المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهاج السورة - التفسير المأمون على منهج التنزيل والصحيح المسنون - جـ ٨

[مأمون حموش]

فهرس الكتاب

- ‌60 - سورة الممتحنة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌61 - سورة الصف

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌62 - سورة الجمعة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاح السورة

- ‌آداب خاصة بيوم الجمعة:

- ‌الأدب الأول: الغُسْل لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثاني: التبكير لصلاة الجمعة:

- ‌الأدب الثالث: لبس أحسن الثياب والتسوك والتماس أجمل الطيب:

- ‌ما يستحب من الأذكار والأدعية يوم الجمعة:

- ‌أولًا: الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: قراءة سورة الكهف:

- ‌ثالثًا: الإكثار من الدعاء رجاء مصادفة ساعة الإجابة:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌63 - سورة المنافقون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌64 - سورة التغابن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌65 - سورة الطلاق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌66 - سورة التحريم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌أسباب نزول هذه الآيات:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌67 - سورة الملك

- ‌ذكر ما جاء في فضلها من أحاديث:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌68 - سورة القلم

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌69 - سورة الحاقة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌70 - سورة المعارج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌71 - سورة نوح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌72 - سورة الجن

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌73 - سورة المزمل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌74 - سورة المدثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌75 - سورة القيامة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌76 - سورة الإنسان

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌77 - سورة المرسلات

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌78 - سورة النبأ

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌79 - سورة النازعات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌80 - سورة عبس

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌81 - سورة التكوير

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌82 - سورة الانفطار

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌ دروس ونتائج وأحكام

- ‌83 - سورة المطففين

- ‌ما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌84 - سورة الإنشقاق

- ‌الأحاديث الواردة في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌85 - سورة البروج

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌86 - سورة الطارق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌87 - سورة الأعلى

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌88 - سورة الغاشية

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌89 - سورة الفجر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌90 - سورة البلد

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌91 - سورة الشمس

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌92 - سورة الليل

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌93 - سورة الضحى

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌94 - سورة الشرح

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌95 - سورة التين

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌96 - سورة العلق

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌97 - سورة القدر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌فضائل ليلة القدر وما ورد في تعيينها من أحاديث:

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌98 - سورة البينة

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌99 - سورة الزلزلة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌100 - سورة العاديات

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌101 - سورة القارعة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌102 - سورة التكاثر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌103 - سورة العصر

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌104 - سورة الهمزة

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌105 - سورة الفيل

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌106 - سورة قريش

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌107 - سورة الماعون

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌108 - سورة الكوثر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌109 - سورة الكافرون

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌110 - سورة النصر

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌111 - سورة المسد

- ‌أسباب النزول:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌112 - سورة الإخلاص

- ‌فضائلها وما ورد في ذكرها:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌113 - سورة الفلق

- ‌فضائل المعوذتين وما ورد في ذكرهما:

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

- ‌114 - سورة الناس

- ‌موضوع السورة

- ‌ منهاج السورة

- ‌دروس ونتائج وأحكام

الفصل: ‌ منهاج السورة

-صلى الله عليه وسلم: أتريدُ أنْ تكون فتَّانًا يا معاذُ، إذا أمَّمْتَ الناس فاقرأ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ] (1).

الحديث الرابع: أخرج النسائي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: [ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من فلان، فصلينا وراء ذلك الإنسان، وكان يطيل الأوليين من الظهر، ويخفف في الأخريين، ويخفف في العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} وأشباهها](2).

‌موضوع السورة

القسم بالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض أن سعادة النفس في الدارين لمن زكاها، والشقاوة لمن دساها

-‌

‌ منهاج السورة

-

1 -

قَسَمُ اللَّه تعالى بالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض والنفس أن الفلاح بتزكية هذه النفس والشقاء لمن دساها.

2 -

الإخبار عن تكذيب ثمود وطغيانهم، وخروج أشقاهم لعقر الناقة التي حذرهم نبيهم.

3 -

مقابلة اللَّه تعالى لهم بالغضب والانتقام، وإنزال العقاب والآلام.

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر كما مضى. وانظر صحيح النسائي (954).

(2)

حديث صحيح. انظر صحيح سنن النسائي (940). باب القراءة في المغرب بقصار المفصل.

ص: 459

بسم الله الرحمن الرحيم

1 -

10. قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}.

في هذه الآيات: يقسم اللَّه تعالى بالشمس ذلك الخلق العظيم، ويقسم بضوئها مبعث الحياة في عالمها الفخيم. ويقسم بالقمر والنهار والليل والسماء والأرض والنفس ومن خلقها في أحسن تقويم، أن الفلاح والسعادة لمن زكاها، والخيبة والشقاء لمن دساها.

فقوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} . قسَمٌ من اللَّه بالشمس ونهارها. فإن الضحا وقت ارتفاع الشمس بعد طلوعها إذا تمّ ضياؤها. فهما قَسَمان: أقسم اللَّه بالشمس، وأقسم بضحا الشمس. قال مجاهد:({وَضُحَاهَا} أي ضوؤها وإشراقها). وقال قتادة: (بهاؤها). وقال السدي: (حرّها). وروى الضحاك عن ابن عباس: ({وَضُحَاهَا} قال: جعل فيها الضوء وجعلها حارة).

وقوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} . أي: إذا تبعها بعد غروب الشمس. فهو قسم بالقمر عند امتلائه أو قربه من الامتلاء. إذ يضيء الليل كله مع غروب الشمس إلى الفجر. وهذا في الحقيقة قسم بالضياء في طور آخر من أطواره. وعن ابن عباس: ({وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} قال: يتلو النهار). وقال قتادة: ({تَلَاهَا} ليلةَ الهلالِ، إذا سقطت الشمسُ رُئيَ الهلالُ). وقال ابن زيد: (هو يتلوها في النصف الأول من الشهر، ثم هي تتلوه. وهو يتقدَّمها في النصف الأخير من الشهر).

وقوله تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} . قَسَمٌ من اللَّه بالنهار إذا جلّى الشمس، وذلك أن الشمس عند انبساط النهار تنجلي تمام الانجلاء. وعن مجاهد:({وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} قال: أضاء). وقال قتادة: (إذا غشيها النهار). وقيل: والنّهار إذا جلّى البسيطة، كقوله تعالى:{وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} - ذكره مجاهد.

ص: 460

قال القاسمي: ({وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} أظهر الشمس. وذلك عند انتفاخ النهار وانبساطه. لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء). قلت: وهذه الأقسام كلها في تعظيم النور والضياء ليلتفت الإنسان إلى قيمة هذه النعمة الجليلة وآثارها في الإيمان والعلم، والنور والهداية في القلب، وإشراقة النفس.

وقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} . قَسَمٌ من اللَّه بالليل إذا يغشى الشمسَ حين تغيبُ فتظلمُ آلافاق. قال القرطبي: ({وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} أي يغشى الشمس، فيذهب بضوئها عند سقوطها، قاله مجاهد وغيره. وقيل: يغشى الدنيا بالظُّلَم، فتُظلم الآفاق. فالكناية ترجع إلى غير مذكور).

وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} . فيه تأويلان حسب وقوع "ما" من الإعراب:

التأويل الأول: "ما" مصدرية. والتقدير: والسماء وبنيانها، أو: والسماء وبنائِها. كقوله تعالى: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} [يس: 27] أي بغفران ربي. قال قتادة: ({وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وبناؤها: خَلْقُها).

التأويل الثاني: "ما" بمعنى "مَنْ". والتقدير: والسماء وبانيها، أو: والسماء ومَنْ بناها. قال مجاهد: ({وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} قال: اللَّه بنى السماء). قلت: واختار التأويل الثاني ابن جرير، وكلا التأويلين صحيح.

وقوله تعالى: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} . الطَّحْوُ: البسط -قال الجوهري: طَحَوْتُه مثل دَحَوْتُه، أي: بسطته-. والمقصود: قسَمٌ من اللَّه بالأرض التي بُسطت من كل جانب. وعن مجاهد: ({وَمَا طَحَاهَا} دحَاها). وعن ابن عباس: ({وَمَا طَحَاهَا} أي: خلق فيها). أو قال: (قسَّمها). وقال ابن زيد: (بسَطها).

قلت: ومفهوم الطَّحْو والدَّحْو للأرض يفيد بسطها وتمهيدها للسكنى للضرب في أكنافها والتقلب في أقطارها، كما يشير اللفظ إلى كروية شكلها، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} . قَسَمٌ من اللَّه تعالى بالنفس وتسويتها، أو بالنفس ومن سوّاها، حسب وقوع "ما" من الإعراب كما سبق. والمعنى: يقسم تعالى بالنفس التي أنشأها وسوّى أعضاءها وركب فيها الروح، وأودعها القوى النفسية الهائلة، والإدراكات الحسية العجيبة، وجعلها مستقيمة على الفطرة القويمة.

ص: 461

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30].

2 -

وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].

3 -

وقال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

ومن صحيح السنة العطرة في آفاق هذه الآية أحاديث:

الحديث الأول: أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [كُلُّ مولودٍ يولد على الفِطْرةِ، فأبواه يهوِّدانه، أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه، كما تولد البهيمةُ بهيمة جمْعاء هل تُحسُّون فيها من جدعاء](1).

الحديث الثاني: أخرج البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ](2).

الحديث الثالث: خرّج مسلم في الصحيح، وأحمد في المسند، عن عياض بن حِمَار قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [قال اللَّه عز وجل: إني خلقت عبادي حُنَفاءَ، فجاءتهم الشياطين فاجتالَتْهُم عن دينهم](3).

وقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} . أي عَرَّفها طريق الفجور وطريق التقوى ومآل كل منهما. قال ابن عباس: ({فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}: بَيَّنَ لها الخيرَ والشر). وقال سعيد بن جبير: (ألهمها الخير والشر). وقال مجاهد: (عَرَّفها الطاعة والمعصية). وقال ابن زيد: (جعل فيها فجورها وتقواها).

وفي صحيح مسلم عن أبي الأسود الدِّيلِيِّ قال: قال لي عِمْرانُ بنُ الحُصَيْنِ: أَرأَيْتَ ما يَعْملُ الناسُ اليومَ ويكدحونَ فيه، أشيْءٌ قُضِيَ عليهم ومضى عليهم مِنْ قَدَرِ ما سَبَقَ؟ أو فيما يُسْتَقْبَلُونَ به ممَّا أَتاهم به نبيُّهم وثَبَتَت الحُجَّةُ عليهم؟ فقلتُ: بل شيءٌ قُضِيَ عليهم، ومضى عليهم، قال: فقال: أفلا يكونُ ظُلْمًا؟ قال: فَفَزِعْتُ مِنْ ذلكَ فَزَعًا

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (4775)، ومسلم (2658)، وأحمد (2/ 253)، وغيرهم.

(2)

حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (6412) - كتاب الرقاق.

(3)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (2865)، وأحمد (4/ 266)، وابن حبان (653)، وغيرهم.

ص: 462

شديدًا، وقلتُ: كُلُّ شيءٍ خَلْقُ اللَّهِ ومِلْكُ يَدِهِ، فلا يُسْأَلُ عمَّا يَفْعَلُ وهم يُسْأَلُون. فقال لي: يَرْحَمُكَ اللَّه! إني لَمْ أُرِدْ بما سَأَلْتُكَ إلا لأَحْزِرَ عَقْلَكَ (1)، إنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسولَ اللَّه! أَرَأَيْتَ ما يَعْمَلُ الناسُ اليومَ، ويَكْدَحُون (2) فيه، أشيءٌ قُضِيَ عليهم وَمَضَى فيهم مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ؟ ، أَوْ فيما يُسْتَقْبَلُونَ به مِمَّا أَتَاهُم به نَبِيُّهمْ، وَثَبَتَتِ الحُجَّةُ عليهم؟ فقال: "لا، بل شيءٌ قُضِيَ عليهم ومضى فيهم، وتصديقُ ذلك في كتاب اللَّه عز وجل:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ] (3).

وقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} . هو جواب القسم. وأصل الزكاة: النموّ والزيادة، ومنه زكا الزرع، إذا كثر ريْعُه، ومنه تزكية القاضي للشاهد، لأنه يرفعه بالتعديل، وذكر الجميل. قال القرطبي:(فمصطنع المعروف والمبادر إلى أعمالِ البر، شَهَرَ نفسه ورفعها. وكانت أجواد العرب تنزل الرُّبا وارتفاعَ الأرض، ليشتهر مكانُها للمُعْتِفِين (4)، وتوقد النار في الليل للطارقين. وكانت اللئام تنزل الأَوْلاج والأطراف والأهضام (5)، ليخفى مكانها عن الطالبين. فاولئك عَلَّوا أنفسهم وزَكَّوها، وهؤلاء أخفَوا أنفسهم ودَسُّوها).

وفي الآية تأويلان متكاملان يقتضيهما الإعجاز البياني للقرآن:

التأويل الأول: قد أفلح من زكى نفسه بطاعة اللَّه، وطهّرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل. قال قتادة:(من عمل خيرًا زكّاها بطاعة اللَّه). وقال أيضًا: (قد أفلح من زكّى نفسه بعمل صالح). وهذا المعنى كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15].

التأويل الثاني: قد أفلح من زكّى اللَّه نفسه. وهو قول ابن عباس. وقال ابن جرير: (يقول: قد أفلح من زكى اللَّه نفسه، فكثر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال).

وقوله تعالى: ({وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} . قال أهل اللغة: (والأصل: دسَّسَها، من

(1) لأحزِرَ عقلك: أي لأمتحن فهمك ومعرفتك.

(2)

الكدح: هو السعي في العمل، سواء أكان للآخرة أم للدنيا.

(3)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (2650) - كتاب القدر، وأخرجه أحمد (4/ 438)، والطبري (37382)، وأخرجه ابن أبي عاصم (174)، وابن حبان (6182).

(4)

المعتفي: كل طالب فضل أو رزق.

(5)

الأولاج: غار أو كهف. والأهضام: أسافل الأودية.

ص: 463

التدسيس، وهو إخفاء الشيء في الشيء، فأبدلت سينه ياء، كما يقال: قَصَّيتُ أظفاري، وأصله قَصَّصْتُ أظفاري). ذكره القرطبي، وقال:(وكذا الفاجر أبدًا خَفِيّ المكان، زَمِرُ (1) المروءة، غامض الشخص، ناكس الرأس بركوب المعاصي. وقيل: دساها: أغواها).

وللآية تأويلان متكاملان كما سبق:

التأويل الأول: قد خاب من أهمل نفسه وتركها تركب المعاصي والآثام، وتخوض في معصية الرحمان. قال مجاهد:({وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} قال: أضَلَّها). وقال سعيد بن جبير: (أغواها). وقال قتادة: (أثَّمها وأفجرها).

التأويل الثاني: قد خاب من دسَّى اللَّه نفسه. قاله ابن عباس، وابن زيد.

في صحيح السنة من آفاق هذه الآيات أحاديث:

الحديث الأول: أخرج ابن أبي عاصم بسند حسن عن أبي هريرة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:[{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}. قال: اللهم إيت نفسي تقواها. زكها أنت خير من زكّاها. أنت وليها ومولاها](2).

الحديث الثاني: أخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عباس قال: [كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ بهذه الآية {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وقف ثم قال: اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكّاها](3).

الحديث الثالث: خَرَّجَ مُسْلِمٌ في الصحيح عن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول، قال:[كان يقول: اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكَسَل، والجُبْنِ والبُخْلِ، والهَرَمِ وعذاب القبر، اللهم! آتِ نفسي تَقْواها، وزَكِّها أنْتَ خيرُ من زَكَّاها، أنت وَلِيُّها ومَوْلَاها، اللهُمَّ! إني أعوذ بكَ مِنَ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومِنْ قلبِ لا يخشعُ، ومِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ومَنْ دَعْوَةٍ لا يُستجاب لها](4).

(1) الزمر: القليل.

(2)

حديث حسن. أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(319). باب: في قوله عليه السلام: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} . وله شواهد، وانظر ما بعده.

(3)

حديث حسن. أخرجه الطبراني (11191)، وقال الهيثمي في "المجمع" (7/ 138): إسناده حسن.

(4)

حديث صحيح. أخرجه مسلم (2722) - كتاب الذكر والدعاء، باب في الأدعية.

ص: 464

11 -

15. قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}.

في هذه الآيات: إخبارٌ من اللَّه تعالى عن تكذيب ثمود رسولهم، بسبب ما كانوا عليه من بغيهم وكبرهم وطغيانهم، حتى انبعث أعتاهم وأشقاهم، فعقر الناقة التي جعلها اللَّه اختبارًا لهم، فقابلهم اللَّه تعالى بغضبه وسخطه، ونقمته وعقابه.

فقوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} . الطغيان: مجاوزة الحد في المعاصي. قال ابن زيد: (بطغيانهم وبمعصيتهم). قال البخاري: (وقال مجاهد: {بِطَغْوَاهَا}: بمعاصيها). والمقصود: بسبب المعاصي والطغيان، الذي حملهم على تكذيب نبي الرحمان، صَالِحٍ عليه الصلاة والسلام.

وقوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} . أي: حين قام أشقى ثمود، أو أشقى البرية، وهو قُدار بنُ سالف، وهو أحيمر ثَمود، وكان عزيزًا في قومه شريفًا نسيبًا رئيسًا مطاعًا، فعقر الناقة. ومعنى انبعثَ: انتدب لذلك وقام به.

وفي التنزيل نحو ذلك:

1 -

قال تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر: 29].

2 -

وقال تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الأعراف: 77].

وفي صحيح البخاري عن عبد اللَّه بن زَمْعَةَ: [أنّه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وذكَرَ الناقة والذي عَقَر، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}: انبعثَ لها رجُلٌ عَزيزٌ عارِمٌ مَنيعٌ في رَهْطِهِ مِثْلُ أبي زَمْعَةَ](1).

وقوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} . قال قتادة: (قسْم اللَّه الذي قَسَمَ لها من هذا الماء). والمقصود: فقال لهم رسول اللَّه -صالحٌ عليه الصلاة والسلام احذروا ناقة اللَّه وذروها، وأعطوها حقّها من شِربها من الماء، فلا تتعرضوا لها يوم شربها.

(1) حديث صحيح. أخرجه البخاري (4942) - كتاب التفسير. سورة: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} .

ص: 465

وقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} . أي: فكذبوا صالحًا عليه السلام فيما جاءهم به من الحق، حتى حملهم تكذيبهم على عقر الناقة التي أخرجها من الصخرة آية لهم وحجّة عليهم. قال القرطبي:({فَعَقَرُوهَا} أي عقرها الأشقى. وأضيف إلى الكل؛ لأنهم رضوا بفعله).

وقوله: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} . دَمْدَمْتُ الشيء -في لغة العرب- أي ألزقته بالأرض وطَحْطَحْتُه. ودمدم اللَّه عليهم: أي أهلكهم. قال القُشَيري: (وقيل: دَمْدَمْتُ على الميت التراب: أي سَوَّيْتُ عليه (1)). والمقصود: أهلكهم اللَّه وأطبق عليهم العذاب، فسَوّى الأرض عليهم فجعلهم تحت التراب.

وعن ابن عباس: ({فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ} قال: دمَّرَ عليهم ربهم بذنبهم، أي بجُرمهم). وقال الفرّاء: (دمْدَم: أي أرجف). وقال المؤرِّج: (الدمدمة: إهلاك باستئصال). وقيل: حقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده. وكل ما سبق يقارب بعضه بعضًا.

وقوله تعالى: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} . فيه تأويلان:

التأويل الأول: لا يخاف من عقر الناقة عاقبة ما أقدم عليه. قال الضحاك: ({وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} قال: لم يَخَفِ الذي عَقَرَها عقباها). وقال السدي: (لا يخاف الذي صنع عقبى ما صنع).

التأويل الثاني: لا يخاف اللَّه عاقبةً ولا تبعةً مِمَّا فَعَلَ بهم، فهو العظيم الجبار الذي يخافُه كل شيء. قال ابن عباس:({وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} قال: لا يخاف اللَّه من أحَدٍ تَبِعَةً). وقال الحسن: (ذاك ربنا تبارك وتعالى، لا يخاف تبعةً مما صنعَ بهم). وقال أيضًا في رواية: (ذاك الرب صنَعَ ذلك بهم، ولم يخف تبعة). وقال قتادة: (لا يَخاف أن يُتْبَعَ بشيء مما صنعَ بهم). وعن مجاهد: (اللَّه لا يخاف عقباها).

قلت: والتأويل الثاني هو الأنسب للسياق، والمقصود الاستهزاء بهم وبالطغاة من أمثالهم، إذ كان ينبغي لهم تعظيم أمر اللَّه والخوف منه قبل أن يدكّهم العذاب، أمَا وَلَمْ يَفْعَلوا فإن اللَّه تعالى أنزل نقمته بهم، وانتصر لرسله منهم، وهو العزيز الجبار المنتقم الذي لا يمانعه أحد، ولا يخشى تبعة فعله من أحد.

(1) وقيل: دمَّمتُ على الشيء: أطبقت عليه، ودمّم عليه القبر: أطبقه.

ص: 466