المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهاج السورة - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون - جـ ٨

[مأمون حموش]

فهرس الكتاب

- ‌60 - سورة الممتحنة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌61 - سورة الصف

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌62 - سورة الجمعة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاح السورة

- ‌آداب خاصة بيوم الجمعة:

- ‌الأدب الأول: الغُسْل لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثاني: التبكير لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثالث: لبس أحسن الثياب والتسوك والتماس أجمل الطيب:

- ‌ما يستحب من الأذكار والأدعية يوم الجمعة:

- ‌أولًا: الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: قراءة سورة الكهف:

- ‌ثالثًا: الإكثار من الدعاء رجاء مصادفة ساعة الإجابة:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌63 - سورة المنافقون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌64 - سورة التغابن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌65 - سورة الطلاق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌66 - سورة التحريم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌أسباب نزول هذه الآيات:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌67 - سورة الملك

- ‌ذكر ما جاء في فضلها من أحاديث:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌68 - سورة القلم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌69 - سورة الحاقة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌70 - سورة المعارج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌71 - سورة نوح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌72 - سورة الجن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌73 - سورة المزمل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌74 - سورة المدثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌75 - سورة القيامة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌76 - سورة الإنسان

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌77 - سورة المرسلات

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌78 - سورة النبأ

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌79 - سورة النازعات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌80 - سورة عبس

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌81 - سورة التكوير

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌82 - سورة الانفطار

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌ دروس ونتائج وأحكام

- ‌83 - سورة المطففين

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌84 - سورة الإنشقاق

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌85 - سورة البروج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌86 - سورة الطارق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌87 - سورة الأعلى

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌88 - سورة الغاشية

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌89 - سورة الفجر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌90 - سورة البلد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌91 - سورة الشمس

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌92 - سورة الليل

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌93 - سورة الضحى

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌94 - سورة الشرح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌95 - سورة التين

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌96 - سورة العلق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌97 - سورة القدر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌فضائل ليلة القدر وما ورد في تعيينها من أحاديث:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌98 - سورة البينة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌99 - سورة الزلزلة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌100 - سورة العاديات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌101 - سورة القارعة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌102 - سورة التكاثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌103 - سورة العصر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌104 - سورة الهمزة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌105 - سورة الفيل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌106 - سورة قريش

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌107 - سورة الماعون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌108 - سورة الكوثر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌109 - سورة الكافرون

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌110 - سورة النصر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌111 - سورة المسد

- ‌أسباب النزول:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌112 - سورة الإخلاص

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌113 - سورة الفلق

- ‌فضائل المعوذتين وما ورد في ذكرهما:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌114 - سورة الناس

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

الفصل: ‌ منهاج السورة

‌86 - سورة الطارق

وهي سورة مكية، وعدد آياتها (17).

أخرج الترمذي والنسائي بإسناد صحيح عن جابر بن سمرة: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر، بـ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ونحوهما](1).

‌موضوع السورة

القسم بالسماء والطارق أن كل نفس عليها حفظة من الملائكة الأبرار وفي القيامة تبلى السرائر ويتميز الأخيار من الأشرار

-‌

‌ منهاج السورة

-

1 -

قَسَمُ اللَّه تعالى بالسماء ونجومها وكواكبها أن كل نفس عليها حفظة من الملائكة.

2 -

تنبيه اللَّه تعالى الإنسان للنظر في تركيب خلقه ليؤمن برجوعه إلى ربه.

3 -

في القيامة تبلى السرائر، ولا منقذ يدفع عن الإنسان ولا ناصر.

4 -

قَسَمُ اللَّه تعالى بالسماء ذات النفع والأرض ذات الصدع أن القرآن كلامه الذي يفصل بين الحق والباطل، وما هو بالكلام الهازل.

5 -

مَكْرُ الكفار بدين اللَّه وأوليائه سيرجع عليهم بالوبال والنكال.

(1) حسن صحيح. انظر صحيح سنن الترمذي (252)، وصحيح سنن النسائي (936).

ص: 406

بسم الله الرحمن الرحيم

1 -

10. قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)}.

في هذه الآيات: يُقسم اللَّه سبحانه بالسماء وما جعل فيها من النجوم والكواكب النيِّرة المضيئة، وتعظيم القَسَم بالسماء متعلق بعظم قدر السماء في أعين الخلق لكونها معدن رزقهم، ومسكن الملائكة، وفيها خلق الجنة، فأقسم بها وبالطارق -والمراد جنس النجوم- التي يرجم بها لعظم منفعتها، ثم فسّره بالنجم الثاقب أي المضيء، أنّ كل نفس عليها حفظة من الملائكة، فحري بالإنسان أن ينظر إلى تركيب خلقه، ليؤمن برجوعه إلى ربه، يوم تبلى السرائر، فماله من منقذ يدفع عنه يومئذ ولا ناصر.

فقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} . قال البخاري: (هو النّجْمُ، وما أتاك ليلًا فهو طارق). وقال قتادة: (إنما سُمِّيَ النجم طارقًا لأنه إنما يُرى بالليل ويختفي بالنهار).

ويؤيد ذلك ما في الصحيحين والمسند من حديث جابر بن عبد اللَّه قال: [كان النبي صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ أن يأتِيَ الرجُلُ أهْلَهُ طُرُوقًا](1). أي: يأتيهم فجأةً بالليل.

وفي رواية: [إذا أطالَ أحدكم الغَيْبَةَ فلا يَطْرُق أهْلَهُ ليلًا].

ورواه الحاكم من حديث ابن رواحة، والطبراني من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[لا تطرقوا النساء ليلًا](2).

وفي المسند ومعجم الطبراني بسند جيد من حديث أبي التياح في تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (5243) - (5244)، كتاب النكاح، وأخرجه مسلم (1528)، وأحمد (3/ 299)، وأبو داود (2776)، وابن حبان (4182).

(2)

حديث صحيح. أخرجه الحاكم (4/ 293)، والطبراني. وانظر صحيح الجامع الصغير (7239).

ص: 407

الذي علّمه جبريل عليه السلام: [وَمِنْ شَرِّ فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق، إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمان! ](1).

قال الشهاب: (الطارق من "الطَّرْق"، وأصل معناه الضرب بوقعٍ وشدة يسمع لها صوت. ومنه المطرقة والطريق، لأن السابلة تطرقها. ثم صار في عرف اللغة اسمًا لسالك الطريق، لتصور أنه يطرقها بقدمه. واشتهر فيه حتى صار حقيقة. وتسمية الآتي ليلًا "طارقًا" لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها).

وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} . تأكيد لأهمية المُقْسَم به، لِيُنْتبَهَ بعد ذلك إلى ما يقع في جواب هذا القسم.

وقوله تعالى: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} . تفسير للمبهم بعد تفخيم شأنه، وتنبيه على الاعتبار والاستدلال به. والمراد بالنجم جنس النجوم. وكذلك الطارق والثاقب اسم جنس أريد به العموم. قال البخاري:({النَّجْمُ الثَّاقِبُ}: المضيء).

وقال مجاهد: (الثاقب: المتوهِّج). وقال السدي: (يثقب الشياطين إذا أرسل عليها). وقال عكرمة: (هو مضيءٌ مُحْرِقٌ للشيطان). ومنه قوله تعالى: {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10].

قيل: وسمي بالثاقب لأنه يخترق بشدة ظلمة الليل. قال النسفي: (كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه).

وقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} . هو جواب القسم. أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون على كل نفس قولها رفعلها، ويحصون ما تكسب من خير وشر، ويحرسونها من المصائب والآفات بإذن اللَّه.

قال قتادة: (حفظة يحفظون عليك رزقكَ وعملك وأجلك).

وقال أيضًا: (قَرينُهُ يحفظ عليه عمله، من خير أو شر).

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

2 -

وقال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].

(1) إسناده جيد. أخرجه أحمد (3/ 419)، وأبو يعلى (6844)، ورجاله رجال الصحيح.

ص: 408

3 -

وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 - 12].

وفي معجم الطبراني بسند صحيح عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إن صاحب الشمال ليرفع القلم ستَّ ساعات عن العبد المسلم المخِطئ، فإن ندم واستغفر اللَّه منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة](1).

وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} . استفهام للتنبيه، أي لينظر ابن آدم من أي شيء خُلق؟ قال القرطبي:(وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره وسنته الأولى، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يُمْلي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره).

وقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} . أي: مصبوب في الرحم. وهو ماء الرجل وماء المرأة، لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدًا لامتزاجهما، وهو يخرج منهما دفقًا.

وقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} . يعني صلب الرجل وترائب المرأة، وهو صَدُرها. قال الرازي:(و"التَّريبة" واحدة "الترائب" وهي عظام الصَّدْر).

وعن ابن عباس: ({يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قال: صلب الرجل وترائب المرأة، أصفَرُ رقيقٌ، لا يكونُ الولدُ إلا منهما). وقال الضحاك عن ابن عباس: (تريبةُ المرأة موضِعُ القِلَادَة). وقال سعيد بن جبير عنه: (الترائب: بين ثَدْيَيْها).

وعن مجاهد: (الترائِبُ ما بين المَنْكِبين إلى الصدر). وقال أيضًا: (الترائب أسفلُ من التَّراقي). وقال سفيان الثوري: (فوق الثديين).

وقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} . فيه قولان عند المفسرين:

القول الأول: إنه تعالى على رجْعِ هذا الماء الدافق إلى مقرّه الذي خرج منه لقادر.

قال عكرمة: ({إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قال: إنه على ردّه في صلبه لقادر). وقال مجاهد: (على أن يرد الماء في الإحليل). أو قال: (على ردّ النطفة في الإحليل).

القول الثاني: إنه على بعث هذا الإنسان -المخلوق من ماء دافق- لقادر، لأن من

(1) حديث حسن. أخرجه الطبراني في "الكبير"(ق 25/ 2 مجموع 6)، والبيهقي في "الشعب"(2/ 349/ 1)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 124). وانظر:"الصحيحة"(1209).

ص: 409

قَدَر على البدأةِ قَدَر على الإعادة. قال قتادة: (إن اللَّه تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر).

قلت: والقول الثاني أنسب للسياق، لورود الآية بعده:{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} ، وهو اختيار شيخ المفسرين -الإمام ابن جرير- رحمه الله.

وقوله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} . قال سفيان: (تختبر). وقال قتادة: (إن هذه السرائر مختبرة، فأسِرُّوا خيرًا وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوة إلا باللَّه).

وقال عطاء بن أبي رباح: ({يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} قال: ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة، وهو السرائر، ولو شاء أن يقول قد صمت وليس بصائم، وقد صَلّيت ولم يصل، وقد اغتسلت ولم يغتسل).

والمقصود: في ذلك اليوم تختبر وتعرف سرائر القلوب ونيات الأعمال، فيصبح السر علانية والمكنون مشهورًا، ويتميز الصدق من النفاق، والحسن من القبيح.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: 29].

2 -

وقال تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس: 30].

ومن كنوز صحيح السنة في آفاق ذلك أحاديث، منها:

الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:[إنَّ الغادِرَ يُنْصَبُ لهُ لِواءٌ يومَ القيامة، فيقال: هذه غَدْرةُ فلانِ بنِ فُلانٍ](1).

الحديث الثاني: أخرج ابن ماجة والترمذي بسند صحيح عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [مَنْ يُرائي يُرائي اللَّه بِه، ومَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّع اللَّه به](2).

الحديث الثالث: أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: حدثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ["أنَّ اللَّه تعالى إذا كان يومَ القيامة ينْزلُ إلى العبادِ ليقضِيَ بينهم، وكُلُّ أُمَّةٍ جاثيةٌ، فأوَّلُ من يَدْعو بِهِ رجلٌ جَمعَ القرآنَ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيل اللَّه، ورجلٌ كثير

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (6178)، كتاب الأدب، وأخرجه مسلم (1735) ح (10).

(2)

حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (4206)، وأخرجه الترمذي (2381). وانظر: صحيح سنن الترمذي (1940) - أبواب الزهد - باب ما جاء في الرياء والسمعة.

ص: 410

المال. فيقول اللَّه للقارئ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ ما أَنْزلْتُ على رسولي؟ قال: بلى يا ربِّ. قال: فماذا عَمِلْتَ فيما عَلِمْتَ؟ قال: كنتُ أقومُ به آناء الليل وآناء النهار، فيقول اللَّه له: كَذَبْتَ، وتقول الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول اللَّه له: بل أرَدْتَ أنْ يُقالَ: فُلان قارئ، فقد قيلَ ذلِكَ.

ويؤتى بصاحبِ المال، فيقول اللَّه: ألمْ أوسِّعْ عليك حتى لمْ أدَعْكَ تحتاجُ إلى أحَدٍ؟ قال: بلى يا ربِّ. قال: فماذا عَمِلْتَ فيما آتَيْتُكَ؟ قال: كنتُ أصِلُ الرَّحِمَ وأتصدَّق، فيقول اللَّه له: كَذَبْتَ، وتقول الملائكة له: كذَبْتَ، ويقول اللَّه بل أرَدْتَ أن يُقال: فُلانٌ جَوادٌ، وقد قيلَ ذلك.

ويُؤتى بالذي قُتِلَ في سبيل اللَّه، فيقول اللَّه له: في ماذا قُتِلْتَ؟ فيقول: أمرتَ بالجهاد في سبيلك فقاتلتُ حتى قُتِلْتُ. فيقول اللَّه له: كَذَبْتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول اللَّه، بل أردْتَ أنْ يُقالَ: فَلانٌ جَريءٌ، فقد قيل ذلك". ثم ضرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على رُكبتي فقال: يا أبا هريرة: أولئك الثلاثةُ أوَّلُ خَلْقِ اللَّه تُسَعَّرُ بهم النارُ يومَ القيامة] (1).

وقوله تعالى: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} . أي: فما للإنسان يومئذ من قوة في نفسه يمتنع بها من عذاب اللَّه وأليم نكاله، ولا ناصر ينقذه مما نزله به من ألم ومكروه ومصيبة.

قال قتادة: ({فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} قال: ينصره من اللَّه). وقال: (من قوة يمتنع بها، ولا ناصر ينصره من اللَّه). وقال سفيان الثوري: (القوة: العشيرة، والناصر: الحليف).

والمقصود: لا ينجيه يومئذ إلا صدق السريرة وصحة العمل، نسأل اللَّه السداد والتوفيق والسلامة في الدنيا والآخرة.

11 -

17. قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}.

في هذه الآيات: قَسَمٌ من اللَّه تعالى بالسماء ذات النفع والمطر، وبالأرض ذات

(1) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في الباب السابق. انظر صحيح سنن الترمذي (1942)، وأصله في صحيح مسلم. وانظر: تخريج الترغيب (1/ 20) ص (13 - 15).

ص: 411

التصدّع عن الثمار والنبات والشجر، أنّ القرآن كلام اللَّه يفصل بين الحق والباطل، وما هو بالكلام الهازل، وما لكيد الكفار في رجوعه عليهم من حائل.

فقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} . قال ابن عباس: (الرَّجْع: المطر). وقال أيضًا: (السحاب فيه المطر). وقال مجاهد: (السحاب يمطر، ثم يرجع بالمطر). وقال قتادة: (ترجع بأرزاق العباد كل عام، لولا ذلك هلكوا، وهلكت مواشيهم).

قلت: والرَّجع في كلام العرب المطر، سُمِّي بذلك لأنه يجيء ويرجع ويتكرر، فأقسم اللَّه تعالى بالسماء ذات النفع والمطر المتكرر.

وقوله تعالى: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} . قَسَمٌ آخر. قال ابن عباس: (صَدْعُها إخراج النبات في كل عام).

وقال عكرمة: (هذه تصدع عن الرزق). وقال قتادة: (تصدع عن الثمار وعن النبات، كما رأيتم).

فالمقصود: هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات والثمار والشجر.

وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} . هو جواب القسم. أي: إن القرآن لقول يفصل بين الحق والباطل.

وعن ابن عباس: ({إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} قال: حقّ). وقال آخر: (حُكْمٌ عَدْلٌ).

وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} . أي وما هو باللعب ولا باللهو ولا الباطل.

قال ابن عباس: ({وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} يقول: بالباطل). وقال مجاهد: (باللعب).

وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} . أي إن أعداء اللَّه يمكرون في إبطال ما جاء به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الدين الحق.

وقوله تعالى: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} . قال ابن جرير: (يقول: وأمكر مكرًا، ومَكْرُهُ جل ثناؤه بهم: إملاؤه إياهم على معصيتهم وكفرهم به). قلت: وقد حاق بهم يوم بدر من ذلك المكر، فأوقع اللَّه في صفوفهم القتل والأسر، وكالن ذلك استدراجًا لهم مقابل كيدهم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فإن من صفاته سبحانه المكر والكيد بالكافرين.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13].

2 -

وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 50].

ص: 412

3 -

وقال تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54].

وفي الصحيحين عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إن اللَّه تعالى ليُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفْلِته](1).

وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إذا أراد اللَّه بعبده الخير عَجَّلَ له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشَّر أمسك عنه بذنبه حتى يُوافى به يوم القيامة](2).

وقوله: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} . أي: أنظرهم ولا تستعجل لهم. قال القرطبي: ({فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} أي أخرهم، ولا تسأل اللَّه تعجيل إهلاكهم، وارض بما يدبره في أمورهم. ثم نسخت بآية السيف: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]).

وقوله: {أَمْهِلْهُمْ} تأكيد. قال النسفي: ({أَمْهِلْهُمْ} أنظرهم، فكرر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير).

وقوله: {رُوَيْدًا} . قال ابن عباس: (أي قريبًا). وقال قتادة: (قليلًا).

والمقصود: أمهلهم إمهالًا قريبًا أو قليلًا. و {رُوَيْدًا} : مفعول مطلق نائب عن المصدر لأنه مرادف له في المعنى. والعرب تقول: رادت الريح ترود رودًا إذا تحركت حركة ضعيفة.

وفي الآية وعيد شديد للكفار بأن ما يصيبهم قريب، سواء كان في الحياة الدنيا أو فيما بعد الموت. ثم فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل داع إلى الحق الذي جاء به، بأن الصبر على حمل هذه الأمانة يعقبه الفرج، وبأن اللَّه لا يضيع أجر المحسنين، وبأن المناوئين لهذا الدين في الأخسرين.

تم تفسير سورة الطارق بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منّه وكرمه عصر الثلاثاء 20 - ذي القعدة - 1426 هـ الموافق 21/ كانون الأول/ 2005 م

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (4686) كتاب التفسير. وأخرجه مسلم (2583) كتاب البر والصلة، ورواه ابن ماجة والترمذي. انظر صحيح الجامع (1818).

(2)

حديث صحيح. انظر صحيح سنن الترمذي (1953)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (1220).

ص: 413