الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنها، ذكر أنهم عدلوا إلى طريق آخر، وهو التهديد والتخويف بأنهم أصحاب السلطة والمال، فأجابهم الله عن ذلك بقوله:{وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} تبشيرا له بالنصر عليهم، كما أنه تعالى مهد لذلك في بيان صفة الأولياء وبشارتهم في الآيات المتقدمة، إيماء إلى الوعد بالنصر على الأعداء في مكة المغترين بقوتهم، المكذبين بوعد الله.
التفسير والبيان:
ولا يحزنك أيها الرسول قول هؤلاء المشركين: لست مرسلا، وغيره من إشراك وتكذيب وتهديد بأنهم أصحاب القوة والمال، واستعن بالله عليهم، وتوكل عليه، فإن العزة أي الغلبة والقوة والقهر لله تعالى جميعا، أي جميعها له، وأما إثبات العزة لرسوله وللمؤمنين ففي آية أخرى:{وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون 8/ 63] فالعزة كلها بالله، وإلى الله.
هو السميع لأقوال عباده، ومنها أقوالهم المتضمنة تكذيب الحق وادعاء الشرك، العليم بأحوالهم وبما يفعلون من إيذاء وكيد، وسيجازيهم عليه، فلا تأبه لقولهم ومكيدتهم، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم على ما يلقاه من أذى قومه، وتبشير له بالنصر عليهم.
ثم أقام الدليل على انفراده بالعزة كلها بقوله: {أَلا إِنَّ لِلّهِ..} . أي انتبهوا أيها الناس، إن لله ملك السموات والأرض وما بينهما، لا ملك لأحد فيهما سواه، فكيف تصلح الأصنام آلهة؟ وهي مملوكة، والعبادة لا تكون إلا للمالك، بل إنها لا تعقل ولا تملك شيئا، لا ضرا ولا نفعا، ولا دليل لهم على عبادتها، بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وأوهامهم.
{وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ} أي لا يتبع هؤلاء المشركون شركاء لله في الحقيقة، فليس لله شريك أبدا، وليس للشركاء المزعومين
قدرة على شيء من تدبير أمور العباد ودفع الضر عنهم، بل إنهم لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم، ولا يملكون جلب أي نفع لهم.
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ.} . أي ما يتبع المشركون في الحقيقة فيما يزعمون إلا الظن الفاسد والخطأ الفادح، وما هم في هذا الظن إلا متخرصون كاذبون فيما ينسبون إلى الله، أو حازرون مقدّرون أن تكون شركاء تقديرا باطلا.
فهذه الجمل الثلاث بعد بيان استقلال الله بملكية ما في السموات وما في الأرض مؤكدات متوالية، تؤكد سلب صلاحية الملائكة والأصنام والمسيح وغيرهم عن اتخاذها آلهة، ولا اتخاذها وسطاء أو شفعاء أو وسائل لله، كما هو شأن حكام الدنيا والملوك الظالمين الذين لا يصل إليهم إلا الوسطاء، فجميع من في السموات والأرض مملوك لله تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} [مريم 93/ 19] والمملوك لا شأن له أمام المالك.
ثم استدل تعالى على كون العزة لله جميعا وانعدام أي دور للشركاء مع الله في الخلق والتقدير والتصرف والتدبير بقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ.} . أي إنه تعالى قسم الزمان قسمين وهما الليل والنهار، وجعل الليل للاستراحة والسكن والاطمئنان فيه بعد عناء النهار والاشتغال فيه، وجعل النهار مضيئا للمعاش والسعي والأسفار وقضاء المصالح، كقوله تعالى:{وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً} [النبأ 9/ 78 - 11] وقوله سبحانه:
ففي هذا تنبيه على كمال قدرته تعالى، وعظيم نعمته المتوحد هو بهما، ليدلّهم على تفرده باستحقاق العبادة، وأن يوحدوه بها، بأنه أظلم الليل للسكن فيه من متاعب المعاش في النهار، وأضاء النهار لإبصار مطالب الأرزاق