الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
101 - سورة القارعة
وهي سورة مكية، وعدد آياتها (11).
موضوع السورة
أهوال القارعة وأحوال الناس يوم الدين
-
منهاج السورة
-
1 -
التخويف من أمر القارعة، تقرع القلوب بالفزع، وتقرع أعداء اللَّه بالعذاب.
2 -
انتشار الناس كالفراش في أرض المحشر، والجبال كالصوف المنفوش المبعثر.
3 -
أهل الموازين الثقيلة في جنات النعيم، وأصحاب الموازين الخفيفة في نار الجحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
1 -
11. قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ
الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}.
في هذه الآيات: تعظيمُ اللَّه أمر القارعة، تقرع العباد بأهوالها، ويكون الناس كالفراش المنتشر في أرض الحشر، والجبال كالصوف المنفوش المبعثر، فمن ثقلت موازينه كان في جنات النعيم، ومن خفت موازينه كان في نار الجحيم.
فقوله تعالى: {الْقَارِعَةُ} . اسم من أسماء القيامة، سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بالفزع، وتقرع أعداء اللَّه بالعذاب. قال ابن عباس:({الْقَارِعَةُ} من أسماء يوم القيامة، عَظَّمَهُ اللَّه وحذّره عباده). وقال قتادة: ({الْقَارِعَةُ}: الساعة). وقال وكيع: (سمعت أن القارعة والواقعة والحاقة: القيامة). قلت: وكذلك الطامّة والصّاخة والغاشية وغير ذلك من أسماء ونعوت القيامة.
وقوله تعالى: {مَا الْقَارِعَةُ} . قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره معظِّمًا شأن القيامة والساعة التي يقرع العباد هولها، أي شيء القارعة، يعني بذلك: أي شيء الساعة التي يقرع الخلق هولها، أي ما أعظمها وأفظعها وأهولها).
وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} . قال القاسمي: (تأكيد لهولها وفظاعتها، ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق على معنى أن عظم شأنها ومدى شدتها، بحيث لا تكاد تناله دراية أحد، حتى يدريك بها).
وقوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} . الفراش: هو الحشرة الطائرة المعروفة. والمبثوث: المنتشر. والمقصود: القارعة يوم يسير الناس على غير هدى في كل اتجاه لشدة الهول حتى يحشروا إلى الموقف. كما قال سبحانه: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: 7].
وعن قتادة: ({يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار). وقال ابن زيد: (هذا شَبَهٌ شبهه اللَّه. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: كغوغاء الجراد، يركب بعضه بعضًا، كذلك الناس يومئذ، يجول بعضهم في بعض).
وقوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} . العهن: الصوف.
والمعنى: وتكون الجبال يومئذ كالصوف الملون بالألوان المختلفة الذي نُفِشَ بالندف. وهذا لأنها تتفتت وتطّاير. قال قتادة: (العهن: هو الصوف. وذكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء). قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش. والعهن: هو الألوان من الصوف).
وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} . أي: أعماله الصالحة. والموازين: الوزن. والمقصود: رجحت حسناته على سيئاته في الميزان.
والميزان كما دلت السنة الصحيحة هو لِوَزْنِ الأعمال يوم القيامة، وله كفتان حسيتان مشاهدتان، وهو ميزان دقيق عالي الحساسية والدقة، يعطي الوزن الصحيح لكل عمل حسب قيمته وظروف القيام به، والغربة التي رافقته، ودواعي النفس والسوء التي صاحبته، وخَلاصُه من الرياء وحبّ السمعة، وبُعده عن الظهور وحب الرياسة، والأذى الذي لحق بصاحبه، والصبر الذي صُرِفَ له، وكظم الغيظ ومعالي الأخلاق وجميل الحلم الذي احتُسِبَ للَّه عنده، فقد هيأ اللَّه هذا الميزان يوم القيامة ليؤشر ويدخل في الحساب هذه الدقة العالية.
وفي التنزيل:
1 -
قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
2 -
وقال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8 - 9].
ومن صحيح السنة العطرة في مفهوم ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الحاكم بسند جيد عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت. فتقول الملائكة: يا رب: لِمَنْ يزن هذا؟ فيقول اللَّه تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. ويوضع الصراط مثل حد الموسى فتقول الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي. فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك](1).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
(1) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (4/ 586). وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (941).
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان اللَّه وبحمده، سبحان اللَّه العظيم](1).
الحديث الثالث: أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [الطهور شطرُ الإيمان، والحمد للَّه تملأ الميزان، وسبحان للَّه، والحمد للَّه تملآن ما بين السماوات والأرض](2).
الحديث الرابع: أخرج أحمد في المسند بإسناد حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه: [أنه كان يجني سِواكًا من الأراك وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ممَّ تضحكون؟ قالوا: يا نبي اللَّه من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحد](3).
وقوله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} . قال مجاهد: (يقول: في عيشة قد رضيها في الجنة). والعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة، والمقصود: هو في حياة مرضية يرضاها صاحبها.
وقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} . أي: خفّ وزن حسناته، ورجح وزن سيئاته.
أخرج البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند اللَّه جناح بعوضة، وقال اقرؤوا إن شئتم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]] (4).
وقوله تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} . أي: فمسكنه جهنم، وسمّاها أمّه لأنه يأوي إليها كما يأوى الطفل إلى أمه، وسميت هاوية لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها. فعن قتادة:({فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} وهي النار هي مأواهم). وقال: (مصيره إلى النار، هي الهاوية). وقال قتادة: (هي كلمة عربية، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قال: هوت أمّهُ). وعن أبي صالح: ({فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} قال: يهوون في النار على رؤوسهم).
(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (7563) - كتاب التوحيد. وأخرجه مسلم (2694) في الذكر.
(2)
حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم برقم (120)، وهو جزء من حديث أطول.
(3)
حديث حسن. انظر تخريج الطحاوية (82) - وكتابي: أصل الدين والإيمان (2/ 741) لمزيد من التفصيل لهذا البحث: "الحساب والقصاص والميزان".
(4)
حديث صحيح. أخرجه البخاري (4729) - كتاب التفسير. سورة الكهف، آية (105).
وعن سعيد عن قتادة: ({فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} قال: يهوي في النار على رأسه). وعن ابن عباس: ({فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} وهو مثلها، وإنما جعلت النار أمُّه، لأنها صارت مأواه، كما تؤوي المرأة ابنها، فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها، بمنزلة أمّ له).
و{هَاوِيَةٌ} اسم من أسماء النار. قال ابن زيد: (الهاويةُ: النار، هي أمُّه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها، وقرأ: {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}).
وفي سنن النسائي بسند صحيح من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إذا حُضِرَ المؤمن أتَتْهُ ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخْرُجي راضيةً مَرْضيًا عنك، إلى رَوْحِ اللَّه ورَيْحان، وربٍّ غَيْرِ غضبان، فتخرج كأطيب ريح المِسك، حتى أنَّه لَيُناوِلُهُ بَعْضُهم بَعْضًا، حتى يأتون به بابَ السماء، فيقولون: ما أطْيَبَ هذه الريح، التي جاءتكم من الأرض، فيأتونَ به أرواحَ المؤمنين، فلهم أشدُّ فَرَحًا به من أحَدِكُمْ بغائبه يَقْدَمُ عليه. فيسألونه: ماذا فعل فُلان، ماذا فعلَ فُلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غمِّ الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهِبَ به إلى أُمِّهِ الهاويةِ] الحديث (1).
وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} . استفهام للتهويل والتفظيع، ببيان أنها خارجة عن المعهود بحيث لا يدرى كنهها.
وقوله تعالى: {نَارٌ حَامِيَةٌ} . أي: قد انتهى حرّها وبلغ في الشدة غايته، فهي شديدة الحرّ، قوية اللهيب والسعير.
قال ابن جرير: (يعني بالحامية: التي قد حميت من الوقود عليها).
وقد جاء تفصيل ذلك في أحاديث من السنة المطهرة:
الحديث الأول: أخرج الشيخان عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:[ناركم جزء من سبعين جُزءًا من نار جهنم. قيل: يا رسول اللَّه! إن كانت لكافية. قال: فُضِّلت عليهن بتسعة وستين جزءًا كلهنَّ مثلُ حرّها](2).
وفي رواية: [ناركم هذه التي توقد بنو آدم، جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم].
(1) حديث صحيح. انظر صحيح سنن النسائي (1729) - كتاب الجنائز. باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه. ورواه الحاكم وابن حبان. انظر: صحيح الجامع (504).
(2)
حديث صحيح. أخرجه البخاري (3265)، وأخرجه مسلم (2843). وانظر: مختصر صحيح مسلم (1976)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (2/ 760) - لتفصيل البحث. وانظر لرواية أحمد: المسند (2/ 467)، وإسناده على شرط مسلم.
وفيها: [فإنَّها فَضَلَتْ عيها بتسعة وستين جزءًا، كُلُّهُنَّ مثلُ حرِّها]. وفي رواية لأحمد في المسند: [لقد فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءًا حرًّا فحَرًّا].
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إنَّ ناركم هذه جزءٌ من سبعين جُزءًا من نار جَهَنَّم، وَضُرِبتْ بالبحر مَرَّتين، ولولا ذلك ما جَعَلَ اللَّه فيها مَنْفَعَةً لأحد](1).
وفي رواية أخرى عند أحمد عنه مرفوعًا: [هذه النار جزء من مئة جزء من جهنم].
الحديث الثالث: أخرج الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: [أهْوَنُ أهل النار عذابًا أبو طالب، وهو مُنتعِلٌ بنَعْلَيْن من نارٍ يغلي منهما دماغُه](2).
وله شاهد في مسند أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعًا: [إنَّ أهونَ أهل النار عذابًا من له نَعلان يغلي منهما دماغُه].
الحديث الرابع: أخرج أحمد والشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعًا: [إذا اشتدَّ الحرُّ فأبْرِدُوا عن الصلاة، فإن شدّة الحر من فَيْحِ جَهنّم](3).
الحديث الخامس: أخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:[اشتكت النار إلى ربِّها فقالت: يا ربِّ! أكَلَ بعضي بعضًا، فأذِنَ لها بنفسَين: نفسٌ في الشتاء، ونفسٌ في الصيف. فأشدُ ما تجدون في الشتاء من بَرْدِها، وأشدُّ ما تجدون في الصيف من حَرّها](4).
تم تفسير سورة القارعة بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منّه وكرمه صبيحة يوم الخميس 5 - ذي الحجة - 1426 هـ الموافق 3/ كانون الثاني/ 2006 م
(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (2/ 244)، وإسناده على شرطهما. وانظر للرواية الأخرى مسند أحمد (2/ 379)، وإسناده على شرط مسلم.
(2)
حديث صحيح. رواه مسلم (1/ 135). وانظر للمشاهد مسند أحمد (2/ 432) ورجاله ثقات.
(3)
حديث صحيح. أخرجه البخاري (536)، ومسلم (615) ح (183)، وأحمد (2/ 229).
(4)
حديث صحيح. أخرجه البخاري (337)، ومسلم (617) ح (185)، والترمذي (2592)، وابن ماجة (4319)، وأحمد (2/ 462)، وابن حبان (7366).