الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إقدامهم على تلك الجرائم وهو حبّهم الدّنيا وبسطة النّعيم التي أبطرتهم فتركوا الدّين، لهذا قال موسى:{رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً} .
قال ابن كثير: هذه الدّعوة كانت من موسى عليه السلام غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبيّن له أنهم لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء، كما دعا نوح عليه السلام، فقال:{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ، وَلا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً} [نوح 26/ 71 - 27] ولهذا استجاب الله تعالى لموسى عليه السلام فيهم هذه الدّعوة التي أمّن عليها أخوه هارون، فقال تعالى:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما} .
قال أبو العالية: دعا موسى وأمّن هارون؛ فسمّي هارون وقد أمّن على الدّعاء داعيا.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل الرابع من قصة موسى مع فرعون، بعد وجود فاصل استطرادي للإخبار بإيمان طائفة بموسى عليه السلام، فبعد أن أبى فرعون وملؤه قبول دعوة الحقّ من موسى عليه السلام، واستمرّوا على ضلالهم وكفرهم معاندين عتاة متكبّرين، وبعد أن أعدّ موسى قومه بني إسرائيل للخروج من مصر، وغرس في قلوبهم الإيمان وإيثار العزّة والكرامة، بعد ذلك دعا ربّه مبيّنا سبب الدّعاء فقال:{رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً.} . أي أعطيتهم من الدّنيا والنّعمة ما أبطرهم، وهو الزّينة الشّاملة من حلي ولباس وأثاث ورياش وأموال كثيرة ومتاع الدّنيا ونحوها من الزّروع والأنعام، وأدّى النعيم بهم أن تكون عاقبة أمرهم إضلال عبادك عن الدّين، والطّغيان في الأرض، كما قال تعالى:{إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} [العلق 6/ 96 - 7]، ويشهد لما ذكر ما يوجد في قبور الفراعنة والآثار المصرية من الذهب والفضة والحلي والتّحف، وما بنوه من
القصور والقبور والتّماثيل الدّالة على رقي المدنية والحضارة.
فقوله تعالى: {لِيُضِلُّوا} اللام لام العاقبة أو الصّيرورة، كقوله تعالى:
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص 8/ 28]، فكانت عاقبة قوم فرعون هو الضلال. ويحتمل أن تكون اللام لام التعليل، لكن بحسب ظاهر الأمر لا في الحقيقة نفسها، بمعنى أنه تعالى لما أعطاهم هذه الأموال، وصارت تلك الأموال سببا لمزيد البغي والكفر، أشبهت هذه الحالة حالة من أعطي المال لأجل الإضلال، فورد هذا الكلام بلفظ التعليل لأجل هذا المعنى.
{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ.} . أي ربّنا أمحق وأزل آثارها وأهلكها، واختم على قلوبهم وأقسها حتى لا تنشرح للإيمان، فيستحقوا شديد العقاب، ولا يؤمنوا حتى يشاهدوا العذاب المؤلم الموجع.
ولما دعا موسى بهذا الدّعاء وكان هارون أخوه يؤمّن على دعائه، قال تعالى:
{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما} أي استجبنا دعاءكما وقبلناه كما سألتما من تدمير آل فرعون، فاستقيما، أي فاثبتا على ما أنتما عليه من الدّعوة إلى الحقّ، وإلزام الحجة، ولا تستعجلا الأمر قبل ميقاته، فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته، ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون، أي طريق الجهلة في الاستعجال أو عدم الوثوق والاطمئنان بوعد الله تعالى. ولا يعني هذا النّهي أن مقتضاه صدر من موسى وهارون عليهما السلام، كما أنّ قوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزّمر 65/ 39] لا يدلّ على صدور الشّرك منه.
قال ابن جريج: يقولون: إن فرعون مكث بعد هذه الدّعوة أربعين سنة.
وقال محمد بن كعب وعلي بن الحسين: أربعين يوما.