الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
منهاج السورة
-
1 -
انفطار السماء لنزول الملائكة وتساقط الكواكب وتفجر البحار وتبعثر القبور لمشهد الحساب، ونيل الثواب ونكال العقاب.
2 -
تقسيم المآل بحسب الأعمال، فأهل الإيمان في جنات النعيم، وأهل الكفر في نار الجحيم.
3 -
يوم الدين هو يوم الجزاء والحساب، وحصول العبد على نتائج كسبه من الثواب أو العقاب.
بسم الله الرحمن الرحيم
1 -
12. قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}.
في هذه الآيات: تَشقُّق السماء لنزول الملائكة يوم القيامة، وتساقط الكواكب وتفجر البحار وتبعثر القبور لخروج الموتى لمشهد الفرح أو الندامة.
فقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} . أي: تشققت لنزول الملائكة. كما قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25]. وقيل: تفطّرت لهيبة اللَّه تعالى. كقوله جلت عظمته: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18]. والفَطْر: الشَّقُ، وتَفَطَّر الشيء: شَقَّقَ.
وقوله تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَت} . أي: تساقطت متفرقة.
وقوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} . قال ابن عباس: (فجّر اللَّه بعضَها في بعض). -أي فصارت بحرًا واحدًا- أو انفجارها كانفجار البراكين، وهذا قبيل قيام الساعة.
وقال البخاري: (قال الرَّبيع بن خُثَيْمٍ: "فُجِّرت": فاضت).
وقوله تعالى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} . أي قُلِبَ ترابها، وأخرج الموتى منها. قال ابن عباس:(بُحِثَتْ). وقال السُّدّي: (تُبَعْثَر: تُحَرَّكُ فيخرج مَنْ فيها).
وقوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} . أي: علمت حينئذ عند نشر الصحف ما قدّمت من عمل خير أو شرّ، وما أخّرت من حسنة أو سيئة. كما قال تعالى:{يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13].
والمقصود: إذا كانت هذه الحوادث الرهيبة قامت القيامة، فحوسبت كل نفس بما عملت، وأوتيت كتابها بيمينها أو بشمالها. قال القاسمي:({عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ} أي لذلك اليوم من عمل صالح أو سَيِّئٍ {وَأَخَّرَتْ} أي تركت من خير أو شر. أو المعنى: ما قدمت من عمل طيب لم تقصر فيه، وما أخرت أي قصرت فيه. والمراد بالعلم بالتمَديم والتأخير، وجدان الجزاء عليهما، وتحقق مصداق الوعد عليهما).
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} . تهديد من تمادى في العصيان، وغرّه عفو الرحمان، إذ لم يعاجله بالعقاب والانتقام. قال ابن عمر:(غرَّه -واللَّه- جهله). وقال قتادة: (غرّ ابن آدم هذا العدو الشيطان). وقال الفضيل بن عياض: (لو قال لي: "ما غرّك بي"، لقلت: سُتورك المُرْخاة). قال ابن كثير: (إنما أتى باسمه {الْكَرِيمِ} لِيُنَبِّهَ على أنه لا ينبغي أن يقابَلَ الكريم بالأفعال القبيحة، وأعمال السوء).
وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} . قال البخاري: (وقرأ الأعمش وعاصم "فَعَدَلك" بالتخفيف، وقرأه أهل الحِجاز بالتشديد، وأراد مُعْتدِل الخَلْق، ومن خَفَّفَ يَعْني: في أي صورة شاء: إمّا حَسَنٌ، وإما قبيحٌ، أو طويلٌ أو قصير).
والمقصود: خلقك ربك أيها الإنسان من نطفة ولم تك شيئًا "فسَوّاك" رجُلًا تسمع وتبصر وتعقل {فَعَدَلَكَ} جعلك معتدلًا قائمًا حسن الصورة، وجعل أعضاءك متعادلة متناسبة، في أحسن الهيئات والأشكال.
أخرج ابن ماجة وأحمد وابن سعد بسند حسن عن جُبَيْر بن نُفَير، عن بُسْر ابن جَحَّاش، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصق يومًا على كفِّه، ووضع عليها إصبعه ثم قال: [يقول اللَّه تعالى: يا ابن آدم! أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سَوَّيْتُكَ وعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بردين وللأرض منك وئيدٌ، فجمعت ومَنَعْتَ، حتى إذا بَلَغَتْ
نفسك هذه -وأشار إلى حلقه- "وفي رواية: حتى إذا بلغت التّراقى" قلتَ: أتصدق، وأنّى أوان التصدق؟ ! ] (1).
وقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} . أي: ركبك سبحانه في الصورة التي شاءها من الصور المختلفة، وأنت لم تختر صورة نفسك. قال مجاهد:({فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}: في أي شَبَه أبٍ أو أمٍّ أو خالٍ أو عمٍّ). وقال مكحول: (إن شاء ذكرًا، وإن شاء أنثى). وقال عكرمة: (إن شاء في صورة إنسان، وإن شاء في صورة حمار، وإن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة خنزير). قال قتادة: (قادر -اللَّه- ربنا على ذلك). -والمقصود هنا: ولكنه بلطفه وحلمه اختار لك سبحانه أنسب شكل وأحسن منظر، وكَرَّمك على سائر المخلوقات في أحسن تقويم-.
وقوله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} . -كلّا- للردع والزجر عن الاغترار بكرم اللَّه وجعله ذَريعة إلى الكفر به. والدين: الجزاء. قال النسفي: ({بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} ردع عن الغفلة عن اللَّه تعالى {بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} أصلًا، وهو الجزاء، أو دين الإسلام فلا تصدقون ثوابًا ولا عقابًا).
وعن مجاهد: ({تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} قال: بالحساب). أو قال: (بيوم الحساب). وقال قتادة: (قوله {بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} قال: يوم شدّة، يوم يدين اللَّه العباد بأعمالهم).
وقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ} . يعني: وإن عليكم لملائكة رقباء حفظة يحفظون أعمالكم، ويحصونها عليكم، كرامًا على اللَّه كاتبين، يكتبون ما يصدر عنكم. والمقصود: فاحرصوا على أعمال الإيمان والطاعة لتكتب لكم، واجتنبوا الشرك والقبائح والآثام أن تسطر في صحائفكم.
وقوله تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} . أي من خير أو شر. قال القاسمي: (أي يحصونه عليكم، فلا يغفلون ولا ينسون).
قال الرازي: (إنّ اللَّه تعالى أجرى أموره مع عباده على ما يتعاملون به فيما بينهم. لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم. ولما كان الأبلغ عندهم في المحاسبة إخراج كتاب بشهود، خوطبوا بمثل هذا فيما يحاسبون به يوم القيامة. فيخرج لهم كتب
(1) إسناده حسن. أخرجه ابن ماجة (2/ 159)، وأحمد (4/ 210)، وابن سعد في "الطبقات" (7/ 427). وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (1099).
منشورة، ويحضر هناك ملائكة يشهدون عليهم، كما يشهد عدول السلطان على من يعصيه ويخالف أمره).
13 -
19. قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}.
في هذه الآيات: تقسيم المآل بحسب الأعمال، فأهل الإيمان والبر في نعيم الجنان، وأهل الكفر والعصيان في صِلِيِّ النيران، إنه يوم الدين والحساب، يوم نيل الثواب ونكال العقاب.
فقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} . قال ابن جرير: (يقول جل ثناؤه: إنّ الذين برّوا بأداء فرائض اللَّه، واجتناب معاصيه، لفي نعيم الجنان ينعمون فيها). والأبرار جمع "بَرّ" وهو المتصف بالبِرّ -أي الطاعة.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} . أي: وإن الذين فجروا عن أمر اللَّه -أي انشقوا عنه وخالفوه- سيصيرون إلى الجحيم.
وقوله تعالى: {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} . أي يصلى هؤلاء الفجار الجحيم يوم القيامة، يوم يُدان العباد بالأعمال، فيجازون بها. قال ابن عباس:({يَوْمَ الدِّينِ} من أسماء يوم القيامة، عظّمهُ اللَّه، وحذّره عباده).
وقوله تعالى: {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} . أي: لا يفارق أصحاب الجحيم النار أبدًا، ولا يغيبون عنها، ولا يجابون إلى ما يسألون من الموت أو الراحة، ولو يومًا واحدًا، بل هم فيها أبدَ الآبدين. كما قال تعالى:{وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48].
وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} . قال قتادة: (تعظيمًا ليوم القيامة، يوم تدان فيه الناس بأعمالهم).
وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} . تأكيد لِعِظَم ذلك اليوم عن طريق التكرار، وتفخيم لأهواله التي تحمل الفضيحة والخزي على الكفرة والمجرمين والفجار.
وقوله تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} . تفسير لما يكون في
ذلك اليوم الرهيب، حيث لا تغني نفس عن نفس شيئًا، وتنتهي فيه الرياسات، والممالك والقرارات، والأمر يومئذ للجبار، الواحد القهار. وعن قتادة:({وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} قال: ليس ثم أحد يومئذ يقضي شيئًا ولا يصنع شيئًا إلا رب العالمين). وقال أيضًا: (والأمر واللَّه اليوم للَّه، ولكنه يومئذ لا ينازعه أحد).
وفي التنزيل نحو ذلك:
1 -
قال تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26].
2 -
وقال تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: [قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أنزل اللَّه عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]. قال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا، يا عباسُ بن عبد المطلب لا أغني عنك من اللَّه شيئًا، ويا صفية عمةَ رسول اللَّه لا أغني عنك من اللَّه شيئًا، ويا فاطمةُ بنتَ محمد سليني من مالي لا أغني عنك من اللَّه شيئًا] (1).
تم تفسير سورة الانفطار بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منِّه وكرمه عشاء الخميس 15/ ذي القعدة/ 1426 هـ الموافق 15/ كانون الأول/ 2005 م
(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (4771) - كتاب التفسير. وانظر صحيح مسلم -حديث رقم- (204) - كتاب الإيمان.