الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: قراءة سورة الكهف:
أخرج الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مَن قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاءَ له من النور ما بين الجمعتين](1).
ثالثًا: الإكثار من الدعاء رجاء مصادفة ساعة الإجابة:
ففي صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي -واللفظ له- عن جابر رضي الله عنه، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:[يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبدٌ مسلم يسأل اللَّه عز وجل شيئًا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد صلاة العصر](2).
وقوله: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} . أي: دعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة. قال القرطبي: ({وَذَرُوا الْبَيْعَ}: منع اللَّه عز وجل منه عند صلاة الجمعة، وحرّمه في وقتها على من كان مخاطبًا بفرضها. والبيع لا يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما. قال: وخصّ البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق. ومن لا يجب عليه حضور الجمعة فلا يُنْهى عن البيع والشراء).
وقوله: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . قال ابن جرير: (يقول: سعيكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلى ذكر اللَّه، وترك البيع خير لكم من البيع والشراء في ذلك الوقت، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارها).
وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} . هذا أمر إباحة. قال الضحاك: (هذا إذن من اللَّه، فمن شاء خرج، ومن شاء جلس).
وقوله: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} . أي من رزقه. قال ابن كثير: (لما حَجَرَ عليهم في التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع أذِن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل اللَّه).
وقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . أي عند البيع والشراء وفي شأنكم كله. قال القاسمي: (أي اذكروا أمره ودينه وشرعه دائمًا، لتصير ملكة لكم، تظهر آثارها على أعمالكم وأخلاقكم، فتفلحوا بسعادة الدارين). وعن مجاهد: (لا يكون العبدُ من
(1) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (368/ 2)، والبيهقي (249/ 3)، وإسناده صحيح.
(2)
حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (853)، وصحيح الترغيب (705)، ورواه الحاكم على شرط مسلم، ورواه أبو داود والنسائي -واللفظ له- وله شواهد كثيرة بألفاظ مقاربة.
الذاكرين اللَّه كثيرًا حتى يذكر اللَّه قائمًا وقاعدًا ومُضْطَجِعًا).
قلت: وذكر اللَّه يشمل التسبيح والتهليل والدعاء والصلاة على النبي عليه السلام. ويشمل تلاوة القرآن ومطالعة السنة وهدي خير الأنام. كما يشمل ملاطفة الخلق واختيار أجمل القول مع الوالدين والزوجة والأبناء والأرحام.
ففي التنزيل:
1 -
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41 - 42].
2 -
وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].
ومن كنوز السنة العطرة في آفاق ذلك أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [يقول اللَّه تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، واللَّهِ للَّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة](1).
الحديث الثاني: أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة بسند حسن عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من دخل السوق فقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتبَ اللَّه له ألفَ ألفِ حسنة، ومحا عنه ألف ألفِ سيئة، ورفعَ له ألفَ ألفِ درجة، وبنى له بيتًا في الجنة](2).
الحديث الثالث: أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن أبي سعيد، وأبي هريرة قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصَلّيا أو صلّى ركعتين جميعًا كُتِبَا في الذاكرين والذاكرات](3). وفي رواية: [إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ أهله وصليا ركعتين كُتِبا من الذاكرين اللَّه كثيرًا والذاكرات].
(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (2675)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.
(2)
حديث حسن. أخرجه أحمد والترمذي، وابن ماجة (2233). انظر صحيح ابن ماجة (1817).
(3)
حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (1309)، أبواب قيام الليل. وانظر صحيح سنن أبي داود (1161). ورواه النسائي وابن ماجة والحاكم. انظر: صحيح الجامع (330).
11.
في هذه الآية: عتابٌ لطيف من اللَّه تعالى لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم في انشغالهم بالعير وبهجة قدومها عن متابعة خطبته عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة، فما عند اللَّه خير وأبقى واللَّه خير الرازقين.
أخرج البخاري ومسلم والترمذي عن جابر بن عبد اللَّه قال: [بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذْ أقْبَلَت عِيرٌ تحْمِلُ طعامًا فالتفتوا إليها، حتى ما بقيَ مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثْني عشَرَ رجلًا، فنَزَلتْ هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}](1).
ولفظ الترمذي: [بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا، إذ قدمت عير المدينة فابتدرها أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلًا فيهم: أبو بكر، وعمر، ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}].
وأخرج الطبري بسند رجاله رجال الصحيح عن جابر بن عبد اللَّه قال: [كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرّون بالكبر والمزامير ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا على المنبر، وينفضون إليها، فأنزل اللَّه: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}](2).
وقوله: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} . فيه دليل أن الإمام يخطب يوم الجمعة قائمًا.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: [كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خُطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويُذَكِّر الناس](3).
وقوله: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} . أي: قل لهم يا محمد: ما عند اللَّه من الثواب وحسن المآب خيرٌ من لذة اللهو وفائدة التجارة، فثواب انصرافكم إلى
(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (936)، كتاب الجمعة. وكذلك (2058)، (4899)، وأخرجه مسلم (863) ح (36)، (37)، (38)، والترمذي (3311)، وأحمد (3/ 313).
(2)
أخرجه الطبري في "التفسير" -حديث رقم- (34145) ورجاله رجال الصحيح، وكذلك أخرجه أبو عوانة في صحيحه، وذكره الحافظ في الفتح. وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول - الوادعي- سورة الجمعة، آية (11).
(3)
حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (862) ح (34) من حديث جابر بن سمرة.
الصلاة وسماع العلم وتعظيم معالم الشرع لا يعدله كسب من أرزاق الدنيا.
وقوله: {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} . قال ابن كثير: (أي: لمن توكل عليه، وطلب الرزق في وقتِه). وقال القرطبي: ({وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} أي خير من رزق وأعطى، فمنه فاطلبوا، واستعينوا بطاعته على نَيْلِ ما عنده من خيري الدنيا والآخرة).
تم تفسير سورة الجمعة بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منّه وكرمه عصر السبت 26 رمضان 1426 هـ الموافق 29/ تشرين الأول/ 2005 م
* * *