الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف 31/ 43] يكون أشرف من محمد، يعنون الوليد بن المغيرة من مكة، ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف، فأنزل الله ردا عليهم:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} الآية [الزخرف 32/ 43].
التفسير والبيان:
{الر} : تقرأ هذه الحروف الثلاثة هكذا: ألف، لام، را، والقصد منها التنبيه إلى ما يتلى بعدها ليعتني المرء بفهم ما يسمع أو يقرأ، وتعديد الحروف على طريق التحدي، كما مر في أول سورة البقرة.
تلك آيات القرآن المحكم، أو ذات الحكمة لا لاشتماله عليها، أو تلك آيات السورة الحكيمة، التي أحكمها الله وبينها لعباده، كما قال تعالى:{الر، كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} أي أحكمت معانيه ومبانيه.
والأولى بالصواب كما ذكر القرطبي أن المراد القرآن، لأن الحكيم من نعت القرآن، كما دل قوله تعالى:{كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ} . والحكيم: المحكم بالحلال والحرام والحدود والأحكام.
{أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ} ينكر الله تعالى على من تعجب من الكفار على إرسال المرسلين من البشر، أي عجيب أمر بعض الناس الذي ينكرون إيحاءنا إلى رجل من جنسهم من البشر، كأن الاشتراك في البشرية تحول دون الإرسال، وكأنهم يريدون رسولا من غير جنسهم، كما قال تعالى في آيات أخرى حكاية عنهم:{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا} [التغابن 6/ 64]{أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء 94/ 17]{لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} [فصلت 14/ 41] وقال هود وصالح لقومهما: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ} [الأعراف 63/ 7].
قال ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك،
أو من أنكر منهم، فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، فأنزل الله عز وجل:{أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً} .
هذا التعجب في غير محله، إذ أن كل الرسل كانوا بشرا:{وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ} [الأنعام 9/ 6] وردد الله هذا المعنى في آيات كثيرة منها: {قُلْ: لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ، لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً} [الإسراء 95/ 17]. فإرسال الرسول من جنس المرسل إليهم أدعى إلى قبول دعوته، والتفاهم معه. وأما اختيار أحد هؤلاء البشر فالله أعلم من هو أولى للرسالة وأحق بالاصطفاء والاختيار:{اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ} [الحج 75/ 22]، {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ} [الأنعام 31/ 6].
أما معايير البشر فهي خطأ، مثل كون محمد صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب، إذ قال القرشيون: العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا إلا يتيم أبي طالب، أو أنه فقير، وهم يريدون كونه غنيا مترفا وزعيما مرموقا:{لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف 31/ 43] وهم يعنون إما الوليد بن المغيرة من مكة، أو مسعود بن عمرو الثقفي من الطائف.
ومهمة هذا النبي الموحي إليه هي الإنذار من النار: {أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ} أي أوحينا إليه بأن أنذر الناس وخوفهم من عذاب النار يوم البعث، إذا ظلوا كافرين ضالين عاصين، كما قال تعالى:{لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ، فَهُمْ غافِلُونَ} [يس 6/ 36] وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم قدم صدق عند ربهم، أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة عند الله في جنات النعيم، وأجرا حسنا بما قدموا.
والأعمال الصالحة: هي صلاتهم وصومهم وصدقهم في القول والفعل وتسبيحهم.
والإنذار والتبشير هما من أخص صفات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح القرآن بهما في آيات كثيرة مثل:{لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} [الكهف 2/ 18]{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب 45/ 33].
وفي الكلام حذف يدل الظاهر عليه تقديره: ومع أنا بعثنا إليهم رسولا منهم، رجلا من جنسهم، بشيرا ونذيرا، {قالَ الْكافِرُونَ: إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ} أي قال المنكرون المكذبون رسالته: إن محمدا ساحر ظاهر. وعلى قراءة:
{إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} معناه إن هذا القرآن سحر ظاهر بيّن. وعلى أي حال فإنهم وصفوا القرآن وصاحبه المنزل عليه بالسحر وكونه الساحر، وهم الكاذبون في ذلك. ووصفوه بالسحر لما رأوا من تأثيره القوي في القلوب، والسحر عندهم يطلق على كل فعل غريب خارق للعادة، لا يعرف له سبب، مؤثر في النفوس، جذاب يلفت الأنظار.
ثم تبيّن لعقلاء العرب وحكمائهم أن القرآن ليس سحرا، لأنهم جربوا السحر وعرفوه، فلم يجدوه مطابقا له، لأن السحر علم يعتمد إما على الحيل والشعوذة، أو على خواص بعض الأشياء الطبيعية، أو على علم النجوم، أو على دراسات نفسانية، والقرآن ليس من هذه الأشياء إطلاقا بالتجربة والحس والمشاهدة والموازنة، وإنما هو مغاير لها، وفوقها، لأنه وحي من عند الله على قلب نبيه، مشتمل على أحكام سامية عالية في التشريع والقضاء، والسياسة والاجتماع، والعلوم والأخلاق والآداب، معجز في أسلوبه ونظمه ومعانيه، يفوق قدرة البشر على محاكاته أو الإتيان بشيء من مثله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمّا جاءَهُمْ، وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت 41/ 41 - 42]{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً، مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ}