بالصبر). وقال النسفي: ({وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى ما يبلو به اللَّه عباده). وتخصيص التواصي بالحق والصبر مع دخولهما في مفهوم الأعمال الصالحة، إنما هو لإبراز مكانتهما ليحصل الاعتناء بهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر، والتمييز بينهما. ولابد من العلم بحال المأمور وحال المنهي. قال: ولا بد أيضًا أن يكون حليمًا، صبورًا على الأذى. فإنه لا بد أن يحصل له أذى. فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح، كما قال لقمان لابنه:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17].
قال: ولهذا أمر اللَّه الرسل -وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- بالصبر، كقوله لخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة، فإن أول ما أرسل أنزلت عليه سورة {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} بعد أن أنزلت عليه سورة {اقْرَأْ} التي بها نُبِّئَ. فقال اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} . فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة، وختمها بالأمر بالصبر) (1).
فسورة "العصر" سورة جامعة لكل خير، ولذلك كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأها أحدهما على الآخر، كما مضى ذكره. قال الشافعي رحمه الله:(لو فكّر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم).
قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": (وبيان ذلك أن المراتب أربعة وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله. إحداها معرفة الحق. الثانية عمله به. الثالثة تعليمه من لا يحسنه. الرابعة صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه. فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة. وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر أن كل أحد في خسر، {إِلَّا الَّذِينَ
(1) انظر رسالة: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" -شيخ الإسلام- وانظر كتابي: تحصيل السعادتين ص (262). لمزيد من التفصيل في هذا البحث.