الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار: وهم الذين سبقوا إلى الهجرة قبل صلح الحديبية، وإلى النصرة في بيعتي العقبة الأولى والثانية. وقيل:
هم الذين صلوا إلى القبلتين، أو الذين شهدوا بيعة الرضوان، وهي بيعة الحديبية، أو أهل بدر.
وأفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة المبشرين بالجنة، ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية. ولا خلاف أن أول السابقين من المهاجرين أبو بكر الصديق.
وقال ابن العربي: السبق يكون بثلاثة أشياء: وهو التقدم في الصفة أو في الزمان أو في المكان، فالصفة: الإيمان، والزمن: لمن حصل في أوان قبل أوان، والمكان: من تبوّأ دار النصرة واتخذه بدلا عن موضع الهجرة. وأفضل هذه الوجوه: سبق الصفات. والدليل عليه
قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
«نحن الآخرون الأولون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم.
فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له، فاليهود غدا، والنصارى بعد غد» فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبقنا من الأمم بالزمان، فجئنا بعدهم، سبقناهم بالإيمان، والامتثال لأمر الله تعالى، والانقياد إليه، والاستسلام لأمره، والرضا بتكليفه، والاحتمال لوظائفه، لا نعترض عليه، ولا نختار معه، ولا نبدّل بالرأي شريعته، كما فعل أهل الكتاب، وذلك بتوفيق الله لما قضاه، وبتيسيره لما يرضاه، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله
(1)
.
(1)
أحكام القرآن: 993، 990/ 2
والصحابي في علم الحديث: كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتابعي: من صحب الصحابي. قال أحمد بن حنبل: أفضل التابعين سعيد بن المسيّب، فقيل له: فعلقمة والأسود؟ فقال: سعيد بن المسيب، وعلقمة والأسود. وفي التابعين طبقة تسمى المخضرمين: وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم، وعددهم كما ذكر مسلم عشرون نفسا، منهم أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة الكندي، وعمرو بن ميمون الأودي. وممن لم يذكره مسلم:
أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، والأحنف بن قيس.
لكن رجح الرازي: أن السبق ليس في زمن الإيمان أو الإسلام؛ لأن لفظ السابق مجمل أو مطلق، يمكن حمله على السبق في سائر الأمور، لكن وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارا، وهو الهجرة والنصرة، فوجب أن يكون المراد منه: السابقون الأولون في الهجرة والنصرة، إزالة للإجمال عن اللفظ
(1)
.
2 -
الرضا الدائم عنهم؛ لأن قوله تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} يتناول جميع الأحوال والأوقات، بدليل أنه لا وقت ولا حال إلا ويصح استثناؤه منه، مثل وقت طلب الإمامة، ولأن ذلك الحكم معلل بكونهم سابقين في الهجرة، والسبق في الهجرة وصف دائم في جميع مدة وجوده، ولأن إعداد الجنات لهم يقتضي بقاءهم على تلك الصفة التي لأجلها صاروا مستحقين لتلك الجنات.
وبعض العلماء أثبت هذا المدح لجميع الصحابة؛ لأن كلمة {مِنَ} في قوله: {مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ} ليست للتبعيض، بل للتبيين، فأوجب الله لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان. وشرط على التابعين شرطا هو أن
(1)
تفسير الرازي: 168/ 16 - 169
يتبعوهم بإحسان في العمل: وهو أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدوا بهم في غير ذلك.
3 -
الرضا عن التابعين والثواب إلى يوم القيامة مشروط باتباع الصحابة بإحسان، أي إحسان القول والعمل، فمن لم يحسن القول في المهاجرين والأنصار لا يكون مستحقا للرضوان من الله تعالى، ولا يكون من أهل الثواب لهذا السبب.
4 -
هناك قوم منافقون مردوا على النفاق، أي ثبتوا واستمروا فيه ولم يتوبوا عنه، وهم قوم من الأعراب حول المدينة، يعني مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع، وقوم من أهل المدينة أيضا. وهؤلاء لهم عذاب مضاعف: في الدنيا بالأمراض والمصائب، وفي الآخرة بالإصلاء (الإلقاء) في نار جهنم. وقيل:
بالفضيحة في الدنيا، ثم عذاب القبر. وقيل بغير ذلك. والأولى في رأي الرازي حمل قوله تعالى:{سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} على عذاب الدنيا بجميع أقسامه، وعذاب القبر، وأما قوله:{ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ} يراد منه العذاب في يوم القيامة.
5 -
ومن أهل المدينة ومن حولها قوم أقروا بذنبهم، وآخرون مرجون لأمر الله، يحكم فيهم بما يريد. والصنف الأول: إما قوم من المنافقين، تابوا عن النفاق وما مردوا عليه، أو إنهم قوم من المسلمين تخلفوا عن غزوة تبوك، لا للكفر والنفاق، لكن للكسل، ثم ندموا على ما فعلوا ثم تابوا.
ومجرد الاعتراف بالذنب لا يكون توبة وإنما هو مقدمة للتوبة، فإذا اقترن به الندم على الماضي، والعزم على تركه في المستقبل، كان ذلك توبة.
وقد تاب هؤلاء؛ لقوله تعالى: {عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} والمفسرون قالوا: إن (عسى) من الله يدل على الوجوب.