الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهاد فرض كفاية، متى قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، لا فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل، وإنما يصبح فرض عين إذا خرج الرسول للجهاد واستنفر الناس إليه.
فهلا نفر في أثناء النهضة من كل جماعة كالقبيلة أو البلد طائفة قليلة منهم للتفقه في الدين، ومعرفة أحكام الشريعة وأسرارها، حتى إذا ما رجع المجاهدون من المعركة أنذروهم من الأعداء وحذروهم من غضب الله وعرفوهم أحكام الدين، لكي يخافوا الله، ويحذروا عاقبة عصيانه، ومخالفة أمره.
والضمير في {لِيَتَفَقَّهُوا} ، و {لِيُنْذِرُوا} للمقيمين مع النبي صلى الله عليه وسلم. وضمير {إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} أي المجاهدون من الجهاد.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية على الأحكام التالية:
1 -
الجهاد فرض كفاية، وليس فرض عين، إذ لو نفر الكل لتعطلت مصالح الأمة، وتضررت الأسر والأولاد، فليخرج فريق من المسلمين للجهاد، وليقم فريق يتفقهون في الدين، ويحفظون الحريم، ويصونون مصلحة البلاد.
حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع. وهذه الآية مبينة لقوله تعالى: {إِلاّ تَنْفِرُوا} وللآية التي قبلها: {اِنْفِرُوا} .
وقال مجاهد وابن يزيد: ناسخة والأصح القول بأنها مبينة لا ناسخة. وكل من {مِنْ} المفيدة للتبعيض، والفرقة (الجماعة الكثيرة) والطائفة (الجماعة الأقل) يفيد كون الجهاد وطلب العلم موجها للبعض.
2 -
وجوب طلب العلم، والتفقه في القرآن والسنة، وهو فرض على الكفاية لا على الأعيان؛ بدليل قوله تعالى: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ
لا تَعْلَمُونَ} [النحل 16/ 43]. وآية {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} وإن اقتضت فقط الحث على طلب العلم والندب إليه دون الوجوب والإلزام، فقد لزم طلب العلم بأدلة أخرى، مثل حديث:«طلب العلم فريضة على كل مسلم» رواه ابن عدي والبيهقي عن أنس، ورواه آخرون.
والطائفة وإن أطلقت على الاثنين والواحد في اللغة، فلا شك إن المراد بها هنا جماعة؛ لقوله تعالى:{لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} فجاء بضمير الجماعة، ولأن العلم لا يتحصل بواحد في الغالب.
ومما يدل على أن الواحد يقال له طائفة قوله: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات 9/ 49] يعني نفسين، بدليل قوله تعالى:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} فجاء بلفظ التثنية. وأما ضمير {اِقْتَتَلُوا} وإن كان ضمير جماعة، فأقل الجماعة اثنان، في أحد القولين للعلماء.
3 -
يجب أن يكون المقصود من التفقه والتعلم دعوة الخلق إلى الحق، وإرشادهم إلى الدين القويم والصراط المستقيم؛ لأن الآية أمرت بإنذارهم إلى الدين الحق، وعليهم أن يحذروا الجهل والمعصية، ويرغبوا في قبول الدين. فغرض المعلم الإرشاد والإنذار، وغرض المتعلم اكتساب الخشية. هذا.. وطلب العلم ينقسم قسمين: فرض على الأعيان؛ كالصلاة والزكاة والصيام، وفرض على الكفاية؛ كتحصيل الحقوق وإقامة الحدود والفصل بين الخصوم ونحوه.
وطلب العلم فضيلة عظيمة، ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل، لما رواه مسلم:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» وروى الترمذي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل