المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهاج السورة - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون - جـ ٨

[مأمون حموش]

فهرس الكتاب

- ‌60 - سورة الممتحنة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌61 - سورة الصف

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌62 - سورة الجمعة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاح السورة

- ‌آداب خاصة بيوم الجمعة:

- ‌الأدب الأول: الغُسْل لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثاني: التبكير لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثالث: لبس أحسن الثياب والتسوك والتماس أجمل الطيب:

- ‌ما يستحب من الأذكار والأدعية يوم الجمعة:

- ‌أولًا: الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: قراءة سورة الكهف:

- ‌ثالثًا: الإكثار من الدعاء رجاء مصادفة ساعة الإجابة:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌63 - سورة المنافقون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌64 - سورة التغابن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌65 - سورة الطلاق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌66 - سورة التحريم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌أسباب نزول هذه الآيات:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌67 - سورة الملك

- ‌ذكر ما جاء في فضلها من أحاديث:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌68 - سورة القلم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌69 - سورة الحاقة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌70 - سورة المعارج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌71 - سورة نوح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌72 - سورة الجن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌73 - سورة المزمل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌74 - سورة المدثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌75 - سورة القيامة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌76 - سورة الإنسان

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌77 - سورة المرسلات

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌78 - سورة النبأ

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌79 - سورة النازعات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌80 - سورة عبس

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌81 - سورة التكوير

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌82 - سورة الانفطار

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌ دروس ونتائج وأحكام

- ‌83 - سورة المطففين

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌84 - سورة الإنشقاق

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌85 - سورة البروج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌86 - سورة الطارق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌87 - سورة الأعلى

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌88 - سورة الغاشية

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌89 - سورة الفجر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌90 - سورة البلد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌91 - سورة الشمس

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌92 - سورة الليل

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌93 - سورة الضحى

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌94 - سورة الشرح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌95 - سورة التين

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌96 - سورة العلق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌97 - سورة القدر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌فضائل ليلة القدر وما ورد في تعيينها من أحاديث:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌98 - سورة البينة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌99 - سورة الزلزلة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌100 - سورة العاديات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌101 - سورة القارعة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌102 - سورة التكاثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌103 - سورة العصر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌104 - سورة الهمزة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌105 - سورة الفيل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌106 - سورة قريش

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌107 - سورة الماعون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌108 - سورة الكوثر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌109 - سورة الكافرون

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌110 - سورة النصر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌111 - سورة المسد

- ‌أسباب النزول:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌112 - سورة الإخلاص

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌113 - سورة الفلق

- ‌فضائل المعوذتين وما ورد في ذكرهما:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌114 - سورة الناس

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

الفصل: ‌ منهاج السورة

‌99 - سورة الزلزلة

وهي سورة مكية، وعدد آياتها (8).

أخرج أبو داود بسند حسن عن معاذ بن عبد اللَّه الجهني: [أنّ رجلًا من جهينة أخبره: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الصبح: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} في الركعتين كلتيهما، فلا أدري! أنسيَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عَمْدًا](1).

‌موضوع السورة

زلزلة الساعة ومشهد الحساب

-‌

‌ منهاج السورة

-

1 -

زلزلة الأرض لقيام الساعة والنشور، وإخراجها الموتى من القبور.

2 -

اندهاش الإنسان لتقلب هذه الأحوال، ونطق الأرض بإذن ربها بما كان على ظهرها من الأعمال.

3 -

صدور الناس لمشهد الحشر والحساب، والوزن الحق للأعمال لنيل الثواب المستحق أو العقاب.

(1) حديث حسن. أخرجه أبو داود (816) - في الصلاة - باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين، ورواه البيهقي وغيره. انظر صحيح سنن أبي داود (730).

ص: 520

بسم الله الرحمن الرحيم

1 -

8. قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}.

في هذه الآيات: تزلزلُ الأرض لقيام الساعة والنشور، وإخراجها الموتى ومن في القبور، واندهاش الإنسان لتقلب هذه الأحوال، ونطق الأرض بإذن ربها بما كان على ظهرها من الأعمال، وصدور الناس أشتاتًا لمشهد الحشر والحساب، ونيل الثواب ونكال العقاب.

فقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} . قال ابن عباس: (أي: تحرَّكت من أسفلها). والزِلزال مصدر، قال القاسمي:(أي: أصابها ذلك الزلزال الشديد، والاهتزاز الرهيب. فالإضافة للتفخيم أو الاختصاص، بمعنى الزلزال المخصوص بها. وهي الرجّة التي لا غاية وراءها. والأقرب الأول، لآية: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]).

والمقصود: إذا زلزلت الأرض لقيام الساعة فَرُجَّت رجًّا بعد استقرارها، وحُرِّكَت حركة شديدة من أصلها، فاضطرب ما عليها وتكسّر لاهتزازها.

وكان ابن عباس ومجاهد يقولان: (في النفخة الأولى يزلزلها - لقوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات: 6 - 7] ثم تزلزل ثانية، فتُخرج موتاها وهي الأثقال).

وقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} . قال عكرمة عن ابن عباس: (الموتى). وقال مجاهد: (من في القبور). وقال ابن عباس ومجاهد: ({أَثْقَالَهَا}: موتاها، تُخرجهم في النفخة الثانية، ومنه قيل للجن والإنس: الثَّقَلان).

ص: 521

قال الأخفش: (إذا كان الميت في بطن الأرض، فهو ثقل لها. وإذا كان فوقها، فهو ثِقل عليها). والمقصود: تخرج الأرض يومئذ ما في جوفها من الأموات والدفائن وما عُمِلَ عليها.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [تَقِيءُ الأرضُ أفلاذَ كبدها أمثال الأُسطوانِ (1) من الذهب والفِضة، فيجيء القاتلُ فيقول: في هذا قَتَلْتُ. ويجيءُ القاطِعُ فيقولُ: في هذا قَطَعْتُ رحمي. ويجيء السارقُ فيقولُ: في هذا قُطِعَتْ يدي، ثم يَدَعونَهُ فلا يأخذون منه شيئًا](2).

وقوله تعالى: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} . أي: وقال الإنسان لما دهمه أمرها وبَهَره خطبها: لأي شيء زلزلت وأخرجت أثقالها؟ وقد كانت قارّة ساكنة بأهلها! لقد تقلبت أحوالها بعدما جاءها من أمر اللَّه ما جاءها. كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48].

وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} . أي: يومئذ تخبر بأخبارها، وتحدّث بما عمل عليها، ينطقها اللَّه سبحانه لتشهد على العباد.

وعن سفيان: ({يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قال: ما عمل عليها من خير أو شر). وقال ابن زيد: (ما كان فيها، وعلى ظهرها من أعمال العباد). وقال مجاهد: (تخبر الناس بما عملوا عليها).

وقوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} . أي: تحدّث أخبارها بوحي اللَّه وأمره لها، بأن تخبر عما جرى عليها، وتَشْهَد على العاملين بما كان منهم على ظهرها. وعن سفيان:({بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} قال: أعلمها ذلك). وقال مجاهد: (أمَرَها). وقيل: (أذِن لها).

وقال البخاري: ({أَوْحَى لَهَا}، أوْحى إليها، ووحَى لها، وَوَحَى إليها واحِدٌ).

وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} . أي: يصدر الناس يومئذ من قبورهم إلى موقف الحساب، متفرقين ينصرف بعضهم إلى جهة اليمين وبعضهم إلى جهة الشمال، إضافة إلى التفرّق في الأديان والأعمال. قال ابنُ جُريج:

(1) جمع أسطوانة: وهي السارية، أو العمود.

(2)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (1013)، والترمذي (2208)، وأخرجه ابن حبان (6697).

ص: 522

(يتصَدّعون أشتاتًا فلا يجتمعون آخرَ ما عليهم). وقال السدي: ({أَشْتَاتًا} فِرقًا). و {أَشْتَاتًا} جمع لست. وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14].

2 -

وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُون} [الروم: 43].

وقال النسفي: ({يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ} يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف {أَشْتَاتًا} بيض الوجوه آمنين وسود الوجوه فزعين، أو يصدرون عن الموقف أشتاتًا يتفرق بهم طريقا الجنة والنار {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} أي: جزاء أعمالهم).

وقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} .

الذّر: ما يرى في شعاع الشمس من الهباء. والمقصود: من يعمل في الدنيا مثقال ذرة من أعمال البر والصلاح يجد ذلك في كتابه يوم القيامة فيفرح به، أو يراه بعينه معروضًا عليه، يحمل البشرى إليه. ومن يعمل كذلك في الدنيا مثقال ذرة من أعمال الفجور والسوء يجد ذلك في كتابه يوم القيامة فيسوؤه، وقد يغفره اللَّه.

وفي صحيح البخاري -عند تفسير هذه الآية- عن أبي هريرة رضي الله عنه: [أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أجْرٌ، ولرَجُلٍ سِتْرٌ، وعلى رَجُلٍ وِزْرٌ، فأمّا الذي له أَجْرٌ: فَرَجُلٌ رَبَطَها في سبيل اللَّه فأطالَ لها في مَرْجٍ أو رَوْضَةٍ، فما أصابَتْ في طِيَلهِا ذلك في المَرْجِ والرَّوضة كانَ له حَسناتٍ، ولو أنها قَطَعَتْ طِيَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفين كانتْ آثارها وأرْواثُها حَسناتٍ له، وَلَوْ أنَّها مَرّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ ولمْ يُردْ أنْ يَسْقِيَ به كان ذلك حسناتٍ له، فهي لذلك الرجل أَجْرٌ، وَرَجُل ربَطها تَغَنِّيًا وتَعَفُّفًا، ولمْ يَنْسَ حقَّ اللَّه في رِقابِها ولا ظهورها فَهِيَ له سِتْرٌ، ورَجُلٌ ربَطها فَخْرًا ورياءً وَنِواءً فهي على ذلك وِزْرٌ". فَسُئِل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنِ الحُمُرِ، قال: "ما أنزل اللَّه عليَّ فيها إلا هذه الآيةَ الفاذَّة الجامِعةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}](1).

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (4962) - (4963)، كتاب التفسير، سورة الزلزلة.

ص: 523

وفي مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم بسند رجاله رجال الصحيح عن صعصَعَة بن معاوية، عَمِّ الفرزدق:[أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، قال: حسبي! لا أُبالي ألّا أسمع غيرها](1).

وقد حفلت السنة العطرة بروائع من الأحاديث في مفهوم هاتين الآيتين:

الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [إن اللَّه لا يَظلمُ مؤمِنًا حَسَنَةً، يُعْطي بها في الدنيا ويَجْزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعمُ بحسنات ما عَمِلَ بها للَّه في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تَكُنْ له حسنة يُجْزى بها](2).

الحديث الثاني: أخرج أحمد وابن ماجة بسند صحيح عن عوف بن الحارث بن الطفيل: أن عائشة أخبرته: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: [يا عائشةُ! إياك ومحقِّرات الذنوب، فإن لها من اللَّه طالبًا](3).

الحديث الثالث: أخرج أحمد والطبراني بسند حسن في الشواهد عن عبد اللَّه بن مسعود، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:[إياكم ومُحقَّرات الذنوب، فإنهنَّ يَجْتَمِعْنَ على الرجل حتى يُهلكنَه، كرجُلٍ كانَ بأرض فلاة فحضرَ صنيعَ القوم، فجعلَ الرجلُ يجيءُ بالعودِ، والرجل يجيءُ بالعود، حتى جمعوا من ذلك سوادًا وأجَّجوا نارًا فأنضجوا ما فيها](4).

وله شاهد في المسند ومعجم الطبراني من حديث سهل بن سعد مرفوعًا بلفظ: [إياكم ومحقَّرات الذنوب، فإنما مثل مُحقَّرات الذنوب كمثلِ قومٍ نزلوا بطنَ وادٍ،

(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (5/ 59)، والحاكم في المستدرك (3/ 613)، والنسائي في "التفسير"(714)، والطبراني (7411) وقال الهيثمي في "المجمع" (7/ 141): رواه أحمد والطبراني مرسلًا ومتصلًا ورجال الجميع رجال الصحيح.

(2)

حديث صحيح. رواه مسلم (2808) ح (56) - كتاب صفات المنافقين. وانظر أيضًا ح (57).

(3)

حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (6/ 70)، وابن ماجة (4243)، وابن حبان (5568).

(4)

حديث حسن. أخرجه أحمد (1/ 402)، والطبراني (10500)، وأخرجه أبو يعلى (22/ 5) من وجه آخر، والحديث حسن بشواهده. انظر المجمع (10/ 189)، وصحيح الجامع (2684).

ص: 524

فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإنَّ محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تُهلِكه] (1).

الحديث الرابع: أخرج البخاري ومسلم من حديث عَدِيّ مرفوعًا: [اتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة](2).

الحديث الخامس: أخرج البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا: [يا نساءَ المؤمنات، لا تحقِرَنَّ جارة لجارتها ولو فِرسِنَ شاةٍ](3) -يعني ظلفها.

الحديث السادس: أخرج البخاري في "التاريخ الكبير"، ومالك في "الموطأ"، وأحمد في المسند بإسناد حسن من حديث حواء بنت السكن مرفوعًا:[رُدُّوا السائِلَ ولو بِظِلفٍ مُحرَقٍ](4).

الحديث السابع: أخرج أبو داود بسند صحيح من حديث جابر بن سليم مرفوعًا: [لا تحقرن شيئًا من المعروف، وأن تُكَلِّمَ أخاكَ وأنت مُنْبَسِطٌ إليه وَجْهُكَ إنَّ ذلك من المعروف](5).

وفي لفظ: [لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاكَ ووجْهُكَ منبسِطٌ، ولوِ أن تُفْرغ من دَلْوك في إناء المُسْتقي، وإن امرؤٌ شتمكَ بما يعلمُ فيك فلا تشتمه بما تَعْلمُ فيه، فإنه يكون لك أجرُه وعليه وِزْرُه] الحديث (6).

والخلاصة: تَحثُّ خاتمة السورة على التسابق إلى مزيد من العمل الصالح ولو كان

(1) حديث صحيح. أخرجه أحمد (5/ 331)، والطبراني، والبيهقي في "الشعب"(2/ 384/ 1)، وقال الهيثمي (10/ 195):"رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين، ورجال إحداهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكم وهو ثقة". وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (389)، وصحيح الجامع (2683).

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري (1413)، و (1417)، ومسلم (1016)، وأحمد (4/ 256).

(3)

حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (2566) - كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها.

(4)

حديث حسن. أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 262)، والنسائي (5/ 81)، وأحمد (6/ 435)، ومالك في "الموطأ"(2/ 931)، وابن حبان (3374).

(5)

حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (4084) في أثناء حديث، كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزال. انظر صحيح سنن أبي داود (3442).

(6)

حديث صحيح. انظر مسند أحمد (5/ 64)، وسنن النسائي "الكبرى"(9694)، (9696)، وصحيح ابن حبان (521)، وسنن أبي داود (4084) بسند جيد.

ص: 525