الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشؤم مشاهدتهم. وفي تقديم التّوكل على الدّعاء تنبيه على أن الدّاعي ينبغي أن يتوكّل أولا لتجاب دعوته.
{أَنْ تَبَوَّءا} اتّخذا مباءة ومسكنا يسكنون فيها أو يرجعون إليها للعبادة. {وَاجْعَلُوا} أنتما وقومكما. {بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} مصلّى أو مساجد تصلّون فيها لتأمنوا من الخوف، وكان فرعون منعهم من الصّلاة. {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أتّموها فيها حتى لا يؤذيهم الكفرة ويفتنوهم عن دينهم.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} بالنّصر في الدّنيا والجنّة في الآخرة.
وإنما ثنّى ضمير {تَبَوَّءا} أولا؛ لأن التبوء للقوم واتّخاذ المعابد مما يتعاطاه رؤوس القوم بتشاور، ثم جمع في قوله:{وَاجْعَلُوا} لأن جعل البيوت مساجد والصّلاة فيها مما ينبغي أن يفعله كل أحد، ثم أفرد بقوله:{وَبَشِّرِ} لأن البشارة في الأصل وظيفة صاحب الشّريعة.
المناسبة:
أبان الله تعالى أنه بالرّغم من مشاهدة المعجزات الباهرة على يد موسى عليه السلام، فإنه لم يؤمن به من بني إسرائيل إلا طائفة من شبّان قومه، توطئة لإخراجهم من أرض مصر. وفي ذلك تسلية للنّبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يغتم بسبب إعراض القوم عنه واستمرارهم على الكفر، فله بسائر الأنبياء أسوة.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل الثالث من قصة موسى عليه السلام.
يخبر الله تعالى أنه لم يؤمن بموسى عليه السلام في أول أمره، مع ما جاء به من الآيات البيّنات والحجج القاطعات، إلا قليل من قومه بني إسرائيل، وهم طائفة من الشباب، على وجل وخوف من فرعون وملئه أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر؛ لأن فرعون كان جبارا عنيدا، مسرفا في التّمرد والعتوّ متجاوزا الحدّ في الظلم والفساد، شديد البطش والفتك، حتى إنه ادّعى الرّبوبية واسترقّ أسباط الأنبياء، وكانت له سطوة ومهابة تخاف رعيته منه خوفا شديد. فالضمير في
{قَوْمِهِ} عائد إلى بني إسرائيل قوم موسى، لأن الضمير يعود إلى أقرب المذكورين. وهذا قول مجاهد.
وقيل: الضمير في {قَوْمِهِ} لفرعون، والذّرّية: مؤمن آل فرعون، وآسية امرأته، وخازنه، وامرأة خازنه، وماشطته. وهذا قول ابن عباس.
وضمير {مَلائِهِمْ} يعود إلى فرعون بمعنى آل فرعون، أو على ما هو المعتاد في ضمير العظماء.
والذّرّية: أولاد الذين أرسل إليهم موسى.
{وَقالَ مُوسى: يا قَوْمِ، إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ.} . أي وقال موسى لمن آمن من قومه وقد رأى خوفهم من الاضطهاد والتّعذيب: إن كنتم آمنتم أي صدّقتم بالله وبآياته حقّ الإيمان، فعليه توكّلوا واعتمدوا، وبه ثقوا، واطمئنوا لوعده، إن كنتم مسلمين أي إن كنتم مستسلمين لقضاء الله، مذعنين مخلصين له؛ إذ لا يكون الإيمان كاملا إلا إذا صدّقه العمل وهو الإسلام، فالمعلّق بالإيمان وجوب التّوكل، فإنه المقتضي له، ثم شرط في التّوكل الإسلام: وهو أن يسلموا نفوسهم لله بأن يجعلوها له سالمة خالصة، لا حظّ للشيطان فيها، وذلك بأن يعملوا بالأحكام؛ لأن التوكل الصحيح لا يكون مع خلطه بغيره. والخلاصة: أن الإيمان: عبارة عن صيرورة القلب عارفا بأن واجب الوجود لذاته واحد، وأن ما سواه محدث مخلوق تحت تدبيره وقهره وتصرفه. والإسلام: هو الانقياد للتّكاليف الصادرة عن الله تعالى، وإظهار الخضوع وترك التّمرد.
فقالوا على الفور ممتثلين أمره لأنهم كانوا مؤمنين مخلصين: {عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا} وبه وحده استعنا على أعدائنا، ثم دعوا ربّهم قائلين:{رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} أي بأن تنصرهم علينا وتسلطهم علينا فيفتتن الناس،
ويقولون: لو كان هؤلاء على حقّ لما هزموا أمام فرعون وظلمه، أو موضع فتنة لهم أي عذاب بأن يفتنونا عن ديننا {وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} أي خلّصنا برحمتك وإحسانك وعفوك من تسلّط الكافرين بك، الظالمين الطّغاة، الذين كفروا الحقّ وستروه، ونحن قد آمنّا بك وتوكّلنا عليك.
وقد دعوا بهذا الدّعاء؛ لأن التّوكل على الله هو أعظم علامات الإيمان لا يكمل إلا بالصّبر على الشّدائد، والدّعاء لا يستجاب إلا مع الطاعة واتّخاذ الأسباب، قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق 3/ 65]، وكثيرا ما يقرن الله بين العبادة والتّوكل كقوله:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود 123/ 11]، وقوله تعالى:{قُلْ: هُوَ الرَّحْمنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا} [الملك 29/ 67]، وقوله تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل 9/ 73]. وأمر الله تعالى المؤمنين أن يكرروا في صلواتهم:
{إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة 5/ 1].
ثم ذكر الله تعالى سبب إنجائه بني إسرائيل من فرعون وقومه، وكيفية خلاصهم منهم، فقال:{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ.} . أي أمرنا موسى وأخاه هارون عليهما السلام أن يتبوأ أي يتّخذا لقومهما بمصر بيوتا تكون مساكن للاعتصام فيها، والأصح أن تكون مساجد وليست منازل مسكونة في رأي أكثر المفسّرين.
وأمرهما مع قومهما أن يجعلوا البيوت مساجد متّجهة نحو القبلة، بأن يصلّوا في بيوتهم؛ لأنهم كانوا خائفين. وقال قتادة والضّحّاك وسعيد بن جبير:
{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي يقابل بعضها بعضا. قال القرطبي: والقول الأول أصح؛ أي اجعلوا مساجدكم إلى القبلة باتّجاه بيت المقدس، وهو قبلة اليهود إلى اليوم.