الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضوع السورة
القسم بالتين والزيتون والطور ومكة أَنَّ خَلْقَ الإنسان في أحسن تقويم وأن النجاة بالإيمان والعمل الصالح وإلا كان المَرَدُّ إلى أسفل سافلين
-
منهاج السورة
-
1 -
قَسَمُ اللَّه تعالى بالتين والزيتون والطور المبارك والبلد الحرام أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم.
2 -
مَرَدُّ الإنسان إلى أسفل سافلين، إن لم يكن على منهاج المرسلين.
3 -
التعجب من التكذيب بالدين، واللَّه يحكم وهو أحكم الحاكمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
1 -
8. قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}.
في هذه الآيات: يقسم اللَّه تعالى بالتين والزيتون والجبل المبارك والبلد الحرام أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأن مَرَدَّهُ إلى أسفل سافلين، إنْ لم يكن من المؤمنين على منهاج المرسلين، وهذا هو حكم اللَّه أحكم الحاكمين.
فقوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} . قَسَمٌ من اللَّه بالتين الذي يأكله الناس، والزيتون الذي يعصرون منه الزيت. قال البخاري:(وقال مجاهد: هو التين والزيتون الذي يأكلُ الناس). وقال مجاهد أيضًا: (هو تينكم هذا). وقال عكرمة: (هو هذا الزيتون الذي تعصرون).
وقوله تعالى: {وَطُورِ سِينِينَ} . هو طور سيناء، أقسم اللَّه به. قال مجاهد:({وَطُور}: الجبل و {سِينِينَ}: المبارك). قال كعب الأحبار: (هو الجبل الذي كلَّم اللَّه عليه موسى). وقال عكرمة: (والسينين: الحسن، كما ينبت في السهل، كذلك ينبت في الجبل). وقال قتادة: (جبل بالشام، مبارك حسن).
وقوله تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} . يعني مكة، وسماه أمينًا لأنه آمِن. والمقصود: يقسم اللَّه تعالى بهذا البلد الحرام الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله، أو يغزوهم.
قلت: وقد جاء في التوراة: أنّ اللَّه تجلّى على الناس في أماكن ثلاثة، هِيَ: سيْنَاء، حيث أُعطي موسى عليه السلام التوراةَ. ساعير "جبال في فلسطين"، حيث أُعطي الإنجيل لعيسى عليه السلام. مكَّة "فاران": حيث نزل القرآن على محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
تقول التوراة التي بين يدي اليهود إلى يومنا هذا: "جاء الرَّبُ من سَيناء، وأشرقَ لنا من ساعيرَ، وتلألأ من جبل فاران".
وفاران: هو الاسم القديم لمكة، كما تذكر التوراة نفسها في سِفْر التَّكوين (21: 22).
وقد أشار بعض الباحثين، إلى أن القرآن قد أشار إلى هذه الأماكن الثلاثة بقوله تعالى:{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} . التين والزيتون: إشارة إلى منابتهما في فلسطين. طور سينين: سَيْناء. هذا البلد الأمين: مكة.
وقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} . هو جواب القسم.
وفي التفاسير أقوال متقاربة متكاملة في مفهوم هذه الآية:
1 -
قال ابن عباس: ({فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قال: في أعدل خلق). وقال إبراهيم: (في أحسن صورة). وقال مجاهد: (أحسن خلق).
2 -
قال عكرمة: ({لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} قال: الشاب القوي الجلد). وعن ابن عباس قال: (شبابه أول ما نشأ).
3 -
قال ابن عباس -في رواية-: (خلق كل شيء منكبًّا على وجهه إلا الإنسان).
والمقصود: خلق اللَّه تعالى الإنسان في أكمل هيئة، وأَتَمِّ خَلْقٍ، وأحسن صورة،
فقد خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده، وخلقه عالمًا متكلمًا مدبرًا حكيمًا، جاهزًا لمهمة الاستخلاف في الأرض.
وقوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} . أي: ثم رددناه إلى دركات النار في الآخرة، مقابل تضييع العمر والشباب في الكفر والآثام، والمعاصي والطغيان، إلا من رحمه الرحمان. فعن مجاهد:({ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قال: إلى النار). وقال الحسن: (جهنم مأواه).
قلت: فإذا كان هذا الإنسان الذي خلقه اللَّه في أحسن حال وصورة يُرَدّ شرًا من كل دابة، بعد الحُسن والنضارة، وفي حال أسوأ من كل حال، إلى أسفل دركات النار، لمن لم يطع اللَّه ويتبع الرسل، كان هذا تأويل الردّ إلى أسفل سافلين.
وروي عن ابن عباس وعكرمة: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أي إلى أرْذَلِ العمر، وإلى الهرم، وهو اختيار ابن جرير، والمعنى الذي ذكرناه أنسب للسياق، لاستثناء المؤمنين من ذلك في الآية بعده، وهو اختيار ابن كثير.
وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} . هو كقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .
والمقصود: استثناء من اللَّه تعالى للمؤمنين، فلا يردون أسفل سافلين، بل إلى جنة اللَّه الواسعة في عليين. وعن مجاهد:({فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}: قال: غير محسوب). وقال ابن عباس: (غير منقوص). وقد قدّمنا القول أن المقصود على الأرجح أنه ثواب دائم غير مقطوع، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} . أي فما يحملك بعد ذلك أيها الإنسان الذي خلقك اللَّه في أحسن تقويم، وأنه يردك إن عصيته أسفل سافلين، أن تكذب بالبعث والحساب، والثواب والعقاب! وعن عكرمة:({فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} قال: الحساب). وقال ابن عباس: (يقول: ما يكذبك بحكم اللَّه).
وقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} . أي قضاء وعدلًا. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أليس اللَّه يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه، وفصل قضائه بين عباده؟ ).