الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
102 - سورة التكاثر
وهي سورة مكية، وعدد آياتها (8).
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن مُطَرِّفٍ، عن أبيه قال:[أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: يقول ابنُ آدم: مالي، مالي، قال: وهَلْ لكَ، يا ابن آدمَ! مِنْ مالِكَ إلا ما أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟ ](1).
موضوع السورة
اختبار التفاخر والتكاثر يوم الدين والسؤال عن النعيم ورؤية الجحيم
-
منهاج السورة
-
1 -
الإخبار عن انشغال أكثر العباد بالتفاخر بالأموال والأولاد وإيثار الدنيا الفانية على الحياة الباقية.
2 -
حصول الاعتبار عند المصير إلى التراب، ومفارقة الأهل والأحباب.
3 -
السؤال حق عن النعيم، أمام أهوال نار الجحيم، ولا ينجو إلا من كتب له الفوز والنجاة من اللَّه الكريم.
(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم (2958) - كتاب الزهد - ورواه أحمد (4/ 24)، والترمذي (2342)، والنسائي (6/ 238)، وابن حبان (701)، واستدركه الحاكم (2/ 534)، ورواه الطيالسي (1148)، كلهم من حديث عبد اللَّه بن الشخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
1 -
8. قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}.
في هذه الآيات: تقريرُ اللَّه تعالى انشغال أكثر العباد عن طاعته بالأموال والأولاد، والتفاخر والتكاثر، وإيثار الدنيا الفانية، على الحياة الباقية، فلا يحصل الاعتبار إلا عند المصير إلى التراب، ومفارقة الأهل والأحباب، ثم السؤال لا مفر منه في أرض المحشر عن النعيم، أمام أهوال نار الجحيم، ولا ينجو إلا مَنْ كُتب له الفوز والنجاة من اللَّه الكريم.
فقوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} . تحذير ووعيد. أي: شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد، والتفاخر بزينة هذه الحياة الدنيا، والتغالب فيها، والاستكثار من تحصيلها، عن طاعة اللَّه والعمل للآخرة، وما ينجيكم من سخطه تعالى وعقابه.
قال الحسن البصري: ({أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} في الأموال والأولاد). وقيل: {أَلْهَاكُمُ} : أنساكم. وقال قتادة: ({أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} أي: التفاخر بالقبائل والعشائر). وقال الضحاك: (أي: ألهاكم التشاغل بالمعاش والتجارة).
وأصل: {أَلْهَاكُمُ} -في كلام العرب- من لَهِيَ عن الشيء لُهِيًّا ولهْيانًا -بضم اللام وكسرها- أي: سلَا عنه وتَرَك ذِكره وأضرَب عنه. و"ألهاه" شغَله، و"لَهّاهُ" به تَلهيةً أي: عَلَّلَهُ.
أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك: [أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لو أنَّ لابن آدمَ واديًا مِنْ ذَهَبٍ أحبَّ أن يكونَ لهُ واديان، ولَنْ يَمْلأَ فاهُ إلا التراب، ويتوب اللَّه
على مَنْ تابَ". قال ثابت عن أنس عن أبَيّ: (كُنّا نُرَى هذا من القرآن حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ})] (1).
قال ابن العربي: (وهذا نصّ صحيح مليح، غاب عن أهل التفسير فَجهِلوا وجَهَّلوا، والحمد للَّه على المعرفة). ومقصود كلام ابن العربي أن الحديث المتقدم ظنه بعض المفسرين من الآيات التي نسخت، وهو ليس بقرآن أصلًا، وإنما دل على ذلك نزول:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [يقول العبد: مالي مالي! وإنما له من ماله ثلاثٌ: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تَصَدَّق فاقتنى، وما سِوَى ذلك فذاهِبٌ وتارِكُهُ للناس](2).
وفي مسند أحمد وجامع الترمذي من حديث عبد اللَّه بن الشخير قال: [انتهيت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، يقول ابنُ آدمَ: مالي مالي. وهل لك من مالِكَ إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لَبِسْتَ فأبليتَ، أو تصدَّقت فأمضيتَ](3).
وفي الصحيحين والمسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يَهْرَمُ ابن آدم وتبقى منه اثنتان: الحرصُ والأمل](4).
وقوله تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} . أي: ما زلتم في الانشغال بالدنيا عن الآخرة حتى أدرككم الموت وأنتم على تلك الحال. قال ابن جرير: (وقوله: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} يعني: حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها، وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر، لأن اللَّه تعالى ذكره، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدًا منه لهم وتهدّدًا).
وقال النسفي: ({حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} حتى أدرككم الموت على تلك الحال، أو حتى زرتم المقابر وعددتم من في المقابر من موتاكم).
(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (6439) - (6440)، كتاب الرقاق، باب ما يُتَّقى من فتنة المال.
(2)
حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (2959) ح (4). - كتاب الزهد - من حديث أبي هريرة.
(3)
حديث صحيح. أخرجه أحمد (4/ 24)، والترمذي (2342)، (3354). والنسائي في "التفسير"(716)، وفي "السنن"(3613). ورواه مسلم (3/ 2958) بنحوه.
(4)
حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (6421)، ومسلم (1047)، ورواه أحمد في المسند (3/ 115)، ورواه أبو يعلى (2979).
وقال القرطبي: ({حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} أي: حتى أتاكم الموت، فصرتم في المقابر زوّارًا، ترجعون منها كرجوع الزائر إلى منزله من جنة أو نار. يقال لمن مات: قد زار قبره).
قلت: والراجح أن المقصود المصير إلى القبور بعد الموت والدفن فيها، وعُبِّر عن دخولها بالزيارة لأن الإنسان ماكث فيها إلى يوم البعث، فهو كالزائر فترة محدودة إلى حين يوم النشور والحساب، ومقايضة الجزاء، والاستقرار في الجنة أو النار، وربما كان هذا من فتح اللَّه علي من روائع الفهم لكتابه، واللَّه تعالى أعلم.
والمقابر: جمع مَقْبَرَة ومَقْبُرَة. والقبور: جمع القبر. ولم يرد ذكر المقابر في التنزيل إلا في هذه السورة، وأما السنة فقد كثر ذكر المقابر فيها والحث على زيارتها، وزيارتها كما قيل من أعظم الدواء للقلب القاسي، لأنها ترققه بذكر الموت والآخرة. وفي ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال: [زارَ النبي صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أمه، فبَكَى وأَبْكى مَنْ حَوْلَهُ، فقال صلى الله عليه وسلم: استأذنْتُ ربي في أن أستغفرَ لها فلم يُؤذَنْ لي، واسْتَأذنْتُه في أن أزور قَبْرَها فَأذِنَ لي، فزوروا القبورَ، فإنها تُذَكِّرُكُم الموت](1).
الحديث الثاني: أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [زُوروا القُبور. فإنها تُذَكِّرُكُم الآخِرة](2).
الحديث الثالث: أخرج أبو داود بسند صحيح عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [نَهَيْتكُم عنْ زيارِةِ القبور فزوروها، فإن في زيارتِها تذكرة](3).
الحديث الرابع: أخرج ابن ماجة بسند حسن عن أبي هريرة قال: [لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زَوَّارات القبور](4).
والمقصود هنا: لَعْنُ النساء اللاتي يكثرن الزيارة لما لا يسلم ذلك من المخالفات الشرعية، بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن، وإلا فقد أذن للرجال والنساء بزيارة
(1) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (976) ح (108) - كتاب الجنائز، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر الحديث (105).
(2)
حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (1569) - كتاب الجنائز - باب ما جاء في زيارة القبور.
(3)
حديث صحيح. أخرجه أبو داود (3235) -كتاب الجنائز - وانظر صحيح سنن أبي داود (2772).
(4)
حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (1576) - كتاب الجنائز - وانظر صحيح سنن ابن ماجة (1281).
القبور. قال القرطبي: (اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعلّ السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج، وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك، وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء).
قال الشوكاني في "نيل الأوطار"(4/ 95): (وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة الظاهر).
والخلاصة: إن الاعتبار بزيارة القبور من أنفع أنواع الاعتبار، وكذلك شهود الناس عند الاحتضار.
قال العلماء: (ينبغي لمن أراد علاج قلبه، وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه، أن يكثر من ذكر هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وموتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتَضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين. فهذه ثلاثة أمور، ينبغي لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه، أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه).
أخرج ابن ماجة والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ["أكثروا هادم اللذات" -يعني الموت-](1).
ورواه البيهقي وابن حبان بلفظ: [أكثروا ذكر هادمِ اللذات: الموتُ، فإنه لم يذكُرهُ أحدٌ في ضيقٍ من العيش إلا وسَّعه عليه، ولا ذكَره في سَعة إلا ضَيَّقَها عليه].
وقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} . قال الحسن: (هذا وعيد بعد وعيد). والمقصود: زَجْرٌ لهم على التكاثر، وتَنْبيهٌ على أنهم سيعلمون عاقبة ذلك يوم القيامة.
وقوله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} . أي: لو علمتم حق العلم لما ألهاكم التكاثر عن طلب الآخرة، حتى صرتم إلى المقابر. قال النسفي: ({كَلَّا} تكرير الردع للإنذار والتخويف {لَوْ تَعْلَمُونَ} -جواب لو محذوف-، أي: لو تعلمون ما بين أيديكم {عِلْمَ الْيَقِينِ} علم الأمر يقين، أي كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور لما ألهاكم
(1) حسن صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (4258). والترمذي في أبواب الزهد. انظر صحيح سنن الترمذي (1877). ورواه البيهقي وابن حبان كما في الرواية الأخرى. انظر "تخريج الإرواء"(682)، وصحيح الجامع (1222).
التكاثر، أو لفعلتم ما لا يوصف ولكنكم ضلال جهلة).
وقوله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} . أي: في الآخرة. قال القاسمي: (قوله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} جواب قسم مضمر، أكّد به الوعيد، وشدّد به التهديد، وأوضح به ما أُنذروه تفخيمًا).
وقوله تعالى: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} . {عَيْنَ} هنا بمعنى "نفس". والمقصود: ثم لترون الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين، وهي المشاهدة والرؤية بأعينكم. والتكرار بِثُمَّ -التي تفيد العطف- إنما هو للتغليظ في التهديد، والزيادة في التهويل والوعيد. وقيل: الرؤية الأولى بالقلب والثانية بالعين، والمعنى الأول أرجح، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} . أي: ثم لتسألن يوم القيامة عن نعيم الدنيا الذي ألهاكم عن شكر اللَّه والعمل للآخرة.
قال مجاهد: ({ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال: الأمن والصحة). وقال ابن عباس: (النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار). وقال سعد بن طريف عن أبي جعفر: ({ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال: العافية). وقيل: الطعام والشراب.
قلت: والنعيم كلمة جامعة للأمن، والصحة، والفراغ، وملاذّ المأكول والمشروب، والماء البارد عند الظمأ، وظلال المساكن والأشجار عند تقلب الأجواء. وغير ذلك من النعم التي لا يحصيها إلا اللَّه.
ففي التنزيل من آفاق ذلك:
1 -
نعمة استواء الخلق واكتمال صورته. قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]. وقال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
2 -
نعمة الماء والنبات والشجر. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 10 - 11].
3 -
نعمة الدواب والمسكن والملبس. قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ
الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 80 - 81].
4 -
5 -
نعمة الليل والنهار، ونعمة النجوم والجبال وِالبحار والأنهار. قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 12 - 18].
6 -
نعمة الأمن. قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3 - 4].
ومن كنوز السنة العطرة في آفاق هذه الآية أحاديث:
الحديث الأول: أخرج ابن ماجة والترمذي بسند حسن عن الزبير بن العوام قال: [لما نزلت: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال الزبير: يا رسول اللَّه، وأيّ النعيم نسأل عنه؟ وإنما هما الأسودان: التمر والماء؟ قال: "أما إنَّهُ سيكون"](1).
الحديث الثاني: أخرج الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة قال: [لما نزلت هذه الآية: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال الناس: يا رسول اللَّه عن أي النعيم نسال؟
(1) حسن الإسناد. أخرجه ابن ماجة في السنن (4158). والترمذي (3353)، وأحمد (1/ 164).
وإنما هما الأسودان، والعدو حاضر وسيوفنا على عواتقنا؟ قال:"إن ذلكَ سيكون"] (1).
الحديث الثالث: أخرج ابن حبان والحاكم والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [إنَّ أَوَّلَ ما يُسْأل عنه يوم القيامة -يَعْني العَبْدُ من النَّعيم- أَنْ يُقالَ: ألَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ، ونُرْويكَ من الماء البارد](2). وفي رواية: [إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصحّ لك جسمك، وأروِك من الماء البارد؟ ].
الحديث الرابع: أخرج البخاري والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحّة الفراغ](3).
الحديث الخامس: أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [يُؤتى بالعبد يومَ القيامة فيقول له: ألمْ أجعلْ لك سمعًا وبصرًا، ومالًا وولدًا، وسخّرت لك الأنعامَ والحرث، وتركتك ترأس وتَرْبَعُ، فكنتَ تظن أنك مُلاقِيَّ يَوْمَكَ هذا؟ فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني](4).
وله شاهد عند الإمام مسلم بلفظ: [فيلقى العبدَ فيقول: أي فُلْ -تصغير فلان-! ألم أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وأُزَوِّجْكَ وأُسخِّر لك الخيل والإبل وأذَرْكَ ترأسُ وتربَعُ؟ فيقول: بلى أي ربّ، قال: فيقول: أَفَظنَنْتَ أنك ملاقِيَّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني].
الحديث السادس: روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال: [خَرَجَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ أو لَيْلَةٍ، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ما أخْرَجَكُما مِنْ بُيوتِكُما هذه الساعة؟ قالا: الجوع، يا رسول اللَّه! قال: وأنا، والذي نفسي بيده! لأخْرَجَني الذي
(1) حسن بما قبله. أخرجه الترمذي في السنن بإسناد حسن من حديث أبي هريرة. انظر صحيح سنن الترمذي (2673) - كتاب التفسير - سورة التكاثر.
(2)
حديث صحيح. أخرجه الترمذي في الجامع (2/ 240)، وابن حبان (2585)، والحاكم في المستدرك (4/ 138). وانظر صحيح سنن الترمذي (2674) - كتاب التفسير - عند الآية السابقة، سورة التكاثر، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (539).
(3)
حديث صحيح. أخرجه البخاري (6412)، والترمذي (2304)، وابن ماجة (4170).
(4)
حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن، وأصله في صحيح مسلم. انظر صحيح سنن الترمذي (1978). وانظر للشاهد: مختصر صحيح مسلم (1932).