الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدكم يعمل في صخرة صماء، ليس لها باب ولا كوّة، لأخرج الله عمله للناس، كائنا ما كان» وقد ورد: أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ،
كما قال أبو داود الطيالسي، روي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك» .
وستردون يوم القيامة إلى الله الذي يعلم سرائركم وعلانيتكم، يعلم الغائب والحاضر، والباطن والظاهر، فيعرفكم أعمالكم، ثم يجازيكم عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وهذا كلام جامع للترغيب والترهيب.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات الأحكام الثلاثة التالية:
1 -
فرضية أخذ الصدقات وهي الزكوات الواجبة لتطهير النفوس وتزكيتها وتنمية الأموال والبركة فيها. وأن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة وطمأنينة.
2 -
قبول الله توبة التائبين بحق أي التوبة الصحيحة، وقبول الصدقات الصادرة عن خلوص النية والإثابة عليها، وسمى تعالى نفسه باسم {اللهُ} لينبه على أن كونه إلها يوجب قبول التوبة، والتخصيص بالله يدل على أن قبول التوبة وردها إلى الله، لا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 -
كل إنسان مجزي بعلمه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والعمل مشهود عند الله ورسوله والمؤمنين، وفي ذلك وعيد من الله تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى المؤمنين، في عالم البرزخ، كما قال تعالى:{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ} [الحاقة 18/ 69].
لكن آية: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ} عامة في أصناف الأموال، لم تبين نوع المال المأخوذ منه ولا مقدار المأخوذ، فيقتضي الظاهر أن يؤخذ من كل صنف بعضه؛ لأن {مِنْ أَمْوالِهِمْ} تقتضي التبعيض، فدلت الآية على أن القدر المأخوذ بعض تلك الأموال، لا كلها، لكن البعض غير مذكور هنا صراحة في اللفظ، فجاءت السنة والإجماع لبيان مقدار المأخوذ والمأخوذ منه، ومقادير الأنصبة ووقت الاستحقاق، ويكون لفظ الزكاة مجملا في هذه الوجوه كلها، مفتقرا إلى البيان فيما ذكر كما قال الجصاص. وقد نص القرآن على زكاة الذهب والفضة بقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [التوبة 34/ 9] ونص أيضا على زكاة الزروع والثمار في قوله سبحانه:
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ} إلى قوله: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} [الأنعام 141/ 6] وأوضحت السنة زكاة سائر الأموال الأخرى التي تجب فيها الزكاة، وهي عروض التجارة، والأنعام السائمة (الإبل والبقر والغنم) وبينت مقاديرها وأنصبتها
روى الأئمة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة»
(1)
.
وأجمع العلماء على أن الأوقية أربعون درهما؛ فإذا ملك الحر المسلم مائتي درهم من الفضة، وهي الخمس الأواق المنصوصة في الحديث، حولا كاملا، فقد وجبت عليه صدقتها، وذلك ربع عشرها خمسة دراهم.
وإنما اشترط الحول
لما أخرجه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول. وما زاد على المائتي درهم من الفضة فبحساب ذلك في كل شيء منه ربع عشره، قل أو كثر.
(1)
الخمسة أوسق 653 كغ، والورق: الفضة، والذود من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشرة.
وأما زكاة الذهب فتجب في رأي جمهور العلماء إذا كان الذهب عشرين دينارا قيمتها مائتا درهم، فما زاد، عملا بحديث علي الذي أخرجه الترمذي.
وأما زكاة الغنم ففي كل أربعين شاة شاة، على ما جاء في كتاب الصّديق لأنس لما وجهه إلى البحرين، وأخرجه البخاري وأبو داود والدارقطني والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
وزكاة البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة؛ لما رواه الدارقطني والترمذي عن معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن.
ولا زكاة في رأي الجمهور على الأنعام إلا إذا كانت سائمة ترعى في البراري ونحوها؛
لما روى الدارقطني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في البقر العوامل صدقة»
وروى الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسّنة»
وروى أبو داود والدارقطني عن علي «ليس على العوالم شيء»
وفي حديث البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لأبي بكر الصديق كتابا في الصدقات، جاء فيه:«صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين، فيها شاة» فنفى بذلك الصدقة عن غير السائمة.
وقال مالك والليث: في العوامل صدقة، لعموم
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس المتقدم: «في خمس من الإبل شاة» والجواب: ذلك مخصوص بالأحاديث المتقدمة.
وظاهر عموم هذه الآية يوجب الزكاة في مال المديون وفي مال الضمان أي الكفالة.
وأما قوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} فقال الزجاج: والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، أي فإنك تطهرهم وتزكيهم بها، على القطع والاستئناف. ويجوز الجزم على جواب الأمر، والمعنى: إن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم. وظاهر الآية يدل على أن الزكاة إنما وجبت طهرة عن
الآثام، وبما أن الإثم لا يتقرر إلا في حق البالغ، فوجب ألا تجب الزكاة في حق الصغير، كما قال أبو حنيفة رحمه الله. وأوجب الجمهور الزكاة في مال الصبي والمجنون، لأن الآية تدل على أخذ الصدقة من أموالهم، فتكون طهرة للأموال.
وظاهر قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أنه يجب على الإمام أو نائبه إذا أخذ الزكاة أن يدعو للمتصدق بالبركة، وهذا رأي الظاهرية. وأما سائر الأئمة فحملوا الأمر على الندب والاستحباب؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم» ولم يأمره بالدعاء لهم، ولأن الفقراء إذا أخذوا الزكاة لا يلزمهم الدعاء.
ومع هذا،
روى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم: قال: «اللهم صل عليهم» فأتاه ابن أبي أوفى بصدقته، فقال:«اللهم صلّ على آل أبي أوفى» والصلاة هنا: الرحمة والترحم. وبناء عليه قال الحنابلة والظاهرية في صيغة الدعاء: لا مانع أن يقول آخذ الزكاة: اللهم صل على آل فلان. وقال باقي الأئمة: لا يجوز هذا القول؛ لأن الصلاة صارت مخصوصة بالأنبياء عليهم السلام. ولا خلاف أن يجعل غير الأنبياء تبعا لهم، فيقال: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه؛ لأن السلف استعملوه، وأمرنا به في التشهد.
والسلام في حكم الصلاة؛ لأن الله تعالى قرن بينهما، فلا يفرد به غائب على غير الأنبياء. أما استحباب السلام في مخاطبة الأحياء تحية لهم وفي تحية الأموات فهو ثابت في السنة.
واستحسن الشافعي أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهورا، وبارك لك فيما أبقيت.