الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} في النظر استعارة تمثيلية، حيث شبه حال العباد مع الله، بحال رعية مع حاكمها، في إمهالهم للنظر في أعمالهم، وأستعير المشبّه به للمشبه للتقريب والتمثيل، لكن ليس كمثل الله شيء. وأستعير لفظ النظر للعلم الحقيقي الذي لا يتطرق الشك إليه، وشبه هذا العلم بنطر الناظر وعيان المعاين.
المفردات اللغوية:
{الْقُرُونَ} الأمم، جمع قرن: وهم القوم المقترنون في زمان واحد. {مِنْ قَبْلِكُمْ} يا أهل مكة وأمثالكم. {لَمّا ظَلَمُوا} بالشرك والتكذيب. {بِالْبَيِّناتِ} الدلالات الواضحات الدالة على صدقهم. {كَذلِكَ} مثل ذلك الجزاء: وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل وإصرارهم عليه بحيث تحقق أنه لا فائدة في إمهالهم. {نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} الكافرين.
{ثُمَّ جَعَلْناكُمْ} يا أهل مكة. {خَلائِفَ} جمع خليفة وهو من يخلف غيره في الشيء أي استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر. {لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فيها، أتعملون خيرا أو شرا، فنعاملكم على مقتضى أعمالكم، وهل تعتبرون بالأمم السابقة، فتصدقوا رسلنا.
وننظر: نشاهد ونرى.
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى أنهم كانوا يتعجلون العذاب، وأوضح أنه لا فائدة في إجابة دعائهم، ثم ذكر أنهم كاذبون في هذا الطلب؛ إذ لو نزل بهم ضر، تضرعوا إلى الله تعالى في إزالته وكشفه، بيّن هنا ما يجري مجرى التهديد: وهو أنه تعالى قد ينزل بهم عذاب الاستئصال، كما أنزله في الأمم السابقة، ليكون ذلك رادعا لهم عن مطلبهم تعجيل العذاب.
التفسير والبيان:
يخاطب الله تعالى أهل مكة ويخبرهم بأنه أهلك كثيرا من الأمم قبلهم بسبب ظلمهم وتكذيبهم الرسل فيما جاءوهم به من البينات والحجج الواضحات، كما قال:{وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمّا ظَلَمُوا، وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف 59/ 18] وهلاك تلك القرى والأمم بالظلم: إما بعذاب الاستئصال لأقوام
الرسل الذين كذبوا بهم مثل قوم نوح وعاد وثمود، وإما بإضعافهم واستيلاء الأمم القوية عليهم بسبب ظلم الأفراد بالفسق والفجور أو ظلم الحكام.
لقد أهلكناهم لما كذبوا بالبينات الدالة على صدق رسلهم، وما كانوا ليؤمنوا، أي وما كانوا يؤمنون حقا، وهو تأكيد لنفي إيمانهم، وأن الله قد علم منهم أنهم يصرون على الكفر، وأن الإيمان مستبعد منهم. والمعنى: أن السبب في إهلاكهم تكذيبهم الرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل.
كذلك.. أي مثل ذلك الجزاء أي الإهلاك، نجزي كل مجرم. وهذا وعيد شديد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم خاطب الله الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {ثُمَّ جَعَلْناكُمْ} أي جعلناكم خلفاء في الأرض بعد تلك القرون التي أهلكنا، لننظر أتعملون خيرا أم شرا، وننظر طاعتكم لرسولنا واتباعكم له.
وفي هذا بيان بأن أمة الإسلام ستكون لها الخلافة في الأرض إذا لازمت الطاعة واتبعت هدي القرآن: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور 55/ 24] وقد تمت هذه فملكوا ملك كسرى وقيصر وفرعون وكثير من الأمم. وجاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء» .
والخلافة منوطة بالأعمال الصالحة، لا بمجرد الوراثة للصفة الإسلامية.