الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
إذا ما أنزلت سورة من سور القرآن وبلغت المنافقين، فمنهم من يقول لإخوانه أي يقول بعضهم لبعض: أيكم زادته هذه السورة إيمانا؟ أي تصديقا بأن القرآن من عند الله، وأن محمدا صادق في نبوته.
ومن المعروف أن الإيمان الصحيح: وهو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس، يزيد بنزول القرآن، ويتضاعف بسماعه سماع تدبر وإمعان، مما يدفع إلى العمل بما نزل فيه. وفي هذا دلالة واضحة على أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو مذهب الأكثرين.
فأجابهم الله تعالى عن حقيقة أثر القرآن: فأما المؤمنون فيزيدهم نزول القرآن يقينا وتصديقا وقوة دافعة إلى العمل به، وهم أي وحالهم أنهم يفرحون بنزول السورة؛ لأنها تزكي أنفسهم، وترشدهم إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة. قال الزمخشري في {فَزادَتْهُمْ إِيماناً}: لأنها أزيد لليقين والثبات وأثلج للصدر، أو فزادتهم عملا، فإن زيادة العمل زيادة في الإيمان؛ لأن الإيمان يقع على الاعتقاد والعمل.
والذين في نفوسهم شك وكفر ونفاق، فتزيدهم السورة كفرا ونفاقا مضموما إلى كفرهم ونفاقهم السابق، ويستحكم ذلك فيهم إلى أن يموتوا وهم كافرون بالقرآن وبالنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا مناقض للهدف من إنزال السورة، فهي في الحقيقة هدى ونور، وشفاء لما في الصدور، وجلاء لما في القلوب، كما قال تعالى:
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً} [الإسراء 82/ 17] وقال عز وجل: {قُلْ: هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ، فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} [فصلت 44/ 41] فهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضلالهم ودمارهم، كما أن سيء المزاج لا يفيده الغذاء إلا تأخرا ونقصا.
وبعد أن بيّن الله تعالى أن المنافقين يموتون كفارا، أوضح أنهم يتعرضون أيضا لعذاب الدنيا كل عام مرة أو مرتين، فقال: أو لا يرى هؤلاء المنافقون أنهم يختبرون كل عام مرة أو مرتين بأنواع الاختبار العديدة من جهاد وقحط ومرض وهي التي تذكّر الإنسان بالله، وتجعله ميالا إلى الإيمان وترك الكفر والتمييز بين الحق والباطل.
ثم إنهم مع توالي الاختبارات لا يتوبون من ذنوبهم السابقة، ولا يتعظون فيما يستقبل من أحوالهم، مما يجعلهم غير مستعدين لقبول الإيمان.
وإذا أنزلت سورة قرآنية على النبي صلى الله عليه وسلم، وهم جلوس عنده، تلفتوا وتغامزوا بالعيون وتهكموا لفساد قلوبهم، وعزموا على الهروب، قائلين: هل يراكم الرسول صلى الله عليه وسلم أو المؤمنون إذا خرجتم؟ ثم انصرفوا جميعا عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أي تولوا عن الحق، فهذا حالهم في الدنيا لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه، كقوله تعالى:{فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر 49/ 74 - 51] وقوله: {فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ} [المعارج 36/ 70 - 37] أي ما لهؤلاء القوم يخرجون مسرعين، هروبا من الحق، وذهابا إلى الباطل.
صرف الله قلوبهم عن الحق والإيمان وعن الخير والنور. وهذا إما دعاء عليهم به أو إخبار عن أحوالهم.
ذلك الصرف بسبب أنهم قوم لا يفهمون الآيات التي يسمعونها، ولا يريدون فهمها، ولا يتدبرون فيها حتى يفقهوا، بل هم في شغل عن الفهم ونفور منه، كقوله تعالى:{فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف 5/ 61].